بدون عنوان

الدكتور وجيه كوثراني يختتم أعمال المؤتمر

اختتمت يوم الأحد (23 شباط/ فبراير 2013) أعمال المؤتمر السنوي الأول للتاريخ: "دور التاريخ الشفوي، المفهوم والمنهج وحقول البحث في المجال العربي" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع بيروت على مدى ثلاثة أيام في فندق ريفييرا في بيروت.

في اليوم الثالث والأخير من فعاليات المؤتمر عُقدت الجلسة الأولى بعنوان "المهمشون و موضوعات أخرى" فتحدث فيها الدكتور حسين إلياس من الهند عن "ذكريات ماضي الأمة وسردياته: مهاجرون من كيرالا الى الخليج"، فاعتبر أن الأهمية الأكاديمية لشهادات المهاجرين من كيرالا في إمكان أن تشكل نسخة بديلة للتاريخ في الخليج، خاصة أن هذه الهجرات تزامنت مع مرحلة تشكل الدولة في معظم أقطار الخليج. ورأى أنه من المهم التعرف إلى انطباعات المهاجرين العاديين الوافدين من جنوب آسيا لحوادث تاريخية كثيرة، مثل تحوّل المجتمعات الخليجية في المرحلة ما بعد الكولونيالية. كما اعتبر أنه يمكن رد سرد قصص الماضي إلى جهد جماعي لإعادة سرد التاريