بدون عنوان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الأربعاء 10 نيسان/ أبريل 2013 في مكتبه التابع في بيروت ورشة عمل عن "التيارات اليساريّة والقوى القوميّة ودورها في الثورات العربيّة"، شارك فيها نخبة من الكتّاب والمفكّرين والإعلاميين ناقشوا مواقف الأحزاب والهيئات اليساريّة والقوميّة من الحوادث التي عصفت بالمنطقة في السنتين الأخيرتين.

افتتح الورشة مدير فرع بيروت الدكتور وجيه كوثراني مرحّبًا بالحضور. بعدها أوضح كوثراني مهمّات المركز ومشروعه وإصداراته من كتب ومجلّات وملفّات. كذلك شرح خطّة المركز في المرحلة المقبلة واستعداد فرع بيروت لتنظيم سلسلة ندوات وحلقات نقاش تتناول القضايا الحيويّة الراهنة على مختلف الصُعد والحقول الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والتنمويّة.

بعد كلمة الافتتاح باشرت الورشة أعمالها فقرأ وليد نويهض ورقة عنوانها "مداخل للحديث عن مواقف القوميين العرب من الربيع العربي" نيابة عن صاحبها الباحث السوري شمس الدين الكيلاني. وتناولت الدراسة عناوين مختلفة ركّزت على تشابه آليات الدولة العربيّة الحديثة في ضبط الجمهور ما أنتج تحديثًا مشوّهًا وقوض الحياة السياسيّة باسم الطليعة الثوريّة. ورأى أن الجماهير التي هبّت منذ نهاية 2010 لم تكن بحاجة إلى وساطة الطليعة الثوريّة واكتفت باستخدام وسائل الاتّصال الحديثة ما أدّى إلى نوع من الاجتماع الأهلي/المدني على ضرورة التغيير. وأعطى الكيلاني عيّنات من الكتابات والبيانات التي تكشف عن ضعف تلك القوى القوميّة وتأخّرها في التقاط تلك المتغيّرات، مشيرًا إلى أن المشترك العام للاحتجاجات العربيّة تشكّل في الإطارين الوطني والديمقراطي، ولكن طبيعة الانتفاضات اختلفت في الإطار الخاص وذلك بحسب خصوصيّة كل بلد. ورأى أن مواقف الأحزاب والقوى كانت مشتّتة وتوزّعت على أربعة توجّهات، فهناك من أيّد الثورات، وهناك من عارضها، وهناك من انتظر حتى تتبلور برامجها، وهناك من تغيّرت مواقفه بين فترة وأخرى.

ثمّ عقّب الباحث السوري جمال باروت على دراسة الكيلاني مشيرًا إلى أن مرحلة بناء الدولة العربيّة الحديثة بعد نيل الاستقلال لم تكن فترة النموذج الديمقراطي، واصفًا ما يحصل بأنّه ما يزال في طور التكوّن حتّى لو كانت المنطقة تمرّ بمرحلة التغيّر الكبرى. وقال إنّ من الصعب الآن معرفة جميع العوامل التي تحرّك الواقع، وبسبب هذا النقص في البيانات والمعلومات ستبقى القراءات تدور في إطار مداولات وتشاورات قبل أن نتوصّل إلى اليقين.

وتناول الدكتور المولدي لحمر حالة تونس في مداخلته عن "اليسار العربيّ ودوره في الثورة والتحوّل الديمقراطي" مشيرًا إلى التاريخ السياسي لتشكّل التيّارات اليساريّة في تونس ودور النقابات في احتضان المعارضة خلال العقود الأخيرة. ورأى لحمر أن اليسار التونسي يعاني تشتّتًا أيديولوجيًا وعدم توحّد الرؤية والأهداف ما أعطى فرصة للخصوم بالنجاح في انتخابات المجلس التأسيسي في تشرين الأول/أكتوبر 2011. وتوقّع لحمر أن تكون القوى اليساريّة قد استفادت من تجربتها الصعبة مع الحكومة الإسلاميّة حتى تستعدّ لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، مقسّمًا الاتّجاهات السياسيّة في تونس إلى أربع كتَل: الأولى يساريّة - ماركسيّة (الجبهة الشعبيّة)، الثانية إسلاميّة (حزب النهضة) والثالثة ديمقراطيّة وسطيّة ذات توجّهات عروبيّة (الحزب الجمهوري) والرابعة خليط من الدستوريين القدامى والمستقّلين والنقابيين (حزب نداء تونس).

وعقّب الأستاذ سليمان تقي الدين على دراسة الأحمر بمداخلة مشيرًا إلى أنّه كان يتمنّى أن يكون تحليل ظروف اليسار عشية الثورة أعمق من الحديث عن الالتباسات الناشئة عن تداخل القوى والشعارات بين المعارضات المختلفة من إسلاميين وعلمانيين. مؤكّدًا أن أزمة اليسار تكمن في إشكاليّات الهويّة والموقع والبنى التنظيميّة واختلاف الظروف الدوليّة عن فترة الحرب الباردة. معتبرًا أن اليسار يحتاج فعلًا إلى عمليّة تجديديّة واسعة.

وكانت المداخلة الثالثة والأخيرة للدكتور محمد شومان التي حملت عنوان "اليسار العربي ودوره في الثورة والتحوّل الديمقراطي" معتمدًا فيها أسلوب المقاربة بين نموذج مصر ونموذج تونس، وبعد أن قارن بين مصر وتونس والمشتركات بين المجتمعين توجّه إلى الحديث عن الاختلافات السلبيّة والإيجابيّة لدى كل طرف، منبّهًا إلى خطورة الاستقطاب الحاد بين القوّتين المدنيّة والإسلاميّة الناجمة عن الإشكاليّات التي تواجه الثورتين، مبديًا تخوّفه من استلهام النموذج الباكستاني وجرّه إلى مصر، في وقت يبدو المسار التونسي أكثر وضوحًا من المصري لجهة وجود أجندة زمنيّة لمحطّات التغيير. وانتقد شومان اليسار في مصر لأنّه التحق بالثورة متأخّرًا، مطالبًا بمراجعة الفكر اليساري والاستفادة من تجارب أميركا اللاتينيّة، معتبرًا أن اليسار يشكّل ضرورة لكون كلّ تغيير يحتاج إلى بعد اجتماعي لفهم المتحوّلات.

واختتمت الورشة أعمالها بتعليقات ونقاشات شارك فيها كلّ من ساري حنفي ودلال البزري وخالد غزال وحسن منيمنة وفهميّة شرف الدّين ومنى فيّاض ومنى سكّريّة ووليد هلال وسلامة كيلة وعصام خليفة، ما أثرى النقاش بالأفكار والملاحظات التي احتوت كثيرًا من المعلومات والتوضيحات.