عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، ندوة بعنوان "احتجاجات لبنان: السياقات المحلية والإقليمية ومستقبل النظام السياسي". وتأتي هذه الندوة في ظل استمرار الاحتجاجات التي يشهدها لبنان منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي بدأت في أعقاب إعلان الحكومة نيّتها فرض ضرائب جديدة، من بينها ضريبة على الخدمة الصوتية لتطبيق "واتساب" للهواتف الذكية. وقد تناولت الندوة التي ترأّسها مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي، أسباب الاحتجاجات وخلفياتها وتداعياتها وآفاقها، ومواقف القوى السياسية منها، وتأثير القوى الإقليمية فيها.

استهل سعود المولى، الأستاذ الزائر في برنامج علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في معهد الدوحة للدراسات العليا، مداخلته بالإشارة إلى أنّ موجة الاحتجاجات التي بدأت في 17 تشرين الأول/ أكتوبر في لبنان ليست الأولى من نوعها وطبيعتها، بوصفها انتفاضة تجاوزت حدود الطائفية والمناطقية؛ إذ عرف لبنان موجاتٍ احتجاجيةً عدة، آخرها تظاهرات "طلعت ريحتكم" التي بدأت في 22 آب/ أغسطس 2015 احتجاجًا على عجز الطبقة السياسية اللبنانية عن إيجاد حل لمشكلة النفايات في لبنان، وذلك قبل أن تتراجع بسبب اصطدامها بالنظام السياسي الطائفي. وقد شدّد المولى في مداخلته على مجموعة من ملامح الحركة الاحتجاجية اللبنانية التي يمكن ملاحظتها والاهتمام بها بحثيًا. أوّلها الطبيعة الجيلية؛ إذ يشكّل جيل الشباب، ولا سيما الشريحة العمرية 15-19 عامًا، المكوّن الرئيس للحركة الاحتجاجية، وهذا بطبيعته بحسب المولى لا ينفي وجود أجيال من غير هذه الفئة العمرية تشارك في الاحتجاجات. وثانيها أنّ احتجاجات لبنان تجاوزت حدود المناطق والطوائف؛ حيث يشارك اللبنانيون من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ويلتقون في مناطق عدة على امتداد جغرافيا لبنان. وثالثها دور وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما الفيسبوك والواتساب في حشد الاحتجاجات وتنظيمها. ورابعها أنّ البنية الاجتماعية المساهمة في الحراك الاحتجاجي متنوعة، وتنادي بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، وتجاوز نظام المحاصصة الطائفية ومحاربة الفساد. وخامسها كمية الإبداع الفني واللغوي ودوره في تعبئة المحتجين وحشدهم. واختتم المولى مداخلته بالإشارة إلى أنّ الحركة الاحتجاجية تواجه تحديات عدة، من بينها أنّ الأحزاب السياسية في لبنان محكومة بمجموعة من التوازنات الإقليمية التي قد تؤثّر في أهداف الحركة الاحتجاجية.

وركّز سهيل القش، الباحث الزائر في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، على التفاعلات السياسية الإقليمية ودورها في الحراك الاحتجاجي، وذلك بالتركيز على المكانة الجيوبوليتيكية للبنان، بوصفها مرآة تعكس التناقضات السياسية الحاصلة في المنطقة العربية. وأرجَع القش اهتمام القوى الإقليمية بالسيطرة على السياسة والطبقة السياسية في لبنان إلى مركزيته من ناحية الجغرافيا السياسية؛ فهو من جهة بلد مجاور لإسرائيل واضطلع بدور مهم في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، ومن جهة أخرى يُعدّ مطمعًا لقوى إقليمية ترغب في أداء دور في المنطقة، مستغلة تراجع مصر وسورية والعراق، بوصفها القوى الإقليمية التقليدية في منطقة المشرق العربي. ويضيف القش أنّ ثمة تغييرات مهمة حصلت في الخارطة السياسية في لبنان بعد عام 2006، ولا سيما بعد تحالف حزب الله مع قوى السلطة في لبنان؛ فهذا الحزب انتقل من حزب مشارك في السلطة إلى حزب يمثّل السلطة، مستفيدًا من علاقاته بالتيار الوطني الحر الذي يمثل الطائفة المسيحية المارونية من جهة، والطائفة السنّية التي يمثلها تيار المستقبل من جهة أخرى. ويرى القش أنّ هذه التحالفات المستفيدة من التغيرات الإقليمية في المنطقة أعطت إيران فرصة لاستغلالها، من أجل بناء نموذجها للتدخل في السياسة اللبنانية.

أمّا أدهم صولي، الأستاذ المشارك في برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، فقد حاجّ بأنّ ما يحصل في لبنان هو انتفاضة ساهمت في إعادة الإرادة والقوة للناس في الشارع، ولكن ميزان القوى السياسي المتحكم في مفاصل النظام السياسي لا يزال غير جاهز لإحداث تغيير سياسي. وركز صولي في مداخلته على ثلاثة جوانب رئيسة، يمكن من خلالها فهم الحدود السياسية للانتفاضة في لبنان. أوّلها أنّ ما يحصل في لبنان يمكن اعتباره أقل من ثورة وأكبر من حراك احتجاجي، لذلك يمكن وصفه بأنّه انتفاضة، تبدو إلى حد بعيد عفوية وبلا قيادة، وتمثّل شرائح وطبقات اجتماعية متعددة. وثانيها أنّها محاولة لإعادة الاعتبار لمجموعة من القيم الاجتماعية التي تساعد في ترسيخ الهوية الوطنية في لبنان، كالتضامن الاجتماعي. وأضاف بأنّ هذه القيم ستؤثر في طبيعة السياسة وشكلها في لبنان. وثالثها ضرورة ترجمة هذه القيم الاجتماعية التي أفرزتها الحركة الاحتجاجية إلى مؤسسات وقوانين وبرامج سياسية. واختتم صولي مداخلته بالإشارة إلى أنّ احتجاجات لبنان تواجه تحدياتٍ عدةً، من بينها ميزان القوى السياسي، والذي لا يزال يعطي القوى التقليدية فرصة أكبر للتحكم في طبيعة النظام السياسي.