أستاذ مساعد في برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
استضاف سيمنار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، يوم الأربعاء 4 أيلول/ سبتمبر 2024، الدكتور مهند سلوم، الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا، الذي قدّم محاضرة بعنوان "تيارات المهد الخفية: تاريخ المخابرات العراقية". تناولت المحاضرة التطور التاريخي والديناميات العملياتية والتداعيات الجيوسياسية لجهاز المخابرات العراقي على مدار قرن من الزمان.
استهل سلوم محاضرته بتسليط الضوء على أهمية دراسة المجتمع الاستخباري العراقي لفهم دوره في تشكيل المشهد السياسي العراقي الحديث. وأشار إلى أنّ هذا البحث يمثّل ثمرة جهد بحثي أصيل يهدف إلى سد فجوة معرفية في الدراسات الأكاديمية حول هذا الموضوع الحساس والمعقد.
وأوضح أنّ الدراسة تتبع نشأة المجتمع الاستخباري العراقي منذ تأسيس نواته الأولى على شكل "قوات الليفي" في تموز/ يوليو 1915، والتي تألفت من نحو أربعين كشافًا عربيًا جرى تجنيدهم من مدينة الزبير في محافظة البصرة جنوب العراق. وبيّن تطوّر هذه النواة البسيطة إلى الشكل المعاصر للمخابرات العراقية، مستعرضًا المراحل والتقلبات التي مرّ بها هذا الجهاز خلال تكيّفه مع التهديدات المتغيرة للأمن الوطني العراقي.
وشدد سلوم على أهمية تبنّي نهج متعدد التخصصات في دراسة هذا الموضوع، حيث يجمع بحثه بين دراسات الاستخبارات ونظرية ما بعد الاستعمار والتحليل التاريخي. وأوضح أنّ هذا الإطار المنهجي يسمح بدراسة المجتمع الاستخباري العراقي من زوايا متعددة، على نحوٍ يوفر فهمًا شاملًا لتطوره وتأثيره على مدى أكثر من مئة عام.
وتطرق الباحث إلى الإرث الاستعماري وتأثيره في تشكيل المخابرات العراقية وتطورها، موضحًا أنّ الممارسات الاستعمارية البريطانية هي التي وضعت الأسس لهذا الجهاز. وأشار إلى أنّ استخدام نظرية ما بعد الاستعمار ساعد في كشف العلاقات المعقدة بين سلطة الحكومة العراقية حديثة الاستقلال وسيطرة قوات الانتداب البريطاني التي شكّلت نواة المجتمع الاستخباري العراقي.
ولفت سلوم الانتباه إلى أهمية التحليل المقارن في بحثه، حيث وضع الممارسات الاستخبارية العراقية في سياقٍ أوسع ضمن دول الجنوب العالمي. وأوضح أنّ هذه المقارنة مع الأجهزة الاستخبارية في الدول العربية والإقليمية ساعدت في إبراز الخصائص الفريدة والمشتركة، وقدّمت رؤى حول كيفية تشكيل التحديات الجيوسياسية المتشابهة لوكالات الاستخبارات في المنطقة.
وشدد الباحث على أهمية دراسة الأبعاد الأخلاقية وهياكل الحوكمة المتعلقة بالعمليات الاستخبارية. وأوضح أن بحثه ركّز على تقاطع العمل الاستخباري مع قضايا حقوق الإنسان والقمع السياسي وحوكمة القطاع الأمني العراقي، فوفّر منظورًا نقديًا حول تأثير الأنشطة الاستخبارية في المشهدَين الاجتماعي والسياسي في العراق.
وأشار إلى أنه استفاد من فرصة فريدة تمثلت في إجراء مقابلات مع أكثر من 30 ضابط مخابرات عراقي سابق وحالي برتب مختلفة، إضافةً إلى أكثر من 20 خبيرًا وأكاديميًا تعاملوا مع جهاز المخابرات العراقي خلال العقود الماضية. وأكّد أنّ هذه المقابلات أضفت عمقًا وأصالةً على البحث، ما ميّزه من أيّ نص أكاديمي آخر في هذا المجال باللغتين العربية والإنكليزية.
وعرض المحاضِر الأسئلة الرئيسة التي حاول بحثه الإجابة عنها، والتي تضمنت كيفية تكيّف المجتمع الاستخباري العراقي مع التحديات والتهديدات الأمنية، وقدرته على جمع المعلومات وتحليلها، ودور العمليات السرّية في السياسة الخارجية العراقية، وتأثير الأجهزة الاستخبارية الأجنبية في تطوير الجهاز العراقي، وشكل المجتمع الاستخباري العراقي ودوره بعد الغزو الأميركي عام 2003.
وقد عقّب الدكتور خضير الدهلكي - باحث في الدراسات الأمنية، يعمل حاليًا في وزارة الدفاع العراقية، وله خبرة عملية في جهاز المخابرات العراقي - مشيدًا بأهمية المشروع البحثي في ظل ندرة الدراسات الاستخبارية والأمنية في المنطقة العربية. وأشار إلى أنّ الكتاب سيكون مرجعًا مهمًّا للأجهزة الاستخبارية والرأي العامّ العراقي. وأكّد الدهلكي على الطبيعة المدنية لجهاز المخابرات ودوره الأساسي في حماية سيادة الدولة وأمنها القومي. ولفت الانتباه إلى تأثير الصراعات والتمردات الداخلية في تطور الجهاز. واقترح إضافة دراسة تأثير أيديولوجيا حزب البعث في عمل الجهاز، مشيرًا إلى العلاقة التاريخية بين الأحزاب السياسية والأجهزة الاستخبارية في العراق.
شهد السيمنار نقاشًا ثريًا شارك فيه عدد من الباحثين والأكاديميين من المركز العربي للأبحاث ومعهد الدوحة، تركّز حول موازنة الحاجة إلى الأمن القومي مع احترام الحقوق والحريات الفردية، وتأثير التغيرات السياسية والاجتماعية في عمل المخابرات، ودور التكنولوجيا الحديثة في تغيير أساليب العمل الاستخباري، وإمكانية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في إصلاح القطاع الأمني.