استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في 13 حزيران/ يونيو 2022، ندوة بعنوان "تمثيل الإيرانيين في وسائل الإعلام الغربية"، وشارك فيها الخبراء يحيى ر. كماليبور، أستاذ الاتصالات في جامعة ولاية كارولَيْنا الشمالية الزراعية والتقنية North Carolina A&T State University، في الولايات المتحدة الأميركية، ونِجار مرتضوي، صحافية إيرانية أميركية ومحلّلة سياسية، وعسل راد، مديرة قسم الأبحاث في المجلس الوطني الإيراني الأميركي. أدار الجلسة مهران كامرافا، مدير وحدة الدراسات الإيرانية وأستاذ القضايا الحكومية في جامعة جورجتاون، في قطر.

استهلّ كامرافا النقاش بالتساؤل عمّا إذا طرأ تغيّرٌ ما في تغطية وسائل الإعلام الغربية لإيران وللشعب الإيراني. بدأ كماليبور بالإشارة إلى أنّ صورة إيران في وسائل الإعلام الغربية، بخاصة في الولايات المتحدة، لم تكن سلبية قبل ثورة 1979 بالقدر الذي أصبحت عليه بعدها. وأضاف أنّ المواقف السلبية تجاه إيران كانت أقلّ قسوةً مما هي عليه اليوم، وأنّ العالم كان ينظر إلى إيران بوصفها بلدًا غير مألوف، لا يشبه غيره من البلدان. ورأى أنّ ثورة 1979، ولا سيّما أزمة الرهائن، شكّلت لحظة فاصلة بالنسبة إلى صورة إيران في وسائل الإعلام الغربية، ما ساهم في اندلاع "حرب الصّور" على حدّ قوله. ووفقًا لكماليبور، لم تلحق أزمة الرهائن الضرر بإيران كبلد فحسب، بل أضرّت بالإيرانيّين الذين يعيشون في الداخل والخارج. فبعد نشوب الأزمة، تصدّرت إيران الأخبار المحليّة والعالمية، والثقافة الشعبية أيضًا، مع قيام هوليوود بإنتاج العديد من الأفلام التي تصوّر إيران على نحو سلبي. وقد تعزّزت هذه النظرة السلبية عندما أشار جورج بوش الابن إلى إيران بــوصفها "محور الشرّ" في عام 2002 وعندما وصفها دونالد ترامب بــ "الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم"، عام 2016.

ثمّ علّقت راد على العلاقة بين صورة إيران السلبية في التغطية الإعلامية وبين السياسات العامة. فقد انطلقت من تقييم كماليبور، لتضيف أنّ الاستيلاء على السفارة الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 ساهم مساهمة كبيرة في تشويه صورة إيران في الغرب. ولاحظت أيضًا أنّ صورة إيران كما حدّدها الخطاب السياسي ووسائل الإعلام المختلفة، قد أثّرت مباشرةً في السياسات. فهناك أوقاتٌ تُلحق فيها السياسات الأميركية الضررَ بالمصالح القومية الأميركية إضافة إلى الأمن العالمي. فوفقًا لراد، "يحدث هذا بسبب نزعة أيديولوجية يسهل من خلالها، في ظل هذا المناخ، اتخاذ موقف مناهض لإيران". علاوةً على ذلك، يتمّ استخدام صورة إيران السلبية بهدف تبرير اعتماد سياسات محدّدة. فعندما يتعلّق الأمر بإيران، يعبّر الديمقراطيون والجمهوريون في الولايات المتحدة عن آراء مماثلة.

أما مرتضوي، فقد واصلت مداخلتها من خلال تناولها تأثير تصريحات الإيرانيين وأعمالهم في صورة البلاد السلبية. صحيحٌ أنّ تصريحات المسؤولين الإيرانيين غالبًا ما تتصدّر عناوين الصحف، غير أنّ التعليقات التي يدلي بها مسؤولون أميركيون بشأن الإيرانيين لا تحظى بالاهتمام نفسه. وقد ساهم في تعزيز هذه الصورة عدم إمكانية الوصول إلى إيران نتيجة سياسات المسؤولين الإيرانيين والنقص في توافر الحوافز والموارد، فضلًا عن أن العديد من وسائل الإعلام الغربية والدولية تفتقر إلى مراسلين أو مكاتب لها في إيران. وأشارت مرتضوي إلى أنّ وسائل الإعلام التي لديها موظفون ملمّون بالسياق وباللغة، ما يؤهّلهم لتغطية أخبار إيران، قليلة. وأضافت "لقد تأثّرت التغطية الإعلامية بسياسات الدول التي تشكّل في الأساس خصمًا لإيران. وكان تركيز وسائل الإعلام على قضايا محدّدة، وبصورة أساسية الأمن والسياسة الخارجية والبرنامج النووي مؤثِّرًا، على نحو جرّد الإيرانيين من إنسانيتهم.

وأشار كماليبور في معرض تعليقه عمّا إذا كان باستطاعة إيران الردّ على الصور السلبية من خلال اعتماد الدبلوماسية العامة وإيصال رسالة مختلفة، إلى أنّ قنوات الاتصال، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، متاحة داخل إيران، إلا أنّ المشكلة تكمن في نقل الرسائل. وقال في هذا الإطار إنّ "ما يحدث في إيران، وما تنشره وسائل الإعلام الوطنية والدولية في إيران من تقارير، أمرٌ أساسي"؛ إذ غالبًا ما تنقل هذه الوسائط الإعلامية، بما فيها وسائل الإعلام الإيرانية الموجودة في الولايات المتحدة، رسالة خاطئة، وتساهم في تشويه صورة إيران. وشدّد على أنّ التصوير السلبي لإيران وشعبها يؤثر في الإيرانيين كلّهم، أينما وُجدوا. وفي هذا السياق، أضافت مرتضوي أنّ إعلام الشتات لا يفرّق، في أغلبية الأحيان، بين الحكومة والشعب والبلد، ما يؤدي إلى تعميمات واسعة تشمل الشعب بأكمله. ورأت أنّه "في حالة إيران، تكون السردية المضادّة أو المتمّمة، إما ضعيفة أو غير موجودة".

وردًّا على كيفية تصوير النساء الإيرانيات في وسائل الإعلام الغربية، أشارت راد إلى "عقدة المخلّص"، التي يُفترض من خلالها أن تكون النساء المسلمات، في إيران وأماكن أخرى، ضعيفات وفي حاجة إلى من ينقذهنّ. وعلى الرغم من مساهمات النساء الإيرانيّات ومشاركتهن في مجالات متعدّدة ضمن المجتمع الإيراني، فإنه غالبًا ما يجري تصويرهنّ على أنهنّ ضعيفات ومستسلمات. وقالت راد "لا تنتظر النساء، بصورة سلبية، أن يتمّ إنقاذهن؛ بل على العكس، هنّ يشاركن بفاعليّة في التغييرات السياسية التي تشهدها بلادهن". وجادلت بأنّ التغطية الإعلامية انتقائية أيضًا، وتمنح فرصة التعبير لأولئك الذين تتماشى أفكارهم السياسية مع أفكار المسؤولين الأميركيين. أما مرتضوي، فقد رأت من جهتها، أنّ عملية تجريد المسلمين من إنسانيتهم، والتي هي نتاج ثانوي لخطاب ما بعد الاستعمار، تجري بأشكال مختلفة بناءً على ما إذا كانت الولايات المتحدة تتعامل مع أعداء أو حلفاء.

وعلّق كماليبور على التغطية الإعلامية الإيرانية للولايات المتحدة، زاعمًا أنها أبعد ما تكون عن التغطية المتوازنة وهي شبيهة بتغطية الولايات المتحدة، إذ تركّز على النواحي السلبية. ووافقت مرتضوي على تعليق كماليبور مشيرةً إلى أنّ "وسائل الإعلام الإيرانية ليست متجانسة كلّها، لكن السرديّة الإجمالية تعكس تغطية الولايات المتحدة الأميركية لإيران". وذكرت أيضًا أنّ الصحافيين الإيرانيين لديهم فرص محدودة للوصول إلى الولايات المتحدة، وهم مضطرون إلى العمل عن بُعد في أغلب الأحيان. وأضافت قائلةً "إنّ التفاهم أعمق، لكن سياسات الدولة تؤثر أيضًا في عملية التغطية".

أخيرًا، رأى كماليبور أنّ توعية الناس وتزويدهم بالمعلومات عن إيران أمرٌ بالغ الأهمية لدى التصدّي لمشكلة صورة البلاد المشوّهة والمنحازة. وشدّد على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تضطلع به الوسائط الإعلامية في الشتات في الحدّ من التوتر والانقسام وتحسين تصوير إيران بوصفها بلدًا وشعبًا. وافقت راد مضيفةً أنّه من المهمّ مناقشة مسألة تصوير الإيرانيين في وسائل الإعلام الغربية، وتسليط الضوء، في الوقت نفسه، على صعوبة تطبيق ذلك نظرًا إلى أنّ الناس تعوّدوا على مثل هذه السرديات. وقالت "هذه هي المحادثات التي نحتاج إلى أن نجريها بهدف النهوض بالمجتمع المحلي وبالمجتمع بصورة عامة، لأنها تفرض علينا إعادة النظر في الوضع الراهن".