ندوة أكاديمية للمركز العربي تناقش أسباب الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الإقليمية والدوليةعقدت وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الثلاثاء 22 شباط/ فبراير 2022، ندوة أكاديمية بعنوان "الأزمة الأوكرانية: أسبابها وتداعياتها الإقليمية والدولية"، شارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين المتخصصين في العلاقات الدولية، وهم مروان قبلان، باحث ومدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي؛ ونيكولاي كوزانوف، باحث مشارك في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر؛ ودانييل برومبيرغ، أستاذ مشارك في جامعة جورجتاون، وترأسها حيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي ورئيس تحرير دورية "سياسات عربية".

في المداخلة الأولى، ركّز مروان قبلان على تقديم تفسيرات عن الأهمية الجيوسياسية لأوكرانيا، وأسباب الصراع وخلفياته، ولماذا اندلعت الأزمة الآن؟ وما أهداف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحساباته؟ وهل أخطأ في هذه الحسابات؟ وما احتمالات الحرب والسلم؟ ومن الرابحون والخاسرون؟ وأشار إلى أن جذور الأزمة الراهنة ترجع إلى الفترة التي أعقبت استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي مطلع تسعينيات القرن العشرين. وأضاف أن الانقسام حول هوية الدولة في أوكرانيا يعدّ سببًا من أسباب الأزمة؛ ففي الشرق يرى الأوكرانيون أنهم أقرب إلى روسيا، أما في الغرب فيرون أنفسهم أقرب إلى أوروبا. وبيّن أن روسيا ترى في انتشار الديمقراطية في أوكرانيا ودول شرق أوروبا تهديدًا مباشرًا لها. وشدد على أن الجانب الجيوسياسي المرتبط بتوسع حلف شمال الأطلسي "الناتو" يحظى بأهمية في الأزمة الراهنة، نظرًا إلى موقع أوكرانيا الجغرافي وارتباطه بالمصالح الأمنية والاقتصادية لروسيا. وعن أهداف بوتين وحساباته، رأى قبلان أنه يسعى إلى إعادة هندسة الوضع الأمني في أوروبا ويستعمل الأزمة أداةً للقيام بذلك، والحصول على إقرار خطّي بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو، وكذلك استبدال معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأميركية بأخرى جديدة. ورأى أن بوتين أخطأ في حساباته السياسية في الأزمة الراهنة؛ فمن جهة تمكّن الرئيس الأميركي جو بايدن من جمع حلفائه الغربيين في مشهد لم يتمكن أي رئيس أميركي سابق القيام بذلك منذ انتهاء الحرب الباردة، وازدادت أهمية الناتو للحلفاء الغربيين، ولا سيما دول شرق أوروبا، فبات أكثر قربًا إلى حدود روسيا، كذلك توسعت دائرة الدول المهتمة بالانضمام إليه مثل السويد وفنلندا، وأيضًا أوكرانيا التي تصر على الانضمام إليه. ومن جهة أخرى، بدأت الدول الأوروبية في البحث عن مصادر طاقة بديلة من الغاز الروسي بسبب ابتزاز روسيا لها في الأزمة الراهنة.

واختتم قبلان مداخلته بالقول إن الرابحين من هذه الأزمة هم: الولايات المتحدة التي نجحت في حشد حلفائها حولها، وتركيا التي أكدت أهميتها في الناتو، وإيران التي قدّمت نفسها بديلًا من أوروبا في حال نقص الطاقة القادمة من روسيا، وقطر التي حولتها الأزمة إلى لاعب سياسي مهم خارج إقليمها. أما الخاسرون فهم: أوكرانيا التي أصبحت ساحة صراع بين الغرب وروسيا، وأوروبا بسبب إمكانية انقطاع الغاز الروسي عنها، والدول المعتمدة على القمح الأوكراني.

وفي المداخلة الثانية، ركّز نيكولاي كوزانوف على أبعاد الأزمة الاقتصادية وتأثيرها في أسواق الطاقة العالمية، ولا سيما الدول المعتمدة على مصادر الطاقة من دول الخليج العربية. وأشار إلى ثلاثة سيناريوهات محتلمة، وهي، أولًا، تأثر العرض والطلب وارتفاع أسعار الطاقة في حال فرض عقوبات شاملة على روسيا ومنعها من تصدير الغاز والنفط إلى العالم. وثانيًا، خسارة روسيا جزءًا من حصتها في أسواق الطاقة العالمية في حال تطور الأزمة إلى صراع عسكري من دون فرض عقوبات شاملة عليها. وثالثًا، فقدان روسيا قدرتها على إنتاج الطاقة مقارنة بحجم الإنتاج الحالي في حال بقاء الوضع على ما هو عليه مع فرض عقوبات جزئية عليها.

وشدد كوزانوف على أن دول الخليج لن تحقق مكاسب فورية على المدى القصير في سوق الطاقة، لأنها تركز على الأسواق الآسيوية، وحتى إن دخلت إلى الأسواق الأوروبية بجزء من حصتها السوقية، فهي حريصة على ألا يؤثر ذلك في تزويدها الأسواق الآسيوية بالطاقة. أما على المدى الطويل، فإن الآفاق مفتوحة أمام دول الخليج لتقتحم أسواق الطاقة الأوروبية؛ فروسيا ترتكب خطأً فادحًا في استعمال تزويدها أوروبا بالطاقة سلاحًا في الأزمة الأوكرانية، وهي بذلك لا تغير من استقرار سوق الطاقة فحسب، بل من سلوك المستهلكين الذين لن يثقوا بروسيا بعد اليوم. ورأى كوزانوف أن ضعف الثقة بروسيا سيفتح المجال أمام بحث الدول الأوروبية عن مصادر بديلة للطاقة حتى وإن كانت أكثر تكلفة.

وفي المداخلة الثالثة، افتتح دانييل برومبيرغ مداخلته بالقول إن الأزمة الأوكرانية وفّرت لبايدن فرصة لجمع حلفائه الدوليين، ولا سيما الدول الأوروبية، وإن الأزمة الراهنة في وضعها الحالي لن تؤثر في الداخل الأميركي، أما على المدى البعيد فإن التداعيات المرتبطة بالانتخابات النصفية الأميركية القادمة لا تزال غير واضحة. وأشار برومبيرغ إلى أن بوتين خسر لأنه لم يحصل على مكاسبه من الولايات المتحدة وأوروبا، ووجد نفسه ملزمًا بالتصعيد السياسي والدبلوماسي، كما خسر بسبب عدم توقعه الموقف الصيني الذي أكد على وحدة أوكرانيا. أما على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فأشار برومبيرغ إلى أن ثمة فرصة لتشكّل أحلاف جديدة في المنطقة لم تكن موجودة سابقًا، وأن دول الخليج العربية أمامها فرصة للاستفادة من تزويد أوروبا بالنفط والغاز. وأخيرًا، رأى برومبيرغ أن الاتفاق النووي مع إيران لن يتأثر بسبب الأزمة الأوكرانية، مشددًا على حاجة الولايات المتحدة وإيران إلى إعادة إحيائه؛ لذلك، توقع أن يحصل الاتفاق في الأيام القليلة القادمة، على الرغم من وجود معارضة في صفوف الحزبين الديمقراطي والجمهوري.