عقدت وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم السبت 27 شباط/ فبراير 2021، ندوة عن بُعد بعنوان "السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط في عهد إدارة جو بايدن: الاستمرارية والتغيير"، شارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين العرب والأجانب، وهم مروان قبلان، مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي؛ وحيدر سعيد، رئيس قسم الأبحاث في المركز العربي ومدير تحرير دورية "سياسات عربية"؛ وسمير صالحة، أستاذ جامعي في القانون الدولي العام والعلاقات الدولية؛ ودانييل برومبيرغ، زميل أول غير مقيم في المركز العربي بواشنطن؛ وسماء الهمداني، المديرة التنفيذية للمعهد الثقافي اليمني للتراث والفنون؛ وعماد حرب، مدير الأبحاث والتحليل في المركز العربي بواشنطن. وقد بحثت الندوة سياسة إدارة جو بايدن تجاه تركيا، وإيران، والسعودية، وسورية، والعراق، واليمن.

السياسة الأميركية تجاه دول المشرق العربي وتركيا

ناقشت الجلسة الأولى، التي ترأس أعمالها عبد الوهاب الأفندي، رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا بالوكالة، ونائب الرئيس للشؤون الأكاديمية، السياسة الأميركية في عهد إدارة جو بايدن تجاه سورية والعراق وتركيا. وقدّم مروان قبلان مداخلة حاول من خلالها دراسة ملامح السياسة الخارجية لإدارة بايدن تجاه سورية، مستندًا إلى المتغيرات الآتية: فلسفة الإدارة ومواقف الفاعلين الرئيسِين فيها، ومواقف التحالف الذي أوصل بايدن إلى الحكم من المسألة السورية، والتحديات والأولويات التي تواجه إدارة بايدن داخليًا وخارجيًا، ودرجة الدعم والمعارضة التي يحظى به أداء دور أكبر في الملف السوري. وبناءً على تحليل هذه المتغيرات، استنتج قبلان في مداخلته أن سورية لا تظهر بوضوح على أجندة إدارة الرئيس بايدن، بل هناك تعمّد واضح لتجاهلها؛ وهذا يعني، وفقًا له، غياب سياسة أميركية خاصة بسورية، مشيرًا إلى أنها ستبقى ملحقة باتجاهات العلاقات الأميركية مع اللاعبين الثلاثة الآخرين، وهم إيران وتركيا وروسيا، إضافة إلى إسرائيل. ورأى أنّ هناك تغيرًا في السياسة الأميركية من حيث الأولويات في سورية؛ إذ إن الأولوية في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب كانت احتواء إيران وتقليص نفوذها. أما الأولوية بالنسبة إلى بايدن فقد عادت إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما (2009-2017)، لتصبح مواجهة تنظيم الدولة. وأضاف قبلان أنه لا يرجح أن تستفيد إيران كثيرًا من إعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، حيث إن ذلك سوف يشعل فتيل المنافسة الإقليمية من جديد، وسيمنع بايدن من تهدئة المنطقة من أجل التفرغ لمواجهة صعود الصين. وهنا يكمن، بحسبه، التمايز بيت إدارة بايدن وإدارة أوباما بخصوص إيران. واختتم قبلان مداخلته بالقول إن الانقسام الذي كان سائدًا بين ترامب والمؤسسات الأميركية، ولا سيما البنتاغون والخارجية، بخصوص السياسة في سورية قد انتهى؛ إذ يوجد حاليًا، بخصوص سورية والأولويات الأخرى في الإقليم، تناغم بين البيت الأبيض والبنتاغون والخارجية. وأضاف أن سياسة إدارة بايدن تجاه سورية لن تكون أفضل من سياسة ترامب، بل قد تكون انعكاساتها أسوأ، إذ إن سورية ستكون مهددة في وحدتها إذا اختار بايدن دعم نشوء إدارة ذاتية بقيادة قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات، موصيًا بوجوب إيجاد سبل لوضع مسألة سورية على ضمن أجندة إدارة بايدن خارج إطار ثنائية الإرهاب واللجوء، والدفع في اتجاه حل الصراع فيها حتى لا تبقى القضية معلقة.

