مؤرخ سوري كوسوفي
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 14 حزيران/ يونيو 2023، الدكتور محمد الأرناؤوط، المؤرخ السوري - الكوسوفي، الذي قدّم مشروعه البحثي بعنوان "مشاركة الألبان والبشناق في حرب 1948"، والذي تناول فيه الدور الذي قام به كبار الضباط العسكريين من الألبان والبشناق، مستندًا إلى الوثائق والمذكرات وبعض الدراسات المنشورة باللغتين الصربية والإنكليزية.
وأوضح الأرناؤوط أن مشاركة مئات العسكريين الألبان والبشناق من مختلف الرتب في حرب 1948 بقيت موضوعًا مسكوتًا عنه لدى الطرفين العربي والبلقاني خلال العقود الماضية، باستثناء إشارات عنه هنا وهناك، حيث ارتبط هذا الموقف بالظروف التي حكمت دول المنطقة في نهاية الحرب العالمية الثانية والأنظمة الجديدة التي وصلت إلى الحكم، سواء في البلقان أو في المنطقة العربية.
وقال الباحث إنّ الكيانات التي وُجدت خلال الحرب العالمية الثانية بعد الاجتياح الإيطالي - الألماني للبلقان 1939-1941، شجّعت على قيام دول قومية جديدة مثل "ألبانيا الكبرى"، التي ضمت أجزاء من مملكة يوغسلافيا التي انهارت عام 1941، و"كرواتيا الكبرى" التي ضمّت البوسنة والهرسك، مضيفًا أن تصاعد المقاومة التي قادها الحزب الشيوعي في يوغسلافيا السابقة وألبانيا وتحول الصراع إلى حرب أهلية بين اليمين القومي واليسار، ووصول الأخير إلى الحكم في ربيع 1945، عوامل جعلت آلاف الضباط والسياسيين القوميين يلجؤون إلى إيطاليا المجاورة، حيث وُضعوا في معسكرات للاجئين.
وأضاف الأرناؤوط أن هذه المعسكرات شكّلت منبعًا لاستقدام النخبة العسكرية والسياسية المعارضة للشيوعية إلى المنطقة العربية ضمن مشاريع متعددة، منها الاستفادة من الخبرات العسكرية لكبار الضباط للانضمام إلى "جيش الإنقاذ" أو الجيش السوري الوليد الذي كان يحتاج إلى خبرات عسكرية، مؤكدًا أن جولة الحاج أمين الحسيني في ألبانيا والبوسنة عام 1943 ودعوته إلى "الجهاد" في فلسطين كان لها أثرها لدى البعض للمشاركة في حرب 1948.
غير أن الأرناؤوط نبّه إلى أنّ الأنظمة اليسارية الجديدة في يوغسلافيا التيتوية وألبانيا الخوجوية اعتبرت هؤلاء "مجرمي حرب" وحكمت عليهم بالإعدام غيابيًا، بمن فيهم الحاج الحسيني. ومع وجود أنظمة يسارية في المشرق، بعد عام 1948، وقيام علاقات جديدة مع يوغسلافيا وألبانيا الاشتراكيتين، أصبح البحث في هذا الموضوع محرجًا للطرفين، ملاحظًا أنّ استمرار السكوت العربي شجّع الطرف الآخر (الصربي والإسرائيلي) على إصدار دراسات تحاول التشكيك في دوافع هؤلاء العسكريين للمشاركة في حرب 1948 في صف الجيوش العربية.
وقد قدّم الأستاذ جمال باروت، المؤرخ والباحث في المركز العربي، مداخلةً تعقيبية شدد فيها على أهمية الكشف عن الدور الذي أدّته المجموعة البوسنية في حرب 1948، بما فيها مشاركتهم في "جيش الإنقاذ"، منبّهًا إلى ضرورة العودة إلى مصادر أخرى للتعرف على أعدادهم الحقيقية في الحرب. وقد أعقب السيمنار نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة للدراسات العليا، وطلبته.