عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 29 أيلول/ سبتمبر 2021 ندوةً لمناقشة كتاب سياسة قطر الخارجية القطرية: الاستراتيجيا في مواجهة الجغرافيا، الذي صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، للدكتور مروان قبلان، الباحث بالمركز ورئيس وحدة الدراسات السياسية.

وقد شارك في الندوة، التي عُقدت بطريقة مزدوجة حضوريًا وعن بُعد، ثلاثة من الباحثين المختصين في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الخليجية، وهم الدكتور عبد الله الشايجي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الكويت؛ والدكتور عبد الله الغيلاني، الخبير والباحث العماني في الشؤون الخليجية؛ والدكتور زهير المخ، المختص العراقي في الشؤون الخليجية.

استُهلت الندوة بمداخلة لعبد الله الغيلاني تمحورت حول السياقات التي جرى فيها تحديد سياقات السياسة الخارجية القطرية، وهي سياقات غير مستقرة ومليئة بالتهديدات على المستويين الإقليمي والدولي. وقد أوضح الباحث أنّ البيئة التي تندرج فيها السياسة الخارجية القطرية محفوفة بالمخاطر، وأنّ النموذج القطري في السياسة الخارجية فريد من نوعه في المنطقة، وجدير بالدراسة لعدة اعتبارات؛ من أهمها أننا لم نشهد دولةً صغيرة من حيث الحجم، وضعيفة من حيث الموارد الاستراتيجية العامة كالمساحة والسكان، استطاعت أن تحقق هذا المستوى من النجاحات الإقليمية، والصعود لتتبوأ سياساتها الخارجية مكانةً فاعلة، رغم الإكراهات والمخاطر.

كما طرح الباحث سؤالًا معاكسًا عن السيناريو المتوقع في حالة انكفاء قطر وانغلاقها على ذاتها منشغلةً بالتنمية والتحديث الداخلي، ولم تتبنَّ مثل هذه السياسة الخارجية النشطة. وأجاب بأنّ مصيرها كان ليبقى مرهونًا بيد جارتيها الكبيرتين (المملكة العربية السعودية، وإيران). ويرى الباحث أن السياسة الخارجية القطرية في العقدين الماضيين قد اتسمت بجملةٍ من نقاط الارتكاز، أولاها امتلاك قطر جملةً من المهارات التي تمكّنها من القراءة الواقعية للتحولات التاريخية، ليس فقط في لحظتها الراهنة، وإنما مع قدرتها على استشراف المآلات. وكان ذلك بائنًا، في نظر الباحث، إبّان الربيع العربي. ففي حين انقسمت مواقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيال الثورات العربية بين معادٍ (السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين)، ومحايد (سلطنة عمان، والكويت)، تميّزت قطر بموقفٍ مؤيد وبدعمها للربيع العربي. وقد تمثّلت ثانية نقاط ارتكاز السياسة الخارجية القطرية في وجود رؤية واضحة، على عكس منظومة مجلس التعاون الخليجي التي اتسّمت بالضبابية ولم تكن سياستها الخارجية محدّدة. أما الركيزة الثالثة، فقد تمثّلت في الجسارة السياسية، رغم الأثمان الباهظة التي دفعتها قطر نتيجة لذلك، وكان أشدّها قساوةً الحصار الذي مورس على قطر في عام 2017، بما يحمله من تهديدات وصلت إلى حدّ التهديد بالتدخل العسكري.

أما المداخلة الثانية فكانت لزهير المخ الذي ثمّن إقدام المركز العربي على نشر الكتاب؛ على اعتبار أنه يتيح أكبر قدر من المعرفة بالمصادر الدينامية التي تتصف بها السياسة الخارجية القطرية، والتي ظلّت طوال عقدين عصيةً على الفهم وظلّ الغموض يكتنفها. كما نوّه الباحث بتبنّي الكتاب منهجًا غاية في الحداثة، وهو منهج "تحليل المنظومة"، مواكبًا بذلك الطفرة المنهجية في تناول السياسة الخارجية، وأيضًا بإحداثه قطيعةً حاسمة مع المنحى التاريخي في دراسة العلاقات الدولية؛ على اعتبار أنّ هذا المنحى لم يكن بالنسبة إلى الجيل القديم من الدراسات سوى سلسلة من الأحداث السياسية التي تُشرح من دون تحليل عميق، ومن دون تلمّس حقيقي وفعلي لجذورها. وأشار الباحث أيضًا إلى كمّ المعلومات الوفير الذي استحضره الكتاب في سياق عرضه للأدوات التي لجأ إليها صانع القرار القطري، في سعيه الدؤوب لبناء سياسة خارجية مستقلة، وفي مساره المتشعّب لبناء دوره في السياسة الخارجية.

وفي هذا الإطار، لم يغفل الباحث، الإشارة النقدية لتناول الكتاب دور الوساطة القطرية، بوصفه أحد المحددات الرئيسة والمستجدة للسياسة الخارجية القطرية، على الرغم من أنه لم يعرّف تمامًا مفهوم الدبلوماسية العامة التي ابتكرته القيادة القطرية، وخصوصًا في تعاملها مع فواعل وشبكات غير رسمية وجماعات فرعية دون الدولة، وفي حفاظها على تحالفات ونسج تحالفات رسمية معها. وختم الباحث مداخلته بالتأكيد على أنّ الكتاب قد نأى عن مأزقين رئيسين: أولهما الانطباعية، وثانيهما طغيان جانب السرد الكرونولوجي.

وكانت المداخلة الثالثة لعبد الله الشايجي في إطار الاشتباك النقدي مع كتاب "سياسة قطر الخارجية". فقد عدّه إضافةً حقيقية إلى دراسات الخليج، في تحليله ورصانته. وقد استهل حديثه بالإشارة الإيجابية إلى سياق الكتاب، ومنهاجيته، وسرده الكرونولوجي، وإلى أنّ الاهتمام بدراسة منطقة الخليج العربي يمثّل حالةً جديدة صاعدة وجديرة بالملاحظة، لا سيّما دراسة حالة دولة صغيرة في محيطٍ إقليمي مضطرب، تستأثر دبلوماسيتها بـ "القوة الناعمة" دون "القوة الصلبة". وألمح الباحث في هذا الصّدد إلى أنّ الكتاب لم يشر إلى المرجعية التي اعتمدت عليها قطر في تجربتها، مستلهمةً النموذج الكويتي، خاصة بين ستينيات القرن الماضي وتسعينياته.

وأشاد الباحث بالجهد النظري في الكتاب، خاصة نظرية أليسون حول اتخاذ القرار، وهي نقطة إيجابية في مزج الجوانب النظرية بالجوانب التاريخية، مع إشارته إلى ابتعاد الكتاب عن تناول سياسة قطر الخارجية من جانب نظرية المعضلة الأمنية. وأثار الباحث بعد ذلك عدة أسئلة يمكن من خلالها مساءلة قطر بوصفها دولةً صغيرة في المنطقة: هل يحق للدول الصغيرة أن تكون مستقلة؟ وهل يمكنها أن تتحدى الدول الكبرى في الجوار الجغرافي القريب والبعيد؟ وهل التحالف بين قطر وإيران تحالف مؤقت أم دائم، خاصة في ظل عودة العلاقات مع السعودية؟ وهل التحالفات الجديدة التي تخوضها قطر في المنطقة مما قد يكون من شأنه أن يخفّف من التحالف مع إيران؟ وأيُعتبر التحالف مع تركيا تحالفًا استراتيجيًا أم علاقة مؤقتة؟

وقد أعقب مداخلات الخبراء الثلاثة تعقيب لمؤلف الكتاب، الدكتور مروان قبلان، عرض فيه لجملةٍ من القضايا والأسئلة التي أثارتها التعقيبات، ولأسئلةٍ أخرى وردت من المتابعين عبر وسائط التواصل الاجتماعي للمركز العربي، عرضها مدير الندوة، الدكتور حيدر سعيد، مدير قسم الأبحاث بالمركز العربي. وتلى ذلك نقاش عام، أسهم فيه جمهور الحاضرين.