في المداخلة الثانية، ركز حيدر سعيد على سياسة بايدن تجاه العراق، وأشار إلى أن السياسة الأميركية تجاه العراق منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 تميزت بالتغير. ففي المرحلة الأولى، الممتدة من عام 2003 إلى عام 2006، كان العراق يقدّم من جهة المحافظين الجدد بوصفه نموذجًا للدمقرطة، لكن هذه النظرة سرعان ما تبدلت بدايةً من عام 2006 مع خفوت صوت المحافظين الجدد وصعود صوت الواقعيين في الولايات المتحدة الأميركية. وناقش سعيد، أيضًا، الفترة ما بين عام 2007 وخريف عام 2017، وهو تاريخ تحرير الموصل، وأشار إلى تحول العراق في تلك الفترة إلى ساحة حرب على الإرهاب، وإلى أنّ ذلك قد ترافق مع غياب أميركي من الساحة العراقية يمكن التأريخ لبدايته بإعلان الرئيس الأميركي أوباما الانسحاب من العراق، عام 2011، بهدف التفرغ لساحات حرب أخرى. وأضاف سعيد أن الولايات المتحدة عادت ظرفيًّا إلى الساحة العراقية بالتزامن مع تشكيل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في آب/ أغسطس 2014، ورأى أن العراق لم يتحول طوال العقود السابقة إلى ساحة لمواجهة التمدد الإيراني إلا مع حقبة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. واختتم سعيد مداخلته بالقول إن السياسة الخارجية لإدارة بايدن ستتميز بالعودة إلى الدبلوماسية بدلًا من الانخراط العسكري، مع وجود التزام "شبه أخلاقي" للإدارة الأميركية تجاه العراق، ليخلص إلى وجود إطارين من الثوابت يحكمان السلوك الأميركي تجاه العراق، هما: عدّ الملف العراقي غير منفصل عن الملف الإيراني، وعدّ مواجهة الإرهاب أولوية من طرف إدارة بايدن.

من ناحية أخرى، حاول سمير صالحة رصد التوجهات العامّة التي ستحكم العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، وأشار إلى أن العلاقات الأميركية - التركية ستشهد تغيرًا مقارنةً بالعقود الماضية، مفندًا وجود مواجهة بين إدارة بايدن وحكم العدالة والتنمية؛ حيث إنه رأى أن الخلافات بين الدولتين ستكون مبنية على الخيارات الاستراتيجية لكل منهما في الإقليم والعالم. وقد أسس صالحة نظرته السلبية استنادًا إلى مستقبل العلاقات بين إدارتَي واشنطن وأنقرة على تحليل خطاب كل منهما، مستشهدًا بتصريح بايدن إبان حملته الانتخابية بإسقاط الرئيس التركي بطريقة ديمقراطية؛ ما اضطر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى رفض الوصايا الغربية، واتهام الولايات المتحدة بتحريك جماعات إرهابية ضد تركيا، ودعمِ المحاولة الانقلابية، وصولًا إلى العقوبات الأميركية. واختتم صالحة مداخلته بالقول إن المواجهة بين تركيا والولايات المتحدة لن تكون مباشرة، بل إنها ستكون، بحسب قوله، في "المناطق الرمادية" التي تمثّل سورية والعراق وشرق المتوسط والبلقان وأوروبا والقوقاز والبحر الأوسط.

