الحكومة العربية في دمشق

التجربة المبكرة للدولة العربية الحديثة (1918-1920)
17 يناير،2021
المؤلفون

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الحكومة العربية في دمشق: التجربة المبكرة للدولة العربية الحديثة (1918-1920)، وهو حصيلة جهد عدد من الباحثين المختصين الذين شاركوا بأوراقهم البحثية في مؤتمر عقده المركز في بيروت خلال الفترة 26-27 نيسان/ أبريل 2019.

يضم الكتاب (820 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) ثمانية عشر بحثًا أقرت اللجنة العلمية مشاركتها في المؤتمر، وتوزّعت في خمسة أقسام.

يشتمل القسم الأول، "الحكومة العربية في خضم التحولات الإقليمية والدولية" على ثلاثة فصول. وفي الفصل الأول، وهو بعنوان "دور نفط الموصل في تعديل الاتفاقيات التقاسمية 1918–1920"، يقصد محمود غزلان بـ "التعديل" تعديلَ اتفاقية سايكس-بيكو الأصلية. ويتتبع، عبر مدخل منهجي تاريخي كرونولوجي تحليلي، بروز مشكلة الموصل في الاتصالات البريطانية – الفرنسية الأولى بشأن هذه الاتفاقية، والتعديل الذي طرأ عليها بصورة شفوية، في أوائل كانون الأول/ ديسمبر 1918، بين لويد جورج وجورج كليمنصو، على أساس أن الموصل وفلسطين لبريطانيا، وسوريا لفرنسا، في مقابل حصة لفرنسا في نفط الموصل، كما يتتبع الشروط التي حكمت ذلك.

بين المحلي والإقليمي

في الفصل الثاني الذي وَرد بعنوان "النظرة الأميركية/ الولسونية إلى ’الدولة العربية‘ في بلاد الشام خلال 1918-1919: ’الكتاب الأسود‘ ومآله"، يهتمّ محمد الأرناؤوط بجوانب غير معروفة عن هذا "الكتاب" الذي كان دليلَ عملٍ بالنسبة إلى الوفد الأميركي في مؤتمر الصلح. وهو عبارة عن نتائج دراسات لجنة علمية سرية كلفها الرئيس ولسون بوضع خريطة دقيقة جديدة للعالم، في إطار مفهومه لسلم علمي أو قائم على العلم، استعدادًا لعقد مؤتمر الصلح بعد نهاية الحرب وبناء نظام عالمي جديد. وعُرف هذا التقرير لاحقًا بـ "الكتاب الأسود"؛ نسبةً إلى لون غلافه.

أمّا في الفصل الثالث، "حكومة دمشق العربية بين المحلي والإقليمي والدولي"، فيقدم محمود حداد رؤية تاريخية مركّبةً لإشكالية وضع الحكومة العربية في شروطها المحلية والإقليمية والدولية، مركّزًا على الترابطات بينها، وآثارها المعقدة في الحكومة العربية، ومحللًا ثلاث معضلات مترابطة واجهت الحكومة العربية بعد قيامها، هي: المعضلة المحلية المتمثلة في محاولة التوفيق بين القيادة الآتية من خارج دمشق والقيادات المحلية الشعبية، إضافة إلى بعض الأعيان ذوي النفوذ الداخلي، والمعضلة المحلية الإقليمية السورية المتمثلة في التوفيق بين أمل تحقيق الوحدة الجغرافية السورية ومعالجة وضع جبل لبنان الذي كان يتمتع باستقلال ذاتي منذ عام 1861، ومعضلة التغيّر الذي أحدثه وعد بلفور في تماسك القيادات العربية السورية التي تعتبر بريطانيا حليفًا لها.

بناء الدولة العربية

يضمّ القسم الثاني، "في بناء الدولة العربية"، خمسة بحوث. وفي الفصل الرابع من هذا القسم، "الحكومة العربية وتطور فكرة العروبة"، قدّم خالد زيادة تمهيدًا مكثفًا لإشكاليته بشأن تطور فكرة العروبة في ميراث النهضة العربية الحديثة، ومحطاته الأساسية، وصولًا إلى قيام الحكومة العربية في دمشق، وتحولها إلى مركز للقوميين والعروبيين، وللخريجين العرب من معاهد إسطنبول الحقوقية العليا. وقد ركز على دورهم بشرائحهم الثلاث (الإصلاحيون المسلمون العروبيون اللامركزيون في مرحلة ما قبل قيام الحكومة العربية، والمثقفون العروبيون ذوو النزعة العلمانية الذين تلقوا علومهم في الغرب، ولا سيما في فرنسا، وخريجو معاهد الآستانة ذات البرامج العصرية) في الالتفاف حول الحكومة العربية، وعلى أثرهم في تطوير فكرة العروبة، وتطوير أبعادها الإصلاحية التعددية في مجتمع مركّب الهوية.

وفي الفصل الخامس، "الحكومة العربية وبناء الدولة"، ينطلق عمار السمر من زاوية أن ما قام في دمشق لم يكن دولة، بل حكومة اتبعت الأنظمة القانونية العثمانية السابقة، وورثت أجهزتها، وانطلقت منها لبناء الدولة العربية المنشودة قبل تقلصها إلى الدولة السورية فقط، مستندًا في ذلك إلى قرارات ومراسيم صادرة عن أعلى المراكز في الحكومة، صُنّفت خطأً في السجل رقم 4 محاكم مختلطة، وهو يعود إلى حاكم الحقوق الأول في الحكومة العربية، وقد جرى العمل بوثائقه خلال مرحلة الحكومة العربية، وخلال فترة من مرحلة الانتداب الفرنسي أيضًا.

الحكومة والنخب والمؤتمر السوري

يحدد أحمد قربي، في الفصل السادس، "أثر النخبة السياسية والثقافة الدستورية السائدة في دستور سوريا لعام 1920"، تأثر الدستور في سوريا بعوامل عدة، أهمها التكوين الفكري للنخب التي شاركت في كتابته، والسياق الدستوري السائد من خلال تحليل أقسامه في إطار الوضع السياسي لبلاد الشام بعد تحررها من الحكم العثماني. ثم يقارن بين الدستور السوري والدساتير التي سبقته، مستلهمًا بعض عناصرها.

ثمّ يركز فاروق حبلص في الفصل السابع، "الحكومة العربية في دمشق وعلاقتها بالمؤتمر السوري الأول وبالملك فيصل كما رآها رشيد رضا"، على بناء هذه المؤسسات، متوقفًا عند تحليل رؤية محمد رشيد رضا للحكومة العربية والمؤتمر السوري العام، مبينًا رأي رضا الإيجابي في الحكومة العربية، ومركّزًا بدرجة رئيسة على المؤتمر السوري العام، وتشكيلته وهيكليته المؤسسية.

إثر ذلك، يعرض بسام البطوش في الفصل الثامن، "محمد رشيد رضا والحكومة العربية 1918-1920: جدل الفكر والسياسة"، تاريخ رشيد رضا السياسي والفكري، ومصادره التكوينية، وموضوعات خلافه مع الشريف حسين بعد اندلاع الثورة العربية. ويُعنى بمحطات تحوُّلية فكرية وسياسية مهمة في حياة رشيد رضا حتى دوره الفكري والحركي والسياسي في المسألة السورية في مصر، وصولًا إلى بحث إشكاليته الأساسية المتمثلة في تحليل جدل الفكر والسياسة في العلاقة بين رشيد رضا والحكومة العربية، ومع الملك فيصل، في إطار الأحزاب والجمعيات السياسية، وفي إطار المؤتمر السوري العام.

الحكومة العربية وتركيا

يشتمل القسم الثالث، "علاقات الحكومة العربية بتركيا"، على بحثين. وفي الفصل التاسع، "الحكومة العربية في دمشق في وثائق الأرشيف العثماني"، يحلل فاضل بيات بعض أبرز الوثائق العثمانية التي توصل إليها بشأن المتابعة العثمانية لما كان يجري في سوريا إبان مرحلة الحكومة العربية، ويعالج هذه القضية عبر عرض وتحليلٍ لتقارير بعض الضباط العثمانيين الموفدين سرًّا إلى سوريا، ووضع منتسبي الدولة من الأتراك بعد الانسحاب العثماني من سوريا، ووضع العائلات العربية العالقة في الأناضول، وتسريح الجنود العرب من الجيش العثماني، ومتابعات الحكومة العثمانية لسياسات الحكومة العربية وإجراءاتها لتوسيع سيطرتها على الأراضي وعلاقاتها بالعشائر.

أمّا في الفصل العاشر، "العلاقات التركية - العربية السورية: مشروع اتفاقية فيصل - مصطفى كمال"، فقد ركز محمد جمال باروت، على جدل تاريخي تخصصي شاق ساد حول مدى حقيقة الوثائق، أو حول مدى كونها مزعومة، وهو الجدل الذي يمثّل في الكتابات التاريخية العربية والتركية محطةً من أهم محطات الجدل المنهجي الدائر حول صدقية هذه الوثائق.

مواقف واتجاهات

يضمّ القسم الرابع، "مواقف واتجاهات وأدوار"، خمسة بحوث. وفي الفصل الحادي عشر، "مواقف آل الأمير عبد القادر الجزائري من الحكومة العربية في دمشق"، يهتمّ أحمد محمد بوسعيد بتصدُّر آل الأمير عبد القادر الجزائري إعلان أول حكومة عربية تحت الراية الهاشمية، بعد انسحاب القوات العثمانية من سوريا، التي استمرت ثلاثة أيام فقط، وذلك من منطلق فهم تجربة آل الجزائري الذين غدوا متجذرين في تاريخ بلاد الشام بواسطة التجربة نفسها.

