Author Search
​أستاذ علم الاجتماع بجامعة إلينوي بشيكاغو
من السيمنار
الدكتور عاطف سعيد خلال تقديمه العرض
الدكتور محمد حمشي مقدما للسيمنار
عدد من المشاركين في النقاش المباشر عبر منصة البث

استضاف سيمنار برنامج دراسات التحول الديمقراطي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 8 تموز/ يوليو 2020، الدكتور عاطف سعيد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة إلينوي بشيكاغو، الذي قدم محاضرة، عُقدت عن بُعد، بعنوان "انتخابات بلا ديمقراطية: ماذا حدث للتحول الديمقراطي في مصر؟" استعرض فيها الحالة المصرية منذ ثورة 25 يناير 2011 حتى عام 2015.

حدد الباحث غاية بحثه بأنه اشتباك نقدي على المستوى النظري مع ما اعتبره محدوديةً تكتنف نموذج التحول الديمقراطي في تفسير العلاقة التشابكية بين الاحتجاجات السياسية والانتخابات، طارحًا أن هذا النموذج، فيما تبيّنه غالبية الدراسات التي عُنيت بالموضوع، يضعنا في معضلة بافتراضه انفصالًا بين التعبئة الثورية، التي مثّلت في سياق الربيع العربي الآلية السببية للتغيير السياسي، وبين الدفع بالتحول الديمقراطي وحفز عملية الدمقرطة.

بدأ الباحث عرضه بالسؤال الإشكالي الذي اشتقه من الحالة المصرية، عن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في موجاتٍ صاحبتها ظاهرة الانتخابات؛ فإذا كان المصريون قد ثاروا في كانون الثاني/ يناير 2011 من أجل الديمقراطية، فكيف نفسر احتجاجهم مرة أخرى في عام 2013 الذي أنهى "الديمقراطية" التي تولدت من احتجاجهم الأول؟ وكيف يستقيم أن أحد بواعث ثورة يناير كان الاحتجاج ضد التزوير السافر في الانتخابات العامة في عام 2010، وأن القوة التي تصدرت الثورة قد تبنّت المطالبة بديمقراطية تمثيلية عبر انتخابات حرة ونزيهة، مع ما جرى لاحقًا من تململ الجماهير من القوى الموصوفة بالديمقراطية، وثارت موجة من النقد الحاد للديمقراطية الإجرائية الجديدة، ولسان حالهم يكرر مقولة جيف غودوين بأن "صندوق الانتخابات هو مقبرة الثوار"؟ هل صحيح أن الشباب الثوري في مصر قد استهلكوا طاقتهم في التعبئة السياسية والاحتجاج في الشارع، ولم يهتموا على الإطلاق بالانتخابات التي أعقبت الثورة، سواء تلك التي جرت في عام 2011 أو في عام 2012؟

 

وحاول الباحث تلمّس ملامح للإجابة عن ذلك، عبر تقديم قراءة تاريخية تؤطر تلك العلاقة المتشابكة الناشئة بين التعبئة والاحتجاج السياسي من جهة، وسياسات الانتخابات من جهة أخرى، وأطرها التي شملت التعديلات الدستورية من عام 2011 حتى نهاية عام 2015. وانتقد النموذج الذي يسود حاليًا في دراسات التحول الديمقراطي، ووضع في مقابله إطارًا تحليليًا رأى فيه إمكانية تفسيرية أعلى، يجمع فيه بين دراسة عملية الدمقرطة، بوصفها عملية صراعية وتاريخية معقدة، على نحو ما صورها تشارلز تيلي، وبين فهم عملية الانتخابات بوصفها عملية سياسية صراعية تتجاوز فكرة الانتخابات بمعناها التقني (التصويتي) لتتقاطع وفعل الاحتجاج وحراكه في المجتمع، من الزاوية التي طرحها دوغلاس ماك آدم وسيدني تارو.

