بدون عنوان

الجلسة الثالثة: الدولة وبناء السلام في السودان
مهدي مبروك مترئسا الجلسة الثالثة
منى هداية
بهاء الدين مكاوي محمد قيلي
حمد عمر حاوي:
الجلسة الرابعة: قضايا العلاقات المدنية – العسكرية
صالح زياني مترئسا الجلسة الرابعة
محمد سي بشير
كرار محمد التهامي
عادل أورابح
الجلسة الخامسة: القوى الاجتماعية في سياق الانتقال
حامد علي مترئسا الجلسة الخامسة
من الجلسة الخامسة
محمد نعيمي
حسن الساعوري
مشاعر الأمين الدولب
الجلسة السادسة: قضايا الاقتصاد في سياقات انتقالية
سيد أحمد قوجيلي مترئسا الجلسة السادسة
علي إبراهيم محمد
خالد منه
الزاكي الحلو

استمرت أعمال الدورة العاشرة للمؤتمر السنوي حول قضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي في يوميه الثاني والثالث، وتطرقت جلساته إلى عدد من الأسئلة المهمة حول مسارات الانتقال في السودان والجزائر، تشعبت بين قضايا السلام والعلاقات المدنية العسكرية وأدوار القوى الاجتماعية وكذا قضايا الاقتصاد.

السلام وإعادة بناء الدولة في السودان

طرحت في الجلسة الثالثة من المؤتمر، التي ترأسها الدكتور مهدي مبروك، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع تونس، ثلاث أوراق ناقشت الأبعاد المختلفة لقضية استعادة السلام في السودان، وسبل تجاوز النزاعات في مرحلة ما بعد عمر البشير. في البداية، قدّمت منى هداية، الباحثة في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، ورقة بعنوان "مركزية إقليم الشرق في سلام السودان: التوترات القائمة والوقاية من تصاعد النزاع"، والتي أعدتها بالاشتراك مع الدكتور سلطان بركات، الأستاذ في معهد الدوحة للدراسات العليا ومدير مركز دراسات النزاع. أوضحت الورقة أنّ الأولوية التي منحت للشرق في عملية بناء السلام السوداني، تعود إلى مكانته الجغرافية، وارتباط استقراره بأمن القرن الأفريقي واستقراره. وبنت تحليلها على مفاهيم "النهج المركّب" في دراسة بيئات النزاع المعقدة، مستفيدةً من عمل بحثي ميداني تضمّن مقابلات مع أكاديميين ودبلوماسيين وعدد من الفاعلين، وكذا تحليل لمخرجات حوارات للسلام جرت على مسار شرق السودان. وأوصت الورقة بمدخل للحل يتمثل في الدبلوماسية الوقائية.

وفي الموضوع ذاته، قدّم الدكتور بهاء الدين مكاوي، أستاذ مشارك في قسم الشؤون الدولية بجامعة قطر، ورقة تبحث واقع اتفاق جوبا لسلام السودان وتستشرف آفاقه، بيّن فيها إنه على الرغم من اختلاف ظروف نشأة الحركات المسلحة، فهي تشترك في العديد من مطالبها، مثل التنمية المتوازنة، والمشاركة في السلطة، والاعتراف بالتنوّع الثقافي، واحترام حقوق الإنسان والمواطنة. وهي المطالب ذاتها التي أطّرت توجهات الأطراف المعارضة في خلال مباحثات اتفاق جوبا لسلام السودان. وبالرغم ممّا يواجه الاتفاق من تحديات سياسية واقتصادية وأمنية، تبقى فرص لنجاحه، إذا ما حرصت أطرافه على المضي قدمًا في إنفاذ بنوده، وضمنت التأييد الشعبي الواسع الذي اكتسبه، والمساندة الدولية التي حظي بها. وشدد الباحث على أن استدامة السلام تتطلب توافر الوعي الكافي لأطراف العملية السلمية بمخاطر الانزلاق إلى الحرب مرة أخرى، ومراعاة الحركات الموقّعة الاتفاق الظروف الاقتصادية والسياسية الحرجة التي تمر بها البلاد.

أما الدكتور حمد عمر حاوي، أستاذ العلوم السياسية وعميد سابق للدراسات العليا بجامعة بحري في السودان، فقد تناول الجوانب المختلفة لما تواجهه مسارات الانتقال الديمقراطي في السودان من تحديات. وطرح الباحث أنّ توق قوى الثورة إلى تحقيق تحوّل شامل يصطدم بواقع تعقد البيئة السودانية وبروز عوامل معيقة للتغيير المطلوب. وبما أن التجربة تسير عمومًا ببطء شديد فمن الصعب تصور إنجاز التحول الديمقراطي، في حين أن الباحث لا يستبعد تحققه على المدى الأبعد، شريطة توافر طاقة ثورية أكبر ووعيٍ أعلى. لقد قدّمت التجربة بعض الإنجازات، قياسًا على المدة القصيرة التي قضتها، والواقع المعقّد الذي ورثته سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وأمنيًا، لكن، يرى حاوي أن نتائج بعض المساعي والمبادرات المطروحة تظل غير واضحة.