السياسة الأميركية تجاه إيران واليمن والسعودية

ناقشت الجلسة الثانية التي ترأس أعمالها خليل جهشان، المدير التنفيذي للمركز العربي بواشنطن، السياسة الأميركية في عهد إدارة جو بايدن تجاه إيران، واليمن، والسعودية. وقدّم دانييل برومبيرغ مداخلة قال فيها إن طبيعة النظام في إيران، الذي وصل إلى السلطة بعد الثورة الإسلامية عام 1979، يشكل الإطار الأساس لفهم محددات العلاقة مع الولايات المتحدة، فهذا النظام يعادي واشنطن على المستويين السياسي والثقافي، ويرفض تطبيع العلاقات معها. وأضاف إلى ذلك قوله إن النخبة السياسية الإيرانية، على الرغم من الوجه العقائدي والأيديولوجي للنظام السياسي في إيران، غير متساوية في ذلك، إذ ثمة معسكران في إيران؛ معسكر يدعو إلى التركيز على التنمية والتنويع الاقتصادي، وزيادة مبيعات النفط والغاز، والتفاعل مع الغرب، وبناء علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية معه، ومعسكر يدعو إلى الانفصال عن الغرب والبحث عن طرق أخرى لبيع النفط والغاز، ولا سيما مع دول الشرق. ويرى برومبيرغ أن قرار الرئيس السابق ترامب القاضي بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، المبرم عام 2015، وإعادة فرض عقوبات عليها، عززَا من قوة المعسكر المتشدد في إيران، الذي يدعو إلى الابتعاد عن الغرب. واختتم برومبيرغ مداخلته بالقول إنه يرجح، على الرغم من هذه العراقيل، أن تفتح الولايات المتحدة وإيران قنوات خلفية لبحث عودة الطرفين إلى الاتفاق النووي.

أمّا سماء الهمداني، فقد شددت في مداخلتها على أن جو بايدن يحاول التأكيد على أن سياسته تجاه اليمن تقوم على إنهاء الحرب وتخفيف المعاناة الإنسانية فيها. ورأت أن مساعي الإدارة الأميركية المتمثلة بإبعاد جماعة "أنصار الله" الحوثية عن وسمها بأنها منظمة إرهابية أجنبية، تقع في صلب سياستها القائمة على إنهاء الحرب ووقف التدهور الإنساني في اليمن. وأشارت إلى أن قرار الرئيس بايدن بشأن تعليق مبيعات الأسلحة مؤقتًا إلى السعودية والإمارات جاء استجابة لمطالب جماعات الضغط الإنسانية في واشنطن منذ بدء الحرب في اليمن. وقالت إن إلغاء إدارة بايدن لحظر السفر الذي فرضته إدارة الرئيس السابق، ترامب، على دخول رعايا دول عربية وإسلامية إلى الولايات المتحدة، ساعد في تسهيل سفر اليمنيين إلى الولايات المتحدة، وساهم في تمديد الحماية المؤقتة لليمنيين المقيمين فيها. واختتمت الهمداني مداخلتها بالقول إنّ التزام الولايات المتحدة بمشروع سلام دائم في اليمن سيواجه تعقيدات عدة من دون تفاعل الدول الإقليمية والأطراف اليمنية المتصارعة على الأرض. ورأت أن إنهاء الحرب في اليمن يُعد مفتاح تحسين العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران؛ لأن إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في اليمن أسهل من تحقيقه في سورية والعراق.

اختتمت الندوة بمداخلة لعماد حرب، وقد قدّم خلالها ثلاثة إطارات رئيسة لما يمكن أن تكون عليه علاقة الولايات المتحدة بالسعودية خلال فترة جو بايدن. ناقش في الأول الإطار العام لموقع السعودية في السياسة الخارجية الأميركية والتحولات التي طرأت على العلاقة بين الطرفين خلال العقد الأخير، ولا سيما اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي ومحاربة الإرهاب ومواجهة إيران، ورأى أن العلاقة بين الطرفين شهدت انفتاحًا كبيرًا خلال السنوات الأربع الماضية؛ ما يعني أن إدارة بايدن قد تصطدم بتركة ثقيلة في العلاقة مع السعودية. وأشار حرب في الإطار الثاني إلى النظرة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما تجاه منطقة الخليج العربية، ورغبة واشنطن، التي برزت في العقد الأخير، في الانسحاب تدريجيًا من المنطقة، ورأى أن التطبيع العربي مع إسرائيل ساهم في تقليل حدة مسؤولية الولايات المتحدة الأمنية والعسكرية تجاه المنطقة، وأضاف قوله إنّ انسحاب الولايات المتحدة من منطقة الشرق الأوسط والتوجه إلى آسيا، لا يعني الانسحاب كليًّا من المنطقة. وأخيرًا، توقّع حرب أن التغيير الحاصل في المجتمع الأميركي، ولا سيما داخل أنصار الحزب الديمقراطي في النظرة تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط، ومن بينها السعودية، سيساهم على نحو جدي في تعزيز دفاع الولايات المتحدة عن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية في الشرق الأوسط.