Author Search
​خبير لغوي بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية
الدكتور محمد حمشي الباحث في المركز العربي مقدما لموضوع السيمنار والمحاضر
الدكتور محمد حمشي الباحث في المركز العربي مقدما لموضوع السيمنار والمحاضر
الدكتور محمد الشيباني وهو يناقش بعض أفكار المتدخلين ويجيب على استفسارات الجمهور
الدكتور محمد الشيباني وهو يناقش بعض أفكار المتدخلين ويجيب على استفسارات الجمهور
شارك عدد كبير من الباحثين والأساتذة والطلبة في النقاش، كما تلقى المحاضر أسئلة الجمهور من منصات التواصل الاجتماعي
شارك عدد كبير من الباحثين والأساتذة والطلبة في النقاش، كما تلقى المحاضر أسئلة الجمهور من منصات التواصل الاجتماعي
قدم الباحث تحليلا لغويا لتوطئة الدستور التونسي على مستويات متعددة
قدم الباحث تحليلا لغويا لتوطئة الدستور التونسي على مستويات متعددة

في مقاربة لسانية، تضمنت أبعادًا عابرة للاختصاصات، قدّم الدكتور محمد الشيباني، الأستاذ المشارك في الجامعة التونسية والخبير اللغوي بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، مشروع دراسته المعنونة "توطئة دستور الجمهورية التونسية 2014: من الورقة البيضاء إلى الصيغة المصدّق عليها (مدخل لقراءة في النص النهائي ومُسَوّداته)". استندت الدراسة، التي تناولت الأبعاد اللسانية لصياغة دستور تونس 2014، إلى المسوّدات المختلفة لتوطئة الدستور كنموذج، طارحة مدخلًا جديدًا لفهم النص الدستوري وتفسيره، ينطلق من استراتيجيات صياغته، وفحص التفاوت بين المسوّدات والنص النهائي.

وأوضح الشيباني أن نصًا من هذا النوع تتعدد أوجهه الاجتماعية والسياسية، ويتنوع فاعلوه بقدر ما تتنوع الحوافز التي تحركهم، أي أنه في الأخير جماع لفعل تاريخي، يصعب فيه فصل الأبعاد اللغوية عن السياقات السياسية والمجتمعية التي أنتج فيها.

استعرض الباحث النصوص المبحوثة، مبيّنًا أنه، منذ انطلاق أعمال اللجان التأسيسية الست في المجلس الوطني، في شباط/ فبراير 2012، عبرت الوثيقة مراحل متلاحقة في سياق إعدادها وتحريرها، وهي ضمن وثائق المجلس الوطني التأسيسي. ووقف على مسوّدات أربع للتوطئة سبقت النص النهائي للدستور، هي: مشروع مُسوّدة دستور الجمهورية التونسية 8 آب/ أغسطس 2012، ومُسوّدة مشروع الدستور 14 كانون الأول/ ديسمبر 2012، ومشروع الدستور 22 نيسان/ أبريل 2013، وأخيرًا مشروع دستور الجمهورية التونسية 1 حزيران/ يونيو 2013. يتكامل النظر في هذه المسوّدات مع طروحات ومشاريع أسبق، منها ما قدّمه أخصائيون في القانون الدستوري، ونوّاب للشعب، فضلًا عن جمعيات وأحزاب ومنظمات وطنية تونسية، وكذلك ما أوصت به جهات دولية.

ركّز الباحث على دراسة المسوّدات، بما تضمنته من ملاحظات ومقترحات للتعديل، وتقارير بخصوص مضامين الدستور وبنيته وكيفية صياغته. أظهرت تلك المساهمات وجوهًا من الاختلاف والاتفاق في وثيقة الدستور التونسي. وفي هذا، طرح الباحث موضوعه من مستويين: المستوى الأول وصفي، رصد فيه الفروق الظاهرة بين المُسوّدة/ المشروع والصيغة النهائية، مقارنًا بين مختلف النسخ. وتضمن ذلك المستوى المعجمي والتركيبي والمضموني، فرصد الباحث طرق التعديل، وهي: الحذف، والإضافة، والاستبدال، والنقل/ التحويل، مبينًا ما طرحته بدورها من أسئلة عن الثابت والمتحوّل في هذه التوطئة؛ ما الذي تغير بين صيغة وأخرى؟ وما الذي لحقه التعديلُ، وحتى تعديلُ التعديل؟ والمستوى الثاني هو مستوى التحليل، وفيه تطرّق الباحث إلى السياق التاريخي لهذه العملية من الإبقاء والتعديل، ومن دفع إلى ذلك (الفاعلون)؟ ولمصلحة من (المستفيدون)؟ ووفق أي رهانات؟ لافتًا النظر لتبعات كل هذا على نص الدستور؛ بنيته ومضامينه.

 

منطلقًا من بيان أهمية التوطئة، والتي وصفت في وثائق صوغ الدستور بكونها "جزءًا لا يتجزأ منه" وأنها "خلفيته المرجعية" و"الموجّه العام لبنوده"، قدّم الباحث تحليلًا للتوطئة بصفتها خطابًا لغويًا، صيغ باستخدام اللغة وأحكامها، وحمل مضمونًا صريحًا وضمنيًا، يُلتَقط من أدلّة اللغة ويُراد إبلاغُه، وله جهة أنتجته في سياق تاريخي معلوم، مستهدفةً به جهة (جمهورًا)، ليتقبله، ولتُوقِع باستخدامه أثرًا معيّنًا. وقدّم الباحث دلائل وأمثلة تكشف فروق الصياغة الملحوظة بين مختلف مسوّدات التوطئة الأربع إضافة إلى النسخة الرسمية، ونوّه إلى الأبعاد النظرية والمنهاجية لفهم تلك الفروق وتفسيرها.

ومن الوجهة المنهاجية، وظف الباحث في فحصه للاستراتيجيات اللغوية المستخدمة في التوطئة، من الكتابة والمحو، والشطب والتعديل، مبادئَ النقد الجيني/ التكويني. ووضّح أن هذا المدخل مستعار من مدارس النقد الأدبي التي ظهرت في سبعينيات القرن المنصرم، وهي المدارس التي تهتم بدراسة مخطوطات النصوص (المـُسوّدة/ المُسوّدات) استنادًا إلى فرضيةٍ أساس مُفادها: لا تولد أغلب النصوص منتهيةً مكتملة، وفهمُها لا يكون على الوجه الأكمل إلا باستحضار مسار تشكلها التاريخي (ما قبل النص)، وليس انطلاقًا مما انتهت إليه. وبيّن أن إنشاء التوطئة قد اتخذ مسارًا ديناميًا تراكميًا يثير قضية ذاكرة النصوص، وفهم علل ما يطرأ عليها من تعديل، وتدبّر أسبابه.

ووصل الباحث بعرضه إلى تساؤل معمم عن التأثيرات المحتملة للتعديل النصي في الواقع في المنظورين القريب والبعيد في صلته بالانتقال الديمقراطي وبناء المؤسسات الديمقراطية، وفي علاقته أيضًا بتحقيق أهداف الثورة بمختلف مناحيها.

وقد راوحت المداخلات التي ناقش فيها الحاضرون على تطبيق "زووم"، وجمهور السيمنار على مواقع التواصل الاجتماعي، بين جوانب الموضوع اللغوية والسياسية والدستورية، مؤكدين أن الموضوع يطرح تساؤلات متجددة على الجماعة العلمية العربية، سواء من حقول اللغة أم القانون أم علم السياسة، أم غيرها من العلوم الاجتماعية والإنسانية.