نظّمت وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان الاحتجاجات في إيران في 13 شباط/ فبراير 2023. شارك في الندوة كلّ من مارال كريمي، الحاصلة على شهادة دكتوراه في تعليم العدالة الاجتماعية من جامعة تورنتو في كندا، ومؤلفة كتاب الحركة الخضراء الإيرانية عام 2009: تردّد أصداء المقاومة (2018)The Iranian Green Movement of 2009: Reverberating Echoes of Resistance ، وأمير حسين مهدوي، باحث دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة كونيتيكت الأميركية. وقد أدار الندوة مدير وحدة الدراسات الإيرانية في المركز العربي مهران كامرافا.

تناولت الندوة الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في إيران في إثر مقتل مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق في أيلول/ سبتمبر 2022، وتطرّقت إلى تداعيات تلك الاحتجاجات. واستهلّت كريمي الندوة بتقديم لمحة عامة عن الاحتجاجات والتطوّرات الأخيرة في إيران. ورأت أن هذه الحركة استمرّت مدّة أطول مما كانت تشهدها الانتفاضات السابقة، وشملت نطاقًا أوسع من ناحية الجغرافيا والتركيبة الطبقية والمشاركين فيها. وأنّ الحركة "جمعت بين مسألتين خلافيّتين [بين المحتجّين من جهة، والنظام من جهة أخرى]، ألا وهما الجندر والعرق، فضلًا عن الإحساس بالاستياء السائد في الشارع. ويرجع ذلك إلى أنّ عدم الارتياح غير المعلن هذا، جرى التعبير عنه بصخب في الشارع". صحيحٌ أنّ الاحتجاجات هدأت في الأشهر الأخيرة، لكن لا يزال هناك وجود قويّ في الشارع، يترافق وأعمال عنف وقمع يمارسها النظام. وبهدف إعادة توحيد الصفوف، بدأ منظّمو هذه الاحتجاجات الذين يعملون متخفّين، الحدّ من مشاركتهم ووجودهم العلني، في وقت بدأت الدولة فيه بالإفراج عن العديد من المحتجّين المعتقلين. ووجدت كريمي أن العمليّة هي بالفعل عمليّة إعادة توحيد للصفوف؛ لأن المشكلة بقيت عالقة، بسبب افتقار الحكومة للإرادة السياسية والموارد التي تلبّي حاجات المحتجّين.

أما مهدوي فقد شرح لماذا تُعدّ هذه الاحتجاجات غير مسبوقة من ناحية انتشارها الجغرافي ومدّتها. وقد سلّط الضوء على ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء موجة الاحتجاجات الأخيرة؛ الأوّل: طابعه المؤسسي، والثاني: يتعلّق بالسياسة الخارجية، والثالث: تركيبة النخبة السياسية الحاكمة. وقد وردت هذه العوامل أيضًا في استطلاعات الرأي العام الرسمية؛ إذ أشار فيها الإيرانيون إلى أنه لا يوجد أمل في تحقيق تغييرات مباشرة لتحسين الحكم في البلاد، وأنّ هذه المؤشرات الثلاثة ستزداد سوءًا في المستقبل. وأضاف مهدوي: "لا يقتصر الوضع هذه المرّة على معاناة الحكم من تراجع كبير على مستويات عدّة فحسب، بل يشمل الشعب أيضًا الذي لم يعد يرى أيّ ضوء أو فرصةٍ تتيح إجراء تحسينات".

وفي إشارة إلى الرسائل التي كتبها الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، ومير حسين موسوي، مرشح الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009، سأل مدير الجلسة مهران كامرافا إن كانت تعبّر هذه الرسائل عن تبلور خطاب داخلي للمعارضة. فأجاب مهدوي أنّها كانت بمنزلة اعتراف بأن الأساليب التقليدية لمحاولة الضغط بهدف تحقيق إصلاحات ضمن البنى الحالية للدولة معطّلة، ولا يمكن اعتماد الأساليب والاستراتيجيات نفسها التي اعتُمدت خلال عصر الإصلاح في تسعينيات القرن العشرين. وأضاف: "يستحيل طرح أي حلول محليّة، واتخاذ قرارات للمصالحة بين التيارات المختلفة، وإجراء انتخابات حرّة، من دون معالجة الطريق المسدود الذي بلغته السياسة الخارجية التي تخضع لسلطة المرشد الأعلى، والتي لن تتغيّر مع الانتخابات أو من خلال التفاعل بين النخب السياسية والتيارات، أو بإجراء أي إصلاح معيّن". كما أشار إلى "المرحلة الثانية من الثورة" التي حدّدها الخامنئي، والتي دخلت حيّز التنفيذ منذ خمس سنوات، وروّجت لعملية تطهير النظام. وبحسب مهدوي، تبدو هذه الانتخابات انتخابات استبدادية مهيمنة، تغيب عنها أي منافسة بين التيارات الموالية للنظام.

أما كريمي فتناولت أيضًا بإسهاب المعارضة خارج إيران، التي ادّعت أنه جرى اختيار هذه الشخصيات المعارضة بسبب شهرتها ومكانتها بشكلٍ أساسي؛ لذلك ليست أهلًا لتبوّء مناصب قيادية تتيح لها إدارة الظروف الصعبة في إيران. وتجدر الإشارة إلى أن وجهات النظر السياسية والسرديات والأصوات اليمينية تنعم بفرصة أكبر ومساحة أوسع للتعبير. وأضافت كريمي: "لا يعني ذلك أن وجهات النظر تلك تمثّل الأغلبية. فشعار ’المرأة والحياة والحرية‘ يعبّر عن نفسه، ولا يمثل بأي حال من الأحوال، سياسة ما، أو أشكال مستقبلية للحكومة التي تستند إلى أشكال الحكم الوراثية".

ووفقًا لمهدوي، تتضمّن النصوص التي كتبها خاتامي وموسوي ومصطفى بن مُجتبى تاج زاده، المستشار السابق للرئيس خاتمي (2004–2005) موضوعًا مشتركًا ألا وهو الدعوة للإصلاح من أجل التغيير. وفي حين رأى كثيرون في ذلك مجرّد أمنية، رأى مهدوي أنه وفّر مساحة لمناقشة الإصلاحات، والخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيقها. من ناحية أخرى، تدعو المعارضة خارج البلاد إلى تغيير النظام، وتريد أن تبدو جبهة موّحدة في نظر الدول الغربية. وأضاف مهدوي أنه ليس من السهل أن تتمكّن مختلف أطراف المعارضة، داخل إيران وخارجها، من التعاون والتآزر. ولا تحاول المعارضة الخارجية مدّ يد العون للمعارضة داخل إيران، فهناك حالة انفصال بين الطرفين. يبقى أن نرى ما إذا كانت معارضة الخارج ستكون قادرة على تعبئة الناس وحشدهم داخل إيران.

أخيرًا، ناقش كل من كريمي ومهدوي ما إذا كان هناك اليوم ثورة في إيران، أو ما إذا كانت هذه الظاهرة السياسية تحتاج إلى تعريفٍ محدّد. وقالت كريمي: "من المبكر إطلاق مصطلح الثورة على الاحتجاجات الحالية؛ لأن ذلك من شأنه أن يخفّف من إمكاناتها، وكلما طال أمد تلك الاحتجاجات، ازداد الوقت الذي يتيح لنا سماع بعضنا بعضًا وإجراء مناقشة بشأن ما يجري، إضافة إلى توجيه تلك الاحتجاجات للوصول إلى إيران ديمقراطية". ولم توافق كريمي على أن الاحتجاجات هي ثورة نسوية؛ لأن بعض الخصائص المتعلقة بالنساء والأقليّات الإثنية التي احتلّت مركز الصدارة، لم تتحقّق بعد. ووافقها مهدوي، وأضاف: "سيكون من المفيد دراسة تأثير تلك المصطلحات واستخدامها، في ما يتعلق بالأحداث الحالية، وذلك لتحديد ما إذا كانت تساهم في تنفيذ أهداف هذه الحركات أو تعرّضها للخطر بطريقة ما".