Author Search
​أستاذ الاقتصاد في برنامج اقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا
Author Search
​أستاذ ورئيس قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا.
Author Search
سياسي تونسي. شغل منصب ووزير الخارجية في حكومة حمادي الجبالي. وهو المدير العام لمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية في تونس. نشر عدة كتب، أبرزها: في العلمانية والدين والديمقراطية.
عبد الفتاح ماضي
عبد الجميد هنية
نزار جويني
رفيق عبد السلام

بحث سيمنار مشروع "التحول الديمقراطي ومراحل الانتقال في البلدان العربية"، الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 10 كانون الثاني/ يناير 2018، في إطار برنامج السيمنار الأكاديمي لعام 2017-2018، موضوع "تحديات الانتقال الديمقراطي في تونس بعد سبع سنوات على الثورة"، وذلك بالتزامن مع الذكرى السابعة لانتصار "ثورة 14 جانفي 2011" في تونس، بعد أن أطاحت نظام زين العابدين بن علي.

قُدّمت في السيمنار الذي أداره الدكتور عبد الفتاح ماضي، منسق المشروع، ثلاث أوراق، تناولت كل منها جانبًا محددًا من حزمة التحديات التي تواجه تونس ما بعد الثورة.

الورقة الأولى قدّمها الأكاديمي والسياسي التونسي الدكتور رفيق عبد السلام، المدير العام لمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية، وكانت بعنوان "الثورة التونسية وتحديات الانتقال". بسط الباحث، في ورقته، المقدمات العامة للثورة التونسية التي رأى أنها كانت "تغييرًا متأخرًا". ومع ذلك، فهي تفتتح حقبة جديدة في التاريخ العربي، ومهما علت موجات الثورات المضادة، فإنها لن تلغي التطلع إلى التحرر الذي كرسته ثورات الربيع العربي. ورأى الباحث أن التجربة التونسية حافظت على أحد أهم مكتسبات الثورة المتمثل بجذوة الحرية، سواء في مستواها الخاص أو العام، وذلك على الرغم من وجود إرادة قوية تدفع في اتجاه التراجع عن المساحات التي تم اكتسابها بعد الثورة، بدعوى استعادة الأمن والاستقرار واسترجاع هيبة الدولة المفقودة. 

وأرجع الباحث النجاح النسبي للتجربة التونسية، مقارنةً بتجارب الربيع العربي المتعثرة، إلى خمسة عوامل رئيسة، تتمثّل في حالة التجانس المجتمعي وغياب الانقسامات الإثنية والطائفية مع الانتشار الأفقي للتعليم، وحيادية المؤسسة العسكرية وغياب التقاليد التدخلية، فضلًا عن وجود مجتمع سياسي ومدني فاعل ونشيط صمد حتى خلال حقبة القمع، وعقلانية الفاعلين السياسيين وميلهم إلى المساومة السياسية وتبادل التنازلات على الرغم من وجود قوى ظلّت تستثمر في لعبة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، ووجود إرادة دولية ترغب في الحفاظ على ديمقراطية ناشئة؛ ليس تعلقًا بالقيم الديمقراطية في حدّ ذاتها، بل خشية التكلفة الثقيلة لانهيار الوضع في تونس مع حالة الفوضى السائدة في ليبيا على جنوب أوروبا.

أما أهم الصعوبات والتحديات التي واجهت المرحلة الانتقالية في تونس فلخصها الباحث في الآتي: إن الثورات العربية كانت ثورات غير مكتملة، نجحت في إسقاط رأس النظام وخلخلته، ولكنها لم تقوَ على تفكيكيه، إضافة إلى وجود نواة إقليمية صلبة معادية للربيع العربي ظلّت تعمل على إسقاطه وتخريبه بكل السبل، فضلًا عن التفاوت الواضح بين المنجز السياسي والمنجز الاقتصادي، سواء تعلق  بإعادة الاعتبار للمناطق المحرومة التي انطلقت منها الثورة أو من جهة الفئات الاجتماعية الأقل حظًا في التنمية، وكذلك إمكانية اهتزاز التوافق السياسي الذي أملته إكراهات السياسة الداخلية ومعطيات المحيط الإقليمي، وتحدي التعامل مع المنظومة القديمة، وخطر الاستقطاب الأيديولوجي.

وقدم الورقة الثانية الدكتور عبد الحميد هنيّة، رئيس برنامج التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، وعنوانها "أي ديمقراطية في تونس منذ انطلاق الثورة؟". بدأها بقوله إنه قد حان الوقت لكي نتحدث عن الثورة التونسية بلا تمجيد. وانتقد الباحث خطابًا كثيرًا ما سوَّقَت له النخب السياسية التونسية في الخارج (وأيضًا في الداخل)، وهو ما وصف بـ "التوافق التونسي" الذي لا يعدو أن يكون، في نظر الباحث، توافقًا بين أطياف النخب السياسية، لكنه يُرادُ به توافق كل التونسيين، وكأنّ التونسيين يشكّلون كتلة واحدة. وهذه المغالطة الأولى المؤسسة للواقع السياسي المتأزم في البلاد التونسية اليوم، بحسب ما يرى هنيّة.

وطرح الباحث مجموعة من الأسئلة، منها: عن أي ديمقراطية نتحدث الآن؟ وكيف مُورست في تونس بعد الثورة؟ وهل اختلفت في ممارستها بين الفترة الانتقالية والفترة السابقة للثورة، وذلك على الرغم من الآليات والمؤسسات العديدة التي وضعت لتطبيقها؟ كان الثالوث المطلبي لدى الفئات الشعبية عندما قامت الثورة التونسية "شغل، وحرية، وكرامة وطنية"، ولكن ماذا تحقق للفئات الشعبية من هذه المطالب بعد مرور سبع سنوات على انطلاق الثورة؟ هل حقق المواطن في تونس مواطنته الكاملة مع الثورة؟ الثورة التونسية قبل كل شيء ثورة "المواطنة"، وذلك باعتراف العديد من الشاهدين، فهل هنالك تضارب بين "المواطنة"، بصفتها مطلبًا شعبيًّا، والديمقراطية التي لم ينطق بها المتظاهرون؟

وشخّص الباحث ذلك بأن الفئات الشعبية التي قادت الثورة التونسية (أو الشباب) لم تدرج ضمن شعاراتها عبارة "الديمقراطية". ورأى أن قضية الديمقراطية في تونس تبقى مرتبطة بحقيقة واقع وضع الفرد السياسي طوال هذه المدة، أي قبل الثورة وبعدها إلى يومنا هذا. وخلص الباحث إلى أنه من الضروري أن نسائل قضية الديمقراطية وتطبيقها في تونس؛ بشيء من الصرامة والتدقيق "حتى لا ننساق وراء أوهام لا طائل فيها".

الورقة الثالثة في السيمنار قدّمها الدكتور نزار جويني، رئيس برنامج السياسات العامة في معهد الدوحة للدراسات العليا، وعنوانها "الحد من الانقطاع عن التعليم: المحدّد البنيوي للانتعاش الاقتصادي لتونس الغد"، وقد قدّم فيها لمحة عامة عن التحديات الاقتصادية التي تواجه تونس ما بعد الثورة. وبالأرقام، تشير كل المعطيات إلى تراجع ملموس في الوضع الاقتصادي في تونس؛ وذلك من حيث أرقام البطالة، والتشغيل، والمديونية، والاستثمار، وما إلى ذلك.

درس الباحث حالة محددة، تمثّلت في الانقطاع عن التعليم، بوصفه تحديًّا أمام مستقبل تونس الاقتصادي، ورأى أنه على الرغم من تجاوز عدد المنقطعين عن المدرسة في تونس مئة ألف طالب سنة 2016، فإنه لم يتم التفكير في حلول عملية تمكّن من القضاء على هذا التسرب الذي ينخر الاقتصاد. ذلك أن الانقطاع عن المدرسة يمثّل تكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة ستزيد حدتها في المستقبل القريب؛ نتيجة التغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية. وذكر الباحث أنه إضافة إلى التكاليف المباشرة للميزانية، والتي تراوح بين 25 و50 في المئة من ميزانية وزارة التعليم، ينتج من الانقطاع تكاليف غير مرئية تؤثّر في العجز، ومن ثمّ التداين العمومي. وأخيرًا، قدّم الباحث بعض التصورات عن إمكانيات معالجة هذه المشكلة.

وفي الختام، دار نقاش ثريّ بين الباحثين والحضور، تناول قضايا عامة تواجه الانتقال الديمقراطي في تونس.