استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور مهرزاد بروجردي، مدير كليّة الشؤون العامة والدولية في الجامعة والمعهد التقني لولاية فيرجينيا Virginia Tech الذي قدّم محاضرة بعنوان: "انتخابات إيران الرئاسية لعام 2021: ما التوقعات؟"، وأدار الجلسة الدكتور مهران كامرافا، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة جورجتاون في قطر.

استهلّ بروجردي محاضرته بمناقشة الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، المقرر إجراؤها في 18 حزيران/ يونيو 2021. وبالنسبة إلى آلية تسجيل المرشحين لمنصب الرئيس في إيران، يدقّق مجلس صيانة الدستور في المرشحين المسجّلين ويوافق على عدد محدود منهم، وبعد نشر قائمة المرشحين النهائية تبدأ الحملات الانتخابية. ويرى بروجردي أنّ التقويم الانتخابي في إيران ضيّق جدًا، إذ ليس هناك متّسع من الوقت كي يتمكّن 59.3 مليون ناخب يحق لهم التصويت من التعرّف إلى المرشحين المحتملين.

شهدت هذه الانتخابات الحالية انخفاضًا في عدد المرشحين المسجلين مقارنةً بالانتخابات الأخيرة في عام 2017، التي سجّل فيها ما يقارب 1600 مرشح. فبسبب التدقيق الصارم الذي يمارسه مجلس صيانة الدستور، تدنّت النسبة المئوية للمرشحين المسموح لهم بالترشّح على نحو ملحوظ، إذ باتت تراوح حاليًا بين 3 و4 في المئة من إجمالي عدد المرشحين المسجلين، مقارنةً بالانتخابات الأولى التي جرت بعد الثورة الإسلامية في عام 1980، والتي خاض فيها 80 في المئة من المرشحين الانتخابات الرئاسية. وفي عام 1980، سُمِح لـ 106 مرشّحين بخوض الانتخابات، بينما تضمّنت القائمة النهائية للمرشحين الذين وافق عليهم مجلس صيانة الدستور في الانتخابات التي أجريت في السنوات الأخيرة عددًا يراوح بين 4 و8 مرشحين، وتوقع بروجردي عددًا مماثلًا في انتخابات هذا العام.

وقال بروجردي إنّ "السياسة في إيران شأنٌ ذكوريٌ بالدرجة الأولى"، ويتجلّى ذلك من خلال النسبة المئوية للنساء المرشحات المسجّلات لخوض الانتخابات الرئاسية. فقبل عام 1997، لم تُسجَّل أي امرأة بوصفها مرشحةً للرئاسة، إلى أن قامت أعظم طالقاني، ابنة رجل دين معروف، إعلان ترشحها تحدّيًا للسياسات الإيرانية التي يهيمن عليها الطابع الذكوري. وفي عام 2021، ترشحت 40 امرأة للانتخابات من أصل 592 مرشحًا. ورأى بروجردي أن "من المتوقع ألا يوافق مجلس صيانة الدستور على أيٍّ منها عند نشر القائمة النهائية".

لقد مثّل انخراط الحرس الثوري المتنامي في السياسة أحد العوامل الناشئة في السياسة الإيرانية. ولاحظ بروجردي أنه في عام 2005، كان 4 من أصل 7 مرشحين للرئاسة أعضاءً سابقين في الحرس الثوري؛ وفي عام 2009، أصبح العدد 2 من أصل 4؛ وفي عام 2013، 3 من أصل 6؛ أما في عام 2017، فلم يكن أيٌّ من المرشحين للانتخابات الرئاسية عضوًا سابقًا في الحرس الثوري. وتوقّع بروجردي أنه سيكون في انتخابات هذا العام، واحد أو اثنان على الأقل من المرشحين أعضاء في الحرس ثوري.

وتناول بروجردي أيضًا نقاط الضعف التي يعانيها النظام الانتخابي في إيران؛ تكمن أولاها في كون الفترة الفعلية للحملات الانتخابية قصيرة جدًا، وغالبًا لا تتجاوز ثلاثة أسابيع أو ما يقاربها. وثانيتها هي غياب الأحزاب السياسية، وطبيعة الانتخابات التي تتركّز على شخصية المرشح. أما الثالثة فتتضمن الفترة الزمنية الضيّقة التي تُمنح للاستعداد لإطلاق الحملات الانتخابية وغياب التخطيط الفعليّ، ما يؤدي إلى فيض في الشعارات. وأخيرًا، يوجد عدد هائل من المرشحين، ففي أثناء الدورة الثانية عشرة من الانتخابات الرئاسية في إيران في حقبة ما بعد الثورة، وافق مجلس صيانة الدستور على ترشّح 164 شخصًا فحسب (أي 3 في المئة) للانتخابات الرئاسية من أصل 5361 مرشحًا مسجلًا.

وتطرّق بروجردي إلى زعمٍ يتكرّر باستمرار وهو أنه في حال وافق مجلس صيانة الدستور على عدد أكبر من المرشحين ستزداد نسبة المشاركة، غير أنّ البيانات لا تؤيد تلك الفكرة؛ فانتخابات عام 1997 التي أتت بخاتمي إلى سدّة الرئاسة، وانتخابات عام 2009 التي أسفرت عن ولادة الحركة الخضراء، أثبتتا أن نسبة المشاركة العالية للناخبين لا علاقة لها بعدد المرشحين المسموح لهم بالترشح. وأضاف أنّ "المسألة كانت مرتبطة أكثر بشخصيات المرشحين وهوية المرشح المعارض".

وشرح بروجردي أسباب تدنّي نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذا العام، إذ تشمل: الوضع الاقتصادي المتردّي الذي يعانيه جميع المواطنين المحبطين؛ واستجابة الحكومة لجائحة فيروس كورونا وبطء وتيرة التطعيم؛ والصراعات الداخلية بين النخب الإيرانية نتيجة انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة؛ والأداء السيئ لإدارة حكومة روحاني؛ وعجز الإصلاحيين عن تقديم أفكار قابلة للتطبيق ومثيرة للاهتمام؛ ومدى بلوغ مكانة الطرف المطّلع لدى المرشحين الذين ينالون أعلى نسبة أصوات.

وسلّط بروجردي الضوء أيضًا على الديناميات الداخلية للانتخابات الرئاسية في دورتها الثالثة عشرة الحالية في إيران؛ إذ لم يترشح أيٌّ من الشخصيات المعروفة لمنصب الرئاسة، مثل حسن الخميني، ومحمد جواد آذري جهرمي، ومحمد باقر قاليباف، ومحمد جواد ظريف، ومحمد رضا عارف، ومحمود واعظي، ومحمد باجير نوباخت، وبرويز فتاح. وكان مجلس صيانة الدستور قد حدّد معايير جديدة للمرشحين قبل أسبوع من التسجيل، مثل حيازتهم على درجة الماجستير، وأن تراوح أعمارهم بين 40 و75 عامًا. وليس للإصلاحيين حاليًا أيُّ مرشح يتمتع بشعبية واسعة، بينما لم يتمكن المحافظون، بدورهم، من الاتفاق على مرشحين موحّدين؛ لذلك هناك استياء داخل كلا المعسكرين.

وفي ما يتعلق بتداعيات فوز مرشح محافظ على السياسة الخارجية، رأى بروجردي أن "المحافظين سيحققون فوزًا كاسحًا في الفروع الثلاثة كلها، ولن تعود إيران إلى الموقف الذي اتّخذته بين عامي 2005 و2013، نظرًا إلى هشاشة وضعها الاقتصادي". كما أدّى إدراج اسم إبراهيم رئيسي، وهو أحد أبرز المرشحين المحافظين في هذه الانتخابات، على قائمة العقوبات الأميركية، إلى آثار قانونية، مثل ما إذا كان سيُسمح له بحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من اللقاءات الدولية.

وأخيرًا، سرد بروجردي توقّعاته في ما يتعلق بهذه الانتخابات؛ فرأى أن مجلس صيانة الدستور سيوافق على 6 أو 7 مرشحين، قائلًا "يريد أن يكون العدد كبيرًا بما يكفي لإثارة الاهتمام العام، ولكنه لا يريد في الوقت نفسه أن يُشهد تشتيتٌ للأصوات، لأن الدولة لا تريد جولة ثانية من الانتخابات". وتوقّع أن يشارك في هذه الانتخابات نحو 20-22 مليون إيراني (34-37 في المئة)، وأنه لن يكون هناك تسونامي في التصويت في اللحظة الأخيرة. وسيحتاج الفائز إلى 10 ملايين صوت على الأقل لتجنب الجولة الثانية. وأخيرًا، ستكون المناظرات التلفزيونية بين المرشحين مهمة، وقد تؤثر في عملية تصويت الناخبين.