Author Search
أستاذة التاريخ وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. 
من السيمنار
أمل غزال
أوغستان جوميي معقبا على المحاضرة عن بعد
هاني عواد مترئسا جلسة السيمنار

استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، الدكتورة أمل غزال، أستاذة التاريخ وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا، التي قدّمت محاضرة عنوانها "تونس ’العثمانية‘: الشمال الأفريقي والبحث عن الاستقلال من طرابلس الغرب إلى لوزان (1911-1923)".

تناولت المحاضرة أهمية مؤتمر لوزان في شمال أفريقيا؛ ليس بوصفه حدثًا منعزلًا، بل بوصفه تتويجًا لعملية طويلة من التحركات والمفاوضات التي قادها ناشطون سياسيون مناهضون للاستعمار وملتزمون بفكرة الاتحاد العثماني. وركزت الباحثة على المسارات السياسية لخمسة ناشطين تونسيين سعوا للاستقلال من الحكم الفرنسي أو نوع من الحكم الذاتي الذي يقوم، على الأقل، على المساواة في الحقوق والواجبات.

تحدّثت الباحثة عن مؤتمر لوزان في سياق تاريخي أوسع يبدأ من الغزو الإيطالي لطرابلس الغرب في عام 1911، والتعبئة الشعبية على مستوى بلدان الشمال الأفريقي لمؤازرة الجهود الحربية العثمانية. وأوضحت كيف أنّ هذه التعبئة أدّت إلى إنشاء، أو إحياء، شبكات ناشطين ومقاتلين موالين للدولة العثمانية ولحركة الاتحاد العثماني، وهي الشبكات نفسها التي عادت إلى العمل لمصلحة العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى.

وتتبعت الباحثة مسار علي باش حانبة (1876-1918)، وهو شخصية محورية في الحراك السياسي التونسي خلال فترة الحماية الفرنسية، وقد كان معروفًا بدوره الرئيس في تأسيس "تونس الفتاة"، أول تنظيم تونسي شبه حزبي. ولم يقتصر دور باش حانبة على الدفاع عن حقوق التونسيين، بل كان جزءًا من استراتيجية أوسع لربط النضال التونسي ضد الاستعمار الفرنسي بالدولة العثمانية وسياستها الإقليمية.

وتطرّقت الباحثة إلى مسيرة محمد باش حانبة، وتطرّقت أيضًا إلى مسيرة كلّ من صالح الشريف، وإسماعيل الصفايحي، وبيّنت الجهود المشتركة لهؤلاء جميعًا خلال الحرب العالمية الأولى، موضحةً التزامهم المستمر بالاتحاد العثماني بصفته حركة سياسية تلاقت مع حركة الاتحاد المغاربي ومع تطلعات استقلال شمال أفريقيا.

وأفردت الباحثة جزءًا مهمًّا من محاضرتها للحديث عن دور عبد العزيز الثعالبي في قيادة المعركة الحقيقية من أجل التحرر في تونس. وأوضحت كيفية تمحور جهوده حول تعزيز حقّ تونس في تقرير مصيرها، خاصة من خلال كتابه "تونس الشهيدة: مطالبها" الذي صدر بالفرنسية عام 1920، والذي أثار قلق السلطات الفرنسية بسبب نبرته "التحريضية" و"العدائية"؛ ما أدى إلى حظر بيعه وتوزيعه في فرنسا وخارجها.

وخلصت الباحثة إلى أن النضال السياسي لمجموعة الناشطين التونسيين يمنحنا رؤية مختلفة لمؤتمر لوزان؛ رؤية لا تعكس منظور تاريخ دبلوماسي لدول متصارعة ومداولات رؤسائها، بل منظور ناشطين على الأرض حاملين طموحات الاستقلال. وأشارت إلى أن المنظومة العثمانية لم يُصبها انهيار مع مؤتمر لوزان، بل مع الإعلان الرسمي عن إنهاء الخلافة وقيام تركيا دولةً قومية.

عقّب على المحاضرة الدكتور أوغستان جوميي، الأستاذ المشارك في التاريخ في المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس، وقد أشار إلى أن أهمية المحاضرة تكمن في ثلاث مسائل محورية: أوّلها، دور الإطار العثماني زمن الاستعمار؛ ثانيها، أهمية التضامن وتنقّل الناشطين بين بقية الأقاليم العثمانية؛ ثالثها، دور المراجع الدينية في التفاعلات السياسية والاجتماعية. وأكد أن المحاضرة تتنزل في إطار فكري يكشف دور الموروث العثماني في الحياة السياسية والاجتماعية، معتبرًا أن مؤتمر لوزان، وإن كان رمزًا لتأسيس الدولة القومية التركية، بات شاهدًا على أهمية الاتحاد العثماني في شمال أفريقيا.

ولفت المعقب الانتباه إلى أهمية ما كشفته المحاضرة بشأن حركة تنقل الناشطين السياسيين بين مختلف المستعمرات وأوروبا من جهة، والمستعمرات العثمانية من جهة أخرى، معتبرًا أن ذلك يمثل رؤية سياسية جديدة تبتعد عن التصورات القديمة التي لا تتحدث إلّا عن العلاقة بين المستعمرات والمركز.

حضر السيمنار طلّاب وباحثون وأكاديميون من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، وقد شهد نقاشًا ثريًّا تناول العلاقة بين الحركات الاستقلالية في شمال أفريقيا والدولة العثمانية، ودور النخب المحلية في صياغة المشروع الوطني، وتأثير الأحداث الإقليمية والدولية في مسار الحركة الوطنية التونسية.