وفق هذا الإطار البديل، وقف الباحث على ملامح التشابك المعقد بين الاحتجاجات والعملية الدستورية والانتخابية في الفترة 2011-2015. وبخلاف عديد الأدبيات التي افترضت القطيعة بين الاحتجاج السياسي والعملية الانتخابية، يدافع الباحث عن فكرة أساسية مفادها أن المصريين طالبوا ورغبوا في تحقيق الديمقراطية التمثيلية، لكنهم اختلفوا حول معناها وحدودها. وفي هذا يُبّين الباحث أن المصريين حين احتجوا في الشارع ابتغاء توسيع رقعة الديمقراطية التمثيلية، استخدموا فضاء الديمقراطية السياسية للتعامل مع حراك الشارع.

وقد ميز الباحث في الفترة ذاتها خمس مراحل متشابكة، هي: المرحلة الأولى، التي شهدت صعود التعبئة الثورية وتبوّؤها مركز الثقل السياسي (25 كانون الثاني/ يناير-11 شباط/ فبراير 2011)، أما المرحلة الثانية فشهدت مولد مشروع الديمقراطية الإجرائية/ التمثيلية، وتشكيله مركزَ ثقلٍ سياسيًا منافسًا للشارع السياسي (آذار/ مارس 2011)، فالمرحلة الثالثة التي ظهر فيها الاستقطاب السياسي، بوصفه قوة دفع للتعبئة السياسية ولحركة الشارع، ومعه استقطاب موازٍ حول ماهية الديمقراطية الإجرائية/ التمثيلية وحدودها وفرص إنجازها (نيسان/ أبريل 2011-تشرين الأول/ أكتوبر 2011)، وفي المرحلة الرابعة وقع الانقسام والصدام الحاد، وتعقّد وتشابك العلاقة ما بين الاحتجاج السياسي ومشروع الديمقراطية الإجرائية/ التمثيلية (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011–كانون الأول/ ديسمبر 2011)، وأخيرًا المرحلة الخامسة التي شهدت انهيار مشروع الديمقراطية الإجرائية/ التمثيلية، واستعادة النظام السلطوي، في صيغةٍ تزعم الديمقراطية، وصعوده رفقة عامل القمع، ووأد الاحتجاجات السياسية (كانون الثاني/ يناير 2013–كانون الثاني/ يناير 2015).

وانتهي الباحث إلى خلاصات كان من أبرزها أن أي دراسة معقولة لعملية الدمقرطة بوصفها عملية تاريخية صراعية يجب أن تأخذ في اعتبارها دراسة العوامل السببية الأساسية التي أنشأت التحول الديمقراطي نفسه، مثل التعبئة السياسية والثورية في الحالة محل البحث، ما يعني أن دراسة التحول الديمقراطي باعتباره عملية إجرائية شكلية هي دراسة ناقصة. كذلك تساعدنا دراسة العلاقة التشابكية بين الاحتجاج السياسي والديمقراطية التمثيلية في فهم تعقيد عملية الدمقرطة بوصفها عملية تاريخية صراعية، وتساعدنا في فهم أعمق لحالة السيولة السياسية التي تعقب الثورات والتي تسبق ترسيخ أي نظام سياسي.

ثم فتح رئيس الجلسة الدكتور محمد حمشي الباب لإسهامات المشاركين في السيمنار عبر تطبيق زووم والمتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي للمركز، وقد راوحت المداخلات التي نوقشت جوانب الموضوع النظرية، وتلك التي أظهرتها حالة مصر في فترة الدراسة.

جدير بالذكر أن هذا السيمنار يتناول جزءًا مفتاحيًا، ضمن مشروع كتاب يعده الباحث بعنوان مبدئي هو "الميدان واحتواء الثورة: المجال السياسي بين الثورة والثورة المضادة في مصر"، يعتمد فيه على مصادر متنوعة، من حقول علمية مختلفة، عبر منهاجية تجمع بين البحث الإثنوغرافي والكيفي والتاريخي.