العسكريون والمؤسسة العسكرية في سياق التحولات

دارت الجلسة الرابعة التي ترأّسها الدكتور صالح زياني، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باتنة، حول المسائل المتعلقة بالعلاقات المدنية العسكرية في الجزائر والسودان. وفي بدايتها، تناول الدكتور محمد سي بشير، الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية في الجزائر، أبعاد ما أسماه "جدلية الأمني/ العسكري والسياسي" في التجربة الجزائرية. وتساءل: إلى أيّ حدّ يمكن أن يكون العاملان الأمني/ العسكري والسياسي مدخلين لدفع عملية التحول نحو الديمقراطية، أو كبحها، في التجربة الجزائرية؟ وعرج على جوانب السؤال، منتهيًا إلى أنّ بناء الدولة الجزائرية الحديثة قد اتصل بالجدل حول هذين العاملين، واللذَين أثّرا بدوريهما في متغير الشرعية؛ وأكد الباحث ضرورة صياغة نموذج للتغيير يؤسس لتحولٍ ديمقراطي، معتمدًا بالأساس على تجاوز تلك الجدلية في إطار توافقي ونموذجٍ اقتصادي غير ريعي.

أمّا الدكتور كرار التهامي، السفير السوداني السابق، فقد قدّم ورقة بعنوان "إشكالات الانتقال في السودان: نواقص الثورة ونواقض الديمقراطية"، استعرض فيها التطور التاريخي للنموذج السياسي السوداني الذي تعثرت فيه الديمقراطية في أكثر من محاولة. وأظهر الباحث أهمية إعادة تشكيل الفاعلين السياسيين، ورفع الوعي المؤسسي والجماهيري، وتغيير بنية الأحزاب التي وصلت إلى المشهد الراهن. كما طرح التهامي فكرة ترويض الجيش ليكون جزءًا من البناء الديمقراطي، لا يحكم ولا يكون بعيدًا عن الحكم؛ وانطلاقًا من نظرية التوافق التي طرحتها ربيكا شيف، اقترح إنشاء "سلطة رادفة" إلى جانب السلطة المدنية، على أن تعملا معًا لأجل البناء الديمقراطي ودسترة ذلك.

وحول أدوار المؤسسة العسكرية الجزائرية في سياق حراك 2019، قدّم الدكتور عادل أورابح، الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية الدولية، طرحًا يرى فيه أنّ الحراك الشعبي عام 2019 قد أكد الدور المفصلي للمؤسسة العسكرية. لكن هذا الدور لم يسر على مسارٍ خطّي؛ بسبب خضوع عناصره لتقلبات تتصل بالطابع العُصبي للنظام السياسي القائم، واقتصاده الريعي، فضلًا عن عوامل أخرى تخص تكوين المؤسسة العسكرية نفسها. اهتمت الورقة ببيان اتصال الديناميات التي خضعت لها المؤسسة العسكرية في خلال الحراك بتلك التي سادت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وأوضح أورابح أنّ الاستراتيجيات التي اتّبعها العسكر قد اتسمت بطابعٍ مغاير لما دأبت عليه المؤسسة في السابق، وهو طابع السلمية والنزوع السياسي.

القوى الاجتماعية وأدوارها في تعزيز التحول الديمقراطي

في الجلسة الخامسة، التي أدارها الدكتور حامد علي، عميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا، جرى تناول الأدوار المختلفة للقوى الاجتماعية. واستهل الدكتور محمد نعيمي، أستاذ علم اجتماع التنظيمات بمعهد التنمية الاجتماعية في الرباط، بطرحٍ قارن فيه أدوار الحركات الاجتماعية في حراكَي السودان والجزائر، وكيف انعكست هذه الأدوار على مطالب الانتقال الديمقراطي في البلدين. وأكّد أنّ "تجمع المهنيين السودانيين"، قد أسهم إلى حد بعيد في انتقال الحراك في السودان من العفوية إلى الهيكلة، وفي تعبئة بقية الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة. وهو دور لوحظ غياب نظيره في التجربة الجزائرية. كذلك غاب جزائريًا وجود معارضة سياسية بنوعية تلك التي عرفها حراك السودان، ما حال دون صياغة مطالب سياسية متوافق عليها، وجعل التحول الديمقراطي متعثِّرًا.

وقدّم الدكتور حسن الساعوري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين في السودان، تحليله لتلك التحديات التي تعترض التحول الديمقراطي في مرحلة ما بعد عمر البشير، وبخاصة ما يتصل منها بدور النخب. وتساءل: إلى أي حدّ تستطيع النخب السياسية تجاوز مشكلات الانتقال مع نظام سياسي كان عسكريًا إلى نظام ديمقراطي؟ وفي معرض إجابته، أكد أنّ غياب توافق النخب السياسية أدى إلى تعثر عملية تأسيس المؤسسات الانتقالية، وهي التي يتم عبرها تحديد آليات التحول الديمقراطي، كما وقعت تجاوزات للدستور الانتقالي من الطرفين المدني والعسكري، أسفرت عن تداعيات سلبية على بناء دولة القانون، وظهور الانفلات الأمني الذي فتح بدوره المجال أمام المكون العسكري لإحكام سيطرته، وأخيرًا، كان لفرض العزل السياسي ضد بعض القوى المشاركة في الثورة، أثره السلبي، إذ مثل نقيضًا للسلوك الديمقراطي القائم على حق الجميع في المشاركة السياسية.

وقدّمت الدكتورة مشاعر الأمين الدولب، الأستاذة ورئيسة قسم دراسات المرأة والأسرة والمجتمع بمعهد السودان الإنمائي، ورقتها المعنونة "الهندسة الاجتماعية الفوقية لقضايا النساء في الفترة الانتقالية في السودان"، والتي ركّزت على قضية مشاركة النساء في الثورة في السودان في كانون الأول/ ديسمبر 2018، وما برز من قضاياهن في الوثائق المرجعية للفترة الانتقالية. وتناولت الدولب ما أسمته سياسة الهندسة الاجتماعية الفوقية لقضايا النساء، عبر تحليل الإجراءات والقرارات والتشريعات التي صدرت من المستويات الأعلى في الهرم الحكومي. وبينت أن هذه التشريعات استبقت إجراء الانتخابات، وأن أسلوب الهندسة الاجتماعية الفوقية الذي وظفته الحكومة الانتقالية في السودان قد نزع إلى إحداث تغيير ثقافي من دون الاهتمام بقضية التمثيل والمشاركة السياسية التي تمثل أحد المؤشرات المهمة في التحول الديمقراطي.

مسائل الاقتصاد في سياقات انتقالية

في الجلسة السادسة، التي اختتمت أعمال اليوم الثالث، وترأّسها الدكتور سيد قوجيلي، الأستاذ ببرنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة، طرحت العديد من المسائل المتعلقة بالاقتصاد وعلاقتها بمسارات التحول في تجربتَي السودان والجزائر.

طرح الدكتور علي إبراهيم محمد، البرلماني السوداني السابق، والباحث المتخصص في اقتصاديات التنمية، قضية المعيقات الاقتصادية التي تعترض التحول الديمقراطي في السودان. وبينت الورقة تقاطعات الجغرافيا السياسية مع اقتصاديات الفساد، وطرحت إطارًا تحليليًا لتفسير بعض مؤشرات مدركات الفساد التي ظلّت ملازمة لأداء الحكومة بعد التغيير. وأكد الباحث أن التوزيع غير المتكافئ للسلطة داخل التحالف الحاكم يشير إلى أن الاستجابات السياسية غير فعالة في مخاطبة تحدي الفساد الكبير، وتوقّع أن يظل الحال كذلك على المدى المنظور، مشددًا على أنّ الأمر في الحالات القصوى قد يمثل عقبة رئيسة أمام التحول الديمقراطي والتنمية الاقتصادية.

وفي ورقة بعنوان "الاقتصاد السياسي للانتقال الديمقراطي في الجزائر: حسابات الحقل ومآلات البيدر"، طرح الباحثان بمركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية في الجزائر، الدكتور خالد منه والأستاذ رضا بوجانة، أنّ كسر هيمنة الريع على مقدرات الاقتصاد، وإتاحة الفرصة للشباب لممارسة حقوقهم السياسية والاقتصادية قد مثّلا أبرز مطالب الحراك الشعبي الذي انطلق في سنة 2019. وأكد الباحثان أنّ تغيير المنطق الريعي الذي طبع الاقتصاد الجزائري، وتخليصه من كل الترسبات التي علقت به وخاصة الفساد والرشوة، والانفتاح الاقتصادي والسياسي، أبوابٌ مشرعة لتجاوز المعيقات التي تحول دون الانتقال المطلوب.

وفي الموضوع ذاته، على الصعيد السوداني، تناول الزاكي الحلو، المحاضر بقسم الاقتصاد في جامعة الخرطوم، الأسباب الاقتصادية لانتفاضة ديسمبر 2018. وحاول بناء سردية تفسر هشاشة الاقتصاد السوداني التي انعكست في صورة عجز الدولة عن توفير السلع المدعومة وعن التحكم في الأسعار. وأوضح أنّ الاقتصاد رافق عوامل أخرى ساهمت في هذا الغضب، وأدت في النهاية إلى الخروج إلى الشارع وإسقاط البشير، منها سياسة التمكين وتداعيات الحرب الأهلية.

وقد اختتمت كل جلسة من جلسات اليومين الثاني والثالث من المؤتمر بجولات نقاشية، شارك فيها المتدخلون من على منصة زووم، وعبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي تبثّ أعمال المؤتمر.