وقد جاء الكتاب في ثلاثة أقسام توزعت على أحد عشر فصلًا توزعت على سبعة وأربعين مبحثًا، وفي القسم الأول من الكتاب يقوم المؤلف بتأسيس الأطروحة عبر تصنيف شبكة مصطلحاتها، مصفوفاتٍ شبه متمايزة، في حقولها الدلالية، المتدرجة من مستوى المشاركات الأدنى، إلى مستوى المفاضلات الأعلى، ثمّ ترسيم خلفياتها العميقة التي تكمن وراء تجلياتها المتعددة المظاهر والظواهر، انتهاء بخلاصة لهذا التأسيس، تتلمس أهم الملامح المميزة للشخصية الأندلسية، المجبولة على المفاضلة ذهنية وسلوكًا.
وينطلق القسم الثاني من الكتاب، من فكرة أنّ كل ممارسة إبداعية تستبطن المفاضلة وتطلبها، سواء أعلنت ذلك أم لم تعلنه، فخصص الفصل الرابع للنقد الأندلسي، من زاوية اشتغاله بالعمل على نحْت هرم طبقي للإبداع، على أساس أنّ فكرة الطبقية هناك متجذّرة في صميم روح المفاضلة المتحكمة في الذهنية الأندلسية، بينما تمحور الفصل الخامس حول مُحاكمة الأجناس والأساليب الأدبية، حيث قارب مشغلا آخر لذلك النقد، يتمثّل في ترصّد النصوص الأندلسية المنتجة في مَعْمَعان المحاكمات بين الأنواع والأساليب، والمدارس الأدبية، بصفتها مظهرًا من مظاهر إشكالية المُفاضلات في الأدب الأندلسي.
بينما خُصِّص القسم الثالث للأندلس فضاء الهويات المتفاعلة، حيث يفاضل المكانُ المكانَ، وينافس الإنسانُ الإنسانَ، ويباهي الزمانُ الزمانَ، ويجادل الإيمانُ الإيمانَ، ويساجل العرفانُ العرفانَ، وكأنّ في هذا البناء إيحاءً بأنّ المفاضلات ثمرة يانعة، والأدب غصنها النضير، والأندلس جذعها الراسخ الذي يمدها بالخصوبة والنماء.