تحظى المسألة الدستورية بأهمية كبيرة في الدول التي تشهد وضعية انتقال ديمقراطي، نظرًا إلى ما للدساتير في إطار الدول الديمقراطية من أهمية، باعتبارها تشكّل جوهر التعاقد السياسي والاجتماعي بين الحكام والمحكومين؛ ذلك التعاقد الذي يحدد طبيعة الدولة والمقومات الأساسية التي يقوم عليها نظامها السياسي، واختصاصات السلطات العامة والعلاقة بين السلطات، وحقوق وحريات المواطنين، وقواعد توزيع السلطة والثروة بين الأقاليم التي تتألف منها الدولة.
لقد عرفت الدول العربية أنواعًا من الحراك رُفعت فيها الكثير من المطالب المتعلقة بتبني إصلاحات سياسية ودستورية واعتمادها مدخلًا ضروريًا لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وبناء دولة القانون. وكانت هذه المطالب جزءًا من "مشاريع الإصلاح العربي" التي انتعشت قبل الثورات العربية في عام 2011. إلا أن الانهماك الواسع في المسألة الدستورية، الذي شمل مثقفين وناشطين مدنيين ونخبًا أكاديمية وسياسية، لم يحدث إلا مع الثورات العربية. وليس خافيًا أن المطالب المعبَّر عنها في سياق الثورات العربية عام 2011، وكذا خلال الحراك الشعبي في كل من السودان والجزائر، كانت متشابهة إلى حد بعيد، وقد تلخصت في شعار "الحرية السياسية، والعدالة الاجتماعية، وإسقاط الفساد والاستبداد".
واستنادًا إلى ما تقدّم، وبهدف تسليط الضوء بوضوح على مكانة المسألة الدستورية في الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية، يأتي هذا المؤتمر الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع المنظمة العربية للقانون الدستوري؛ ضمن سلسلة المؤتمرات السنوية لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي التي يشرف عليها مشروع "التحول الديمقراطي ومراحل الانتقال في البلدان العربية". يعقد المؤتمر عن بعد عبر منصة "زووم" في الفترة 24-30 أيلول/ سبتمبر 2020. وسيجري، من خلال هذا المؤتمر، تتبع الكيفية التي جرت من خلالها إدارة المسألة الدستورية في البلدان العربية التي باشرت عمليات انتقالٍ، وتمّ فيها وضع دساتير (أو وثائق دستورية) جديدة، أو تعديل لدساتير سابقة. ويطرح المؤتمر سؤالًا محوريًا شغل المفكرين العرب منذ مطلع القرن العشرين، وما يزال حيًّا وحاضرًا، هو: كيف يمكن أن نصل إلى السلطة السياسية المقيّدة فعليًا بالدستور؛ أي إلى الدولة الدستورية الحديثة؟