Author Search
أستاذ مشارك في التنمية الاقتصادية بمعهد الدوحة للدراسات العلياحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من "المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية" (نيويورك).
الدكتور إلياس خليل متحدثًا والدكتور مراد دياني رئيسًا لجلسة السيمنار
الدكتور إلياس خليل
الدكتور مراد دياني
الدكتور عزمي بشارة أثناء مداخلته في السيمنار
الحضور المشارك في السيمنار
الدكتور إلياس خليل يجيب على تساؤلات الحضور
زاوية أخرى للحضور المشارك في السيمنار أثناء تقديم الدكتور إلياس للعرض

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 الدكتور إلياس خليل، الأستاذ المشارك في التنمية الاقتصادية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم مداخلةً بعنوان "مفهوم العصبية عند ابن خلدون في ضوء نقد آدم سميث لنظرية العقد الاجتماعي".

استهّل الباحث محاضرته بسؤال جوهري يتعلّق بالتفريق بين الدولة باعتبارها كيانًا سياديًا، وأشكال التحالفات الأخرى كالشركات والنوادي والجمعيات. وإجابة عن هذا السؤال، قدّم الباحث مفهوم الولاء، المعرّف باعتباره تقاطعًا أو تمازجًا بين عنصرين مختلفين وغير مرتبطين؛ العنصر الأول هو "الانتماء" والذي يقابله مفهوم النسب لدى ابن خلدون، والعنصر الثاني هو "الهيبة" وفقًا لآدم سميث. كما طرح سؤالًا ثانيًا يتعلّق بمدى صحّة تصوّر الدولة ككيان عابر للتاريخ؛ وقد أجاب عنه بالإيجاب.

بحسب الباحث، يتصوّر روّاد نظرية العقد الاجتماعي - سواء أكانوا تقليديين مثل جون لوك أم الجُدد مثل جيمس بوكانان وجون رولز - أنّ الدولة نادٍ؛ أي أنها لا تختلف عن أية جمعية يتمّ تأسيسها لتحسين رفاهية أعضائها، أو ما يسميه الاقتصاديون "المنفعة". بينما يدرك آدم سميث أهمية "مبدأ المنفعة"، لكنه يرى أنّ مفهوم الدولة كنادٍ ناقصٌ. ويجادل سميث بأنّ الدولة تقوم، إضافة إلى "مبدأ المنفعة"، على ما يسميه "مبدأ السلطة". ويبين الباحث أنّ مفهوم سميث للسلطة لا يقابله الإكراه أو القوة، بل "مشاعر الإعجاب التي يعبّر عنها الناس تجاه الآخرين الناجحين".

وواصل تحليله بالقول إنّ هذا الإعجاب يؤسس للهوية وحتى العبادة في ظروف معينة. وفي هذا الصدد، جادل بأن رواية سميث لعبادة الآخرين الناجحين تتقاطع إلى حدٍّ كبير مع مفهوم "العصبية" عند ابن خلدون. فبالنسبة إلى الأخير، يعتمد صعود الدولة وسقوطها على صعود "العصبية" وسقوطها. عقب ذلك، بيّن الباحث أن سميث يوافق على غالبية ادعاءات منظري العقد الاجتماعي؛ تحديدًا الفكرة القائلة بوجود "علاقة حميمية" بين حماية الحقوق الملكية والدولة؛ لكنّه ينتقد فكرة تعريف الدولة باعتبارها نسيجًا من العلاقات المدنيّة، ونفيه تشابه العقود السياسية بين الحاكم والمحكوم مع العقود التجارية المعروفة لدى الاقتصاديين؛ مبررًا هذا الرأي بأن العقود التجارية وفقًا للقوانين الرومانية لا تُنتج التزامات عابرة للأجيال على عكس العقود مع الدولة. وفي حالة الهجرة نحو "دولة أخرى" يبقى الإنسان موضع شكّ في ولائه باعتبار أنّ العقود ليست معيارًا في قياس العلاقة "إنسان-دولة".

من جهة أخرى، أكّد الباحث أنّ العصبية عند ابن خلدون لا تنشأ من رابط الدّم فقط، وإنما تنشأ إضافة إلى ذلك من روابط أخرى كالمرافقة والتعايش اليومي. وأمّا النسب فيُفهم ضمن التراث الخلدوني باعتباره المعاشرة اليومية الاجتماعية مع الناس القريبين منّا. وقد ربط فكرة نفي صفة رابط الدّم عن العصبية بالطبيعة العابرة للتاريخ للدولة. وأضاف أنّ فكرة العصبية عند ابن خلدون تركز على فكرة السلالة الحاكمة؛ ولتستمر هذه الأخيرة، تحتاج إلى صفات خاصّة أهمّها الطابع الشمولي لهيبتها وسلطانها، بحيث تكون دعوتها شاملة لكل الفئات والطوائف المشمولة بحكمها.

قدّم الباحث نقدًا لمفهوم آدم سميث للسلطة، وبيّن أنّه لا يميّز في ذلك بين الحكومات الملكية والحكومات الجمهورية، والهيبة عنده هي خضوع "الشخص الناجح لشخص غير ناجح"؛ أي عملية إخضاع "الممتاز" من البشر للأقل امتيازًا منه. وأنّ جوهر الهيبة عند سميث هو فكرة "الطموح" الذي يعدّ مساويًا لأهميّة "الحياة" بالنسبة إلى الإنسان.

وفي ختام تحليله المفاهيمي والنظري؛ كشف الباحث عن أطروحته البحثية العامّة؛ والتي تفهم عصبية ابن خلدون باعتبارها مفهومًا مركّبًا يشمل عنصري الانتماء والهيبة؛ وأنّ امتزاج هذين العنصرين ينتج في محصلته عنصرًا ثالثًا هو "الولاء"، ليفتح الباب أمام تساؤل ختامي كبير يتعلّق بعلاقة قطبي الانتماء/ الهيبة بالمفهوم الاقتصادي المفتاحي "المنفعة".

وعقب المحاضرة، فُتح باب النقاش أمام الحضور من باحثي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وأساتذة معهد الدوحة وطلبته، حيث قاموا بتقديم إضافات وملاحظات نقدية وأسئلة تصب في موضوع البحث.