Author Search
أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية وبجامعة قطر. يهتمّ بسيميولوجيا الأمكنة والتعبيرات الاحتجاجية.
محسن بوعزيزي محاضرًا في سيمنار المركز العربي
الدكتور مراد دياني رئيسًا والدكتور محسن بوعزيزي محاضرًا في السيمنار
الدكتور محسن بوعزيزي
الدكتور مراد دياني
الحضور المشارك في السيمنار
الدكتور بوعزيزي مجيبًا عن تساؤلات الجمهور

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي عقد في الدوحة، يوم الأربعاء 29 كانون الثاني/ يناير 2020، الدكتور محسن بوعزيزي، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التّونسيّة، والباحث الزائر بالمركز العربي، الذي قدّم محاضرةً بعنوان "سيميائيّة الثورات العربيّة: تونس مثالًا".

دافع بوعزيزي في مستهلّ عرضه عن أطروحة أنّ كلمة السرّ في الثورات العربيّة كانت قوّة العلامة ونشاط الرّمز ضمن سيرورة سيميائيّة، وأكّد على أهميّة الصّراع الرّمزي في الحراك الاجتماعي، على اعتبار أنّ الثّورات العربيّة صنعتها حيويّة العلامة، ومنها ما تداوله الشّارع من أيقونات كان لها الدّور الأوّل في تجميع الفاعلين حول مسار التّغيير. وهنا ردّ المحاضر على خطاب نهاية المجتمع وتعب الرّموز ودرجة الصّفر في المعنى؛ إذ استعادت الشّوارع العربيّة قدرتها على إنتاج المعنى عبر السيرورة السيميائية.

ثم عرض الدكتور بوعزيزي تعريفًا للثّورة بوصفها نصًّا اجتماعيّة سيميائيّا تُنسج فقراته من علامات متحوّلة مستقلبة، متمثّلة لبعضها البعض كتمثّل الأغذية: البوعزيزي في تونس، فتيات عدن في اليمن، خالد سعيد في مصر، عبد الباسط ساروت في سورية، الكنداكا في السّودان؛ منطلقًا من فكرة الثّورة بوصفها علامة يفصّلها في عناصر منها المرور من الفاعل إلى صانع الفعل الدلالي، ومنها فاعليّة اللامعنى، وقوّة التجلّي، والغنج كتقنية ثورية.

كما أخذنا السوسيولوجي التونسي بمقاربة السيمائيّة الاجتماعيّة إلى قضايا مثل اليوتوبيا، والخيال الثوري، ومفهوم الآثار الضّارة أو الطّفيليات، وإيهام الواقع. وأوضح أنّ الخيال الثّوري، مثلًا، قاسم مشترك في جلّ المدوّنات التعبيريّة العربيّة، ويمثّل علامة تكشف نزوًعا إلى الحريّة، ولا يُفترض النّظر إليه من جهة قابلية تحقيقه، بل إلى ما يحمله من جرأة جديدة وتجرّؤ على السّلطة؛ فكلمة الثّورة تحتوي نيّة التجديد وقصديّة الاستبدال بصرف النّظر عن الواقع والممكن، وهذا هو الوعي بما يفترضه من عالم متخيّل.

ونبّه الباحث أيضًا إلى أهمّيّة التّمظهر أو التجلّي كتقنية احتجاجيّة؛ فالثورات العربية هي أيضًا ثورات في التجلّي. وهو يقصد بالتجلّي كيفيات التّمظهر والتظاهر في الشّوارع اليوم؛ وهو الذي ينزع إلى التوحّد والتماثل خالقًا بذلك نوعًا من النّرجسيّة الجماعيّة حتّى في العلاقة بالموت والمراسم الجنائزيّة، ضاربًا مثالًا بجنازة الرئيس التونسي الباجي قايد السّبسي، والخروج الجماعي للمحامين بلون أسود موحّد يوم "14 جانفي 2011" في تونس، ومسيرات تشييع الشّهيد وإيقاعها الموحّد، والإيقاع الصّوفي للمظاهرات في الشوارع السّوريّة، و"الغنج" الجماعي الأنثوي في ساحات لبنان الثائرة على فساد السّلطة الطائفيّة، والتوحّد والالتفاف خلف الأيقونات التي خلقها الحراك من قلب الشّوارع.

وخلص الدكتور بوعزيزي إلى أنّ غاية كلّ هذا ومحصلته فكرة مفادها أن الثّورة، في بعد من أبعادها، نصّ سيميائيّ في المفرد والجمع. وأنّ هذا النّص يقوم أساسًا على حيوية العلامة واشتغالها بحسب الوضعيّة وتطوّر سرديات الثّورة. وأهمّ ما فيها أيضًا تجلّيها على معنى كيفيات الاحتجاج وبلاغاته. ثمّ إنّها ثورة نمرّ معها من الفاعل الاجتماعي إلى صانع الفعل الدّلالي (القادح). والمثير فيها أيضًا، وفقًا للباحث، ما انكشف في خطابها من خيال ثوري ويوتوبيا تقفز على المعيش وعلى الواقع بحثًا عن الوظيفة التفخيمية.

وأعقب المحاضرة نقاشٌ عامٌّ، شارك فيه الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وجمهور الحضور.