Author Search
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ في جامعة بيرقن بالنرويج (1998). ألف أكثر من عشرين كتابًا، وخمسين بحثًا علميًا باللغتين العربية والإنجليزية، وفي دوريات علمية محكّمة، ودور نشر إقليمية وعالمية.
سيمنار المركز بعنوان: الثورة السودانية 2018-2019: مقاربة تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها"
الدكتور عبد الفتاح ماضي رئيسًا والدكتور أحمد أبوشوك محاضرًا في جلسة السيمنار
الدكتور أحمد أبوشوك
الدكتور عبد الفتاح ماضي
الحضور المشارك في السيمنار
الدكتور أبوشوك يجيب عن تساؤلات الحضور
زاوية أخرى للحضور المشارك أثناء تقديم الدكتور أبوشوك محاضرته

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الباحث السوداني الدكتور أحمد إبراهيم أبو شوك، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قطر، حيث قام بعرض مشروعه البحثي المعنون "الثورة السودانية 2018-2019: مقاربة تحليلية لدوافعها ومراحلها وتحدياتها"، ضمن سيمنارات مشروع "التحول الديمقراطي ومراحل الانتقال في البلدان العربية".

وبحسب أبو شوك فإن "ثورة 19 ديسمبر 2018" قد جددت السؤال بخصوص توظيف مفهوم الثورة في الجدل السياسي والبحث التاريخي. وقد لاحظ الباحث في هذا الصدد أنّ من ينظرون إلى انتفاضات القرن العشرين في السودان في ضوء مخرجاتها، أي ما أحدثته من تغيير في البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، سيرون أنها أقل من ثورة. لكنها، من زاوية تغيير نمط الحكم، استطاعت أن تغير في السلطة السياسية، ومنها ثورتَا 1964 و1985 اللتان حوَّلتا حكم السودان من حكم دكتاتوري إلى حكم برلماني. 

وإزاء هذا التباين في استخدام المصطلحات الواصفة للحركات الاحتجاجية، طرح أبو شوك إطارًا مقارنًا، لدراسة ثورة 19 ديسمبر مقارنةً بحركات الاحتجاجات المشابهة لها التي حدثت في السودان، والحركات الأخرى السابقة لها التي شكلت ما يُعرف مجازًا بـ "الربيع العربي" في العقد الثاني من الألفية الثالثة. 

وقبل استعراض هيكل مشروعه البحثي، استعرض أبو شوك منهجه في تناول ثورة السودان، وهو منهج وصفي - تحليلي- تكاملي، يعتمد المداخل التاريخية والنفسية والسوسيولوجية والسياسية. وقد أسند الباحث حججه إلى مصادر عديدة، تبين أبعاد ثورة 19 ديسمبر في إطار تاريخ زمنها الراهن، ونوَّه في ذلك بأن توثيق تاريخ هذه الثورة في زمنها الراهن يظل محفوفًا ببعض المزالق المنهجية؛ وذلك لقصر المسافة بين تاريخ وقوع الأحداث وتاريخ معالجتها، والسيولة في المعلومات الإلكترونية وتعدد مصادرها، وغياب بعض المعلومات السرية التي لم تُنشر بعد، وكذلك التداخل المنهجي بين تاريخ الزمن الراهن والعلوم السياسية، لكن هذه النقائص لا تقلل من أهمية توثيق الأحداث في زمنها الراهن إذا تمَّت عملية التوثيق بمهنية عالية ومنهجية واضحة.

استعرض أبو شوك عدة تقاليد نظرية رئيسة في فهم الثورة، وخلص إلى أنّ أي حركة احتجاجية تُوصف بأنها ثورة يجب أن تحدث تغييرًا في بنية المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ إذ ليس بالضرورة أن يحدث هذا التغيير بين عشية وضحاها، بل ربما يمتد عبر مراحل متعددة تفضي غاياتها، التي تنشد الإصلاح والتغيير، إلى إحداث قطيعة بين إرث النظام القديم ومؤسسات النظام الجديد، كما حاول الباحث تبيان ظلال كلٍّ منها على الحالة السودانية، وثوراتها. كذلك، مدد الباحث الجدل النظري حول الانقلابات العسكرية في سياق الثورات إلى حالة السودان، مؤكدًا أنّ شرطَي السند الجماهيري والدعوة إلى إسقاط النظام قد توافرا لثورات السودان. ونوَّه بأن الاختلاف حول وصف تدخل الجيوش بأنه "ثورة"، أو وصفه بأنه "انقلاب"، يجب أن يقاس في ضوء التغييرات التي حدثت في بنية النظام القديم؛ فإذا أفضى التغيير إلى قيام نظام حكم ديمقراطي، يجب أن ننظر إلى تدخل المؤسسة العسكرية باعتباره جزءًا من إفرازات الثورة، وإن لم يُفضِ هذا التدخل إلى انتقال ديمقراطي، فلا مجال لربطه بالثورة. ومن هذه الزاوية، استنتج أنّ احتجاجات آذار/ مارس - نيسان/ أبريل 1985، واحتجاجات كانون الأول/ ديسمبر 2018 – نيسان/ أبريل 2019، قد استوفت كلّها الشروط المطلوبة؛ ومن ثمّ يمكن أن نطلق عليها مصطلح "ثورة" في تاريخ السودان المعاصر. 

وفي إطار صلة الثورات في السودان بالمنظور الانتقالي، قدَّم الباحث بعض الإضاءات لنقاط مفصلية في مشروعه البحثي، ومنها طرحه تصورًا مقارنًا للفترات الانتقالية التي أعقبت الثورات، وأهدافها، حيث أوضح أنّ النخبة الحاكمة قد عجزت عن تحقيق معظم أطروحاتها السياسية التي عرضها، بالرغم من أنها نجحت في إجراء الانتخابات العامة وتحقيق الانتقال إلى نظام حكم برلماني/ رئاسي، لكن الأنظمة البرلمانية نفسها، باختلاف مكوناتها السياسية، قد فشلت في إحداث تحول ديمقراطي مستدام؛ لذلك ظل السودان حبيس "الدائرة الشريرة" (حكم عسكري، ثورة شعبية، فترة انتقالية، حكم برلماني). 

انتهي الباحث إلى طرح سؤالَين محوريَّين، هما: هل أنّ الحكومة الانتقالية الحالية قادرة على الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة وضع السياسات الهادفة إلى إحداث قطعية مع إرث الأنظمة الاستبدادية السابقة وتمكين ثقافة التحول الديمقراطي؟ أم هل أنّ النخبة الانتقالية الحاكمة ستعيد إنتاج أخطاء التجارب الانتقالية السابقة من دون تجاوزها؟ 

فتحت إجابات الباحث عن هذين السؤالَين باب النقاش الذي امتد إلى ساعة بعد إتمام عَرضه البحثيّ، والذي شهد تساؤلات وتعليقات عديدة، قارب معظمها بين الثورة في السودان وثورات الموجة الأولى للربيع العربي، وسعى الجدل العلمي لاكتشاف المساحات المشتركة التي تشير إلى طبيعة الانتقال فيما بعد الثورات.