Author Search

مفكر عراقي، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والمنطق وعلم الكلام وأصول الفقه، ومدير مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد.

الدكتور عبد الجبار الرفاعي محاضرًا والدكتور مراد دياني رئيسًا لجلسة السيمنار
الدكتور عبد الجبار الرفاعي
الدكتور مراد دياني
مداخلات المشاركين عبر تطبيق زووم
الحضور المشارك في السيمنار

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، الدكتور عبد الجبار الرفاعي، المفكر العراقي، وأستاذ الفلسفة الإسلامية والمنطق وعلم الكلام وأصول الفقه، ومدير مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، الذي قدّم محاضرةً عنوانها "ما نعنيه بالكلام الجديد والمتكلم الجديد".

بدأ الدكتور الرفاعي محاضرته، مؤكّدًا أنّ علوم الدين في الإسلام دخلت حلقةً دائرية تكرارية منذ عدة قرون، بعد أن توقّف إنتاج العلم الدنيوي في عالم الإسلام، واستبدّت الرؤيةُ الكلامية الموروثة للعالَم في حياة المسلمين، فحجبتهم عن رؤية العالم خارج الأسوار المغلقة لعلم الكلام، وأضحت المجتمعات المعاصرة ضحيةَ رؤيةٍ ميتافيزيقية للعالم تتحدّث لغة الأموات، ينتجها علمُ كلامٍ قديم لم يعدْ يتبصّر قلقها الوجودي، ولا يدرك منابع ضغائنها. ثمّ أبرز أنّ فهم الدين يتطور تبعًا لتطور فهم الإنسان لنفسه، وتفسيره للطبيعة واكتشافه لقوانينها وتسخيره لها؛ على اعتبار أنه كلّما تقدّم العلم بحقيقة الإنسان، وتمّ اكتشاف المزيد من قوانين الطبيعة، وتراكمت المعارف كيفًا وكمًا، فلا بد أن يتطورَ بموازاتها فهم الدين، وتحيين المعنى الديني، بالمستوى الذي يستجيب للواقع الجديد الذي تنتجه العلوم والمعارف والتقنيات الجديدة، ويتبصّرَ القلقَ الوجودي، وفقدانَ الطمأنينة الفردية، وهشاشةَ الأمن المجتمعي الذي يعيشه المسلم.

كما أكّد الباحث أن المعنى الديني الذي ينتجه علمُ الكلام القديم لا يمكنه إرساءُ أسسٍ للعيش المشترَك بين مختلف الأديان والثقافات، وبناءُ علاقات دولية سلمية تحقّق المصالح المشتركة بين الشعوب؛ على اعتبار أنّ المقولات الكلامية الموروثة لا تصلح منطلَقًا للحوار الصادق المنتج بين الأديان، الذي لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا بالإيمان بالحقّ في الاختلاف، وتبنّيه أصلًا في أيّ حوار وتفاهم ونقاش مع المختلِف في الدين، والعمل على اكتشاف ما هو جوهري في كلّ دين.

وتمثّل جوهر حجاج الباحث بأن المتكلّم، عندما يعتمد مناهج علم الكلام القديم، فإنه لا ينشد الكشف عن القيم الكونية الخالدة في الأديان، ولا يبحث عن جوهرها الروحي والأخلاقي المشترك؛ لأن المتكلّم لن يتمكّن من التحرّر من التعصب لمعتقداته، عند دراسة الأديان الأخرى، ومحاولة فهم معتقداتها ومقولاتها. ذلك أن مهمة المتكلم هي الدفاع عن معتقداته، والردّ على الخصوم، وكشف ما يراه من تهافتات معتقدات الدين الآخر، والتحري عن تحريفات كتبه المقدّسة. ومن ثمّ، فإنّ التجديد الذي يفرضه مأزق التفكير الديني في الإسلام يجب أن يبدأ بإعادة النظر في البنى المحورية لهذا التفكير، المتمثلة بالرؤية التوحيدية في التراث الكلامي. وتمثِّلُ هذه البنى المقولاتُ الكلامية لمؤسِّسي ومجتهدي الفرق، المودَعة في مدونة علم الكلام، وهي المدونة التي تأسّس في ضوئها علم أصول الفقه، وابتنت عليها مختلف العلوم الإسلامية؛ مما يعني أن أيّةَ بداية لتحديث التفكير الديني في الإسلام لا تبدأ بعلم الكلام ومسلّماته المعرفية ومقدّماته المنطقية والفلسفية، فإنها تقفز إلى النتائج من دون المرور بالمقدّمات.

وافترض الباحث أنّ علم الكلام القديم انتهت صلاحيته، وأنّ ذلك ما يدعو للعمل على بناء "علم كلام جديد"، واقترح معيارًا يمكن على أساسه تصنيف مفكر بأنه "متكلم جديد"، هو تعريفُه للوحي خارج مفهومه في علم الكلام القديم؛ بوصف الوحي المفهومَ المحوري الذي تتفرع عنه مختلف المسائل الكلامية، ومن أبرزها مسألة "الكلام الإلهي" وغيرها من مقولات كانت موضوعًا أساسيًا لعلم الكلام القديم. وبناء على ذلك، يرى الباحث أن كلَّ من يقدّم تفسيرًا جديدًا للوحي، إن كان مؤمنًا بالوحي، يمكن أن يُصنَّف تفسيرُه على أنه "علم كلام جديد".

وأعقب المحاضرة نقاش ثريّ، شارك فيه عن بُعد الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وأساتذة باحثون من ربوع الوطن العربي وخارجه، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.