ضمن سلسلة محاضرات "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتُبثّ عبر منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقدّم فيها عدد من الخبراء والأكاديميين محاضرات علمية حول جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ قدّم الدكتور علي فطوم، يوم الخميس 30 نيسان/ أبريل 2020، المحاضرة الثالثة بعنوان "الخروج من كابوس كورونا: أين نحن من حلم تطوير لقاح ناجع ضدّ فيروس كورونا المستجّد؟ كيف ومتّى؟".

استهّل الباحث محاضرته الطبيّة بتبيان المراحل التّي يمّر بها الفيروس عند دخوله جسم الإنسان، وتفاعله مع الخلايا؛ ففي البدء يستقر في الأنف، ومنه يجد طريقه عبر الغشاء المخاطي الذي يغطّي الجهاز التنفسي إلى منطقة الرئتين. وفي علاقة الفيروس بالخليّة، أشار المحاضر إلى أنّ فيروس كورونا المستجدّ، يبدأ بالالتصاق بواسطة نتوءاته البروتينية بجدار الخلية، ومن ثم يقوم بالولوج إلى داخلها. وعند هذه المرحلة، يبدأ الفيروس باستعمار الخليّة، والاستيلاء عليها، بحيث يقوم بالسيطرة على وظائفها الحيويَة وتوظيفها لصالحه، إذ يقوم عبر الوظائف البيولوجية للخلية بالتكاثر، ومنه الانتشار خارجها إلى باقي أجهزة الجِسم. وحسب الباحث، تتم عملية استخدام الوظائف الحيوية للخلية من طرف الفيروس عبر النسخ المستمر لحمضه النووي، ما يتيح عملية "التبرعم" نحو الخارج.

عقد فطوم خلال محاضرته مقارنة بيولوجية بين فيروس كورونا في نسخته الراهنة، ونسخته التي ظهرت سنة 2002 المكنّاة وقتذاك بالسارس؛ وبيّن وجود اختلافات بينهمَا، مفندًّا أيّ ادعاءات بتماثلهمَا، مشيرًا إلى أنّ كورونا المستجدّ يعدّ أشرس بعشر مرّات من النسخة السابقة التي عرفها العالم، خاصة لناحية القدرة على الارتباط بالخلايا، إذ يملك الفيروس الراهن بروتينات سريعة الاتصال بالمستقبلات الموجودة على سطح خلايا الجهاز التنفسّي لدى البشر. ونظرًا إلى هذه الطبيعة الشرسة للفيروس، وقدراته العالية في الانتشار مجاليًا والتّي جعلته يتحوّل إلى "جائحة"، نوّه الباحث إلى أهمية ارتداء الكمّامات، والتّي تؤدّي حسبه وظيفةَ حماية المجتمع من الفرد، وحماية هذا الأخير من المجتمع.

وفي ما يخصّ الفئات العمريَة التّي يستهدفها الفيروس، فنّد المحاضر الادعاء القائل بأنّه فيروس خاص بكبار السنّ فقط؛ مشيرًا إلى أنّ هذه الملاحظة كانت دقيقة في فترة معيّنة من عمر الجائحة؛ والتي كانت خلالها تستهدف ما يسميّه "جيل الستينيات"، مبيّنًا أنّ الفيروس تطوّر لاحقًا ليشمل فئات أقّل سنًّا قد تشمل رضّع وأطفال ومراهقين وشباب.

أشار الباحث إلى أنّ وظيفة أيّ لقاح سيطوّر ضدّ فيروس كورونا المستجدّ هي إكسابُ الانسان المناعة اللازمة لمقاومة الفيروس، والتدّخل بيولوجيًا لمنعِ دخوله للخليَة واستعمارها والتكاثر فيها. وفي هذا الإطار عدد الباحث مجموعة من التقنيات المتعارف عليها في تطوير اللقاحات المضادة للفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي البشري كالحمض النووي وحقن البروتينات لتحفيز الخلايا على إنتاج مضادات حيوية، أو عن طريق الاعتماد على فيروسات أخرى غير مضرّة بالبشر. وفي هذا الإطار، عرض الباحث مجموعة من الشركات والفرق العلمية التي تشتغِل على هذه التقنيات في الولايات المتحدّة وألمانيا. ومع ذلك، ليس هناك حتى الآن دلائل واقعية تشير إلى سرعة هذه التقنيات ونجاعتها.

وبحسب الباحث، يستهدف اللقاح المطوّر ضدّ فيروس كورونا المتسجد خلق مناعة عامّة تخصّ كامل وظائف الأجهزة، ومناعة مكانية تتعلق بالجهاز التنفسي والغشاء المخاطي الذي يغطيه. وفي مستوى توقعّات أعلى يشير إلى أنّ اللقاح من شأنه أن يتّم عبر عملية التطعيم الواحد في مدّة زمنيَة واسعة، بدل التطعيمات المتعددّة، وهي الطريقة التّي ستؤدّي إلى القضاء على الجائحة في وقت أسرع وبطريقة أنجع. كما عرض الباحث المقاربة العلمية المستعملة في جامعة ميشيغان الأميركية، وسلّط الضوء على فريقه البحثي الذّي يشتغل معه في سبيل تطوير لقاح، مبيّنًا أنّه في حالة توفرّت الظروف الملائمة فإن اللقاح سيكون متوافرًا في غضون 24 شهرًا.

وعدّد الباحث خلال محاضرته العقاقير والأدوية المستعملة حاليًا في العالم، وشدّد على الإجراءات الاحترازية التي تحدّ من انتشار الفيروس عبر المجال كالتباعد الاجتماعي وغسل اليدين وتغطية منطقة الأنف والفم عند السعال واستعمال الأقنعة الواقية والابتعاد عن كبار السنّ. كما نهى الباحث بشدّة عن بعض السلوكيات الاجتماعية كالتقبيل والعناق والتصافح بالأيدي، والتجمعات في الأماكن العامة، إضافة إلى التدخين. وهي في مجملها سلوكيات تؤدّي بحسبه إلى تحفيز انتقال أكبر للفيروس بين البشر. وفي ما يخصّ العقارات المستعملة حاليًا في مجال الطب (كالكلوركين والريميديزيفير) بيّن الباحث أنّها تؤدّي أدوارًا طبيّة محدودة جدًّا نظرًا إلى عدم قدرة البشر على تطوير مناعة طبيعية ضدّ الفيروس، وعدم جود لقاح مضاد له من شأنه رفع المناعة ومنع استعمار الفيروس للخلايا، والانتشار بين البشر.

وفي الختام، أجاب المحاضر عن الأسئلة التي طرحها المتابعون عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث لقيت المحاضرة تفاعلًا واسعًا وأسئلةً متنوعة ومداخلات ثرية.