ثمّ يقدم أيمن أحمد محمود في الفصل الثاني عشر، "موقف السوريين في مصر من تطورات القضية السورية في ضوء الصحافة المصرية (1918–1920)"، أول دراسة متكاملة عن الحكومة العربية من خلال الصحافة المصرية في الفترة المدروسة، مثل المقطم والأمة والمنار والأهرام، التي أدت دورًا بارزًا في التعبير عن آراء الجالية السورية الكبيرة والنشطة في مصر فكريًا وسياسيًا، وكذلك في التأثير فيها من خلال أحزابها وأنديتها وجمعياتها المتعددة الاتجاهات في القاهرة والإسكندرية.

في حرية الأمة

يعرض بلال شلش في الفصل الثالث عشر، "’حرية الأمة بيدها‘: الفلسطينيون والحكم العربي في دمشق - الحضور والمواقف (1918–1920)"، إشكاليته بشأن دراسة حضور الفلسطينيين ومواقفهم، نخبًا وعوامًّا، من الحكم العربي في دمشق، وكيفية تبلور هذه المواقف وتجذرها في ظل المخاطر والتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة عمومًا، وفلسطين خصوصًا، بعد الاحتلال البريطاني وإعلانه دعم المشروع الصهيوني فيها.

وقد عالج سيّار الجميل في الفصل الرابع عشر، "الضباط العراقيون الشريفيون ودورهم في الحكومة الفيصلية في دمشق (1918–1920)"، الأبعاد التاريخية لنخبة من الضباط العراقيين السابقين، الذين التحقوا بالثورة العربية عن طريق الأسر أو عن طريق الالتحاق المباشر، وتَسمَّوا بـ "الشريفيين" الذين كان مصطلحهم جاريًا في العراق، على العكس من سوريا التي ارتبط فيها استخدام هذا المصطلح بالفرنسيين.

أمّا في الفصل الخامس عشر، "تطور موقف مجلس الإدارة اللبناني بين الممارسات العسكرية الفرنسية وسياسة اللامركزية السورية، 1918–1920"، فيتوقف سيمون عبد المسيح عند إشكالية العلاقة بين مجلس إدارة جبل لبنان والحكومة العربية في دمشق بعد قيامها من جهة، والفرنسيين من جهة أخرى. ويعيد في بحثه تكثيف البنية الداخلية المؤسسية والوظيفية وتاريخها لمجلس الإدارة حتى قيام الحكومة العربية، ثم تطور أدواره السياسية بعد انعقاد مؤتمر الصلح، وسط سياسة اللامركزية التي اعتمدتها الحكومة العربية في العلاقة بينها وبين المناطق السورية الأخرى.

عوامل انهيار داخلية

يشتمل القسم الخامس، "في العوامل الداخلية لانهيار الحكومة العربية" على ثلاثة بحوث. وفي الفصل السادس عشر، "الأوضاع المالية والنقدية في منطقة الحكومة العربية وآثارها الاجتماعية: من فورة النمو السريع إلى الأزمة المالية – الاجتماعية"، يقدّم محمد جمال باروت تحليلًا لهذه الأوضاع في مرحلة الحكومة العربية، وآثارها في سياسات الحكومة العربية التدخلية الاجتماعية، مركزًا على مصادر المعلومات العربية من خلال الجريدتين الرسميتين للحكومة العربية، العاصمة وحلب، ومصادر دراسة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والمالي السوري المبكرة في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته.

أمّا في الفصل السابع عشر، "حكومات العهد الفيصلي ’خزائن الرياح‘"، فقد توقف منذر جابر عند الحكومة الانتقالية المؤقتة الأولى التي لم يدم حكمها أكثر من ثلاثة أيام، ثم عند الحكومة العسكرية الأولى، فحكومتَي المديرين، وصولًا إلى حكومة الاستقلال الدستورية، مسلطًا الضوء على قيام مجموعة من الحكومات المحلية في المناطق السورية المختلفة، ولا سيما في الساحل (صيدا، وصور، وجبل عامل)، إضافة إلى شرق الأردن في منطقة الحكومة العربية.

أخيرًا، يحلل فتحي ليسير في الفصل الثامن عشر، "وقعة ميسلون (24 تموز/ يوليو 1920): قراءة في الأسباب الداخلية لهزيمة متوقعة"، موقع هذا اليوم في الإجهاز على أول تجربة لبناء دولة عربية مستقلة بعد نهاية المرحلة العثمانية؛ لا عبر مدخل دراسة العوامل الخارجية التي حسمته، والتي يشير إلى دورها الأساسي، بل عبر دراسة العوامل والمؤثرات الداخلية التي تسبّبت قليلًا أو كثيرًا في هزيمة ميسلون، أو قادت إليها، أو ساهمت فيها، أو سهّلتها، بوعي من الفاعلين العرب، أو بغير وعي منهم، مركزًا على أخطاء سياسية وعسكريّة، ومؤثرات أخرى مختلفة قادت إلى الهزيمة، أو تسبّبت فيها.

اقــرأ أيضًــا

فعاليات