Author Search
أستاذ الفلسفة في معهد الدوحة للدراسات العليا، ومدير تحرير دورية "تبيّن " للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية، 
الدكتور محمد حمشي مقدما للسيمنار
الدكتور رشيد بوطيب خلال عرضه
شارك عدد كبير من الأساتذة والباحثين والطلبة في النقاش مباشرة عبر تطبيق زووم، كما أجاب المحاضر على أسئلة المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي
من السيمنار
عدد من المشاركين في النقاش مباشرة عبر تطبيق المحاضرات
أحد الأساتذة المتدخلين في النقاش على تطبيق المحاضرات

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، والذي يعقده عن بُعد ونقلٍ مباشر عبر وسائط التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب)، الدكتور رشيـد بوطيّب، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بمعهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم اليوم الأربعاء 1 تمّوز/ يوليو 2020، محاضرةً بعنوان "واجـب النسيـان: تأمّلات في المسألة التراثية".

استهلّ رشيـد بوطيّب محاضرته بمناقشة سؤال الذاكرة والنسيان في الخطاب الغربي، خصوصًا في مجالات التاريخ، والفلسفة ودراسات الذاكرة، مركّزًا خاصةً على "الاعتبار الثاني" لنيتشه، ومنتصرًا لواجب النسيان في كلّ سياقٍ يحكمه تضخم الذاكرة، أو ما يسميه نيتشه بـ "الحمى التاريخية"؛ قبل أن يعرج على مناقشة مختلف القراءات للتراث في السياق العربي المعاصر، والتي تنتهي في مجملها، وعلى اختلاف مشاربها ومناهجها، إلى إسقاط صراعات الحاضر على الماضي، وصراعات الماضي على الحاضر، وما يمثله ذلك من عقبة أمام الالتحاق بزمن العالم، والانفتاح على الإنجازات الكبرى للحداثة.

واعتبر بوطيب أنّ الكَلفَ "المفرط" بالتراث لا يربطنا بذلك الماضي الذي انقضى، رغم كل ادعاءاته، وأنّ مهمة كلّ فكرٍ نقدي منخرط في الآنية، تكمن في الدفاع عن حقّنا في النسيان، وذلك ضد ما أسماه هيغل بـ "عبء التاريخ"، أو نيتشه بـ "الحمّى التاريخية"، أو حتى "الحمّى القومية". ومن ثمّ، فهو يعتبر أنّ من واجب علم النسيان، والذي يجب على كلّ فلسفةٍ تريد أن تكون نقدية في السياق العربي، برأيه، أن تفكّر فيه، أن يحرّرنا من ثقل الماضي ويحرّره من عبث الحاضر.

ثمّ عرج بوطيّب على مناقشة موضوع الذاكرة والتراث في الفكر العربي المعاصر، مؤكدًا أنه لم يجرِ تسليط الضوء بما فيه الكفاية على مسألة أنّ الدعوة لتوظيف الماضي والتراث في الصراعات السياسية تحرمنا من حق التفكير في حاضرنا من خارج صراعات ماضينا، وفي ماضينا من خارج صراعات حاضرنا، أو، بتعبير رشيـد بوطيّب، إنه يحرمنا من حقنا في المعرفة، ويؤبّد فيما وراء ذلك السلطة القائمة. ومن ثمّ، عدّ الماضي يتحول دومًا إلى نوع من الوصاية أو الإكراه، حين نربطه بقراءةٍ محددة أو حين نصبغ عليه صلاحية فوق تاريخية؛ إذ بقدر ما تؤدي خسارة الذاكرة الجمعية عند الشعوب والأمم إلى اضطرابات خطيرة في الهوية الجمعية، كما يؤكد ذلك جاك لوغوف، يهدّد تضخمها ما يمكن أن يصطلح عليه "الحقوق التاريخية للأجيال المقبلة"، ويحكم على هذه الهوية الجمعية بالجمود.

 

وقد اعتمد بوطيّب في مقاربته خصوصًا على موقف نيتشه من النسيان في اعتباره الثاني من "اعتبارات في غير أوانها"، والذي عدّه أكبر دفاع قدّمته الفلسفة عن النسيان، على اعتبار أنّ نيتشه يفتتح تفكيره في التاريخ وعلاقته بالحياة، مركّزًا على ضرورة الاهتمام بما هو ضروري. ثم انتقل الباحث ليقيم تماثلًا بين "الحمّى التاريخية" التي كان يعانيها عصر نيتشه، وما أسماه "الحمّى التراثية" عندنا، والتي قال عنها ما قاله نيتشه عن مسيحية عصره في مقدمة كتابه ماوراءالخيروالشر، إنها أفلاطونية للشعب. وهو يشير بذلك إلى التصور الأفلاطوني الذي يربط الحقيقة بالذاكرة ويعتبر النسيان أكبر خطر يتهدّدها، ولكن نيتشه يقلب هذه المعادلة، ليقول ما معناه أنّ الحقيقة لا تحيا بالذاكرة فقط، ولكن بالنسيان أيضًا؛ بل إنّ الحياة نفسها تحتاج إلى النسيان أكثر من التذكّر.

واختتم بوطيّب محاضرته بالقول إنه كما أن للذاكرة تربيتها الخاصة بها، فيجب مقاومتها عبر تأسيس التربية على النسيان أو على الحرية، تقف على النقيض من الترويض، ومن خطاطة "الشيخ والمريد"؛ على اعتبار أنّ النسيان من شأنه أن يخرجنا من القدرية التاريخية التي ظلّ نيتشه يقاومها، ويفتحنا على قارة جديدة، لم تطأها أقدامنا بعد، هي ما يسميه التنوير الغربي بـ "حرية الإرادة".

وأعقب المحاضرة نقاش ثريّ، شارك فيه عن بعد الباحثون في المركز العربي، وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته، وأساتذة باحثون من ربوع العالم العربي وخارجه، كما شارك فيه جمهور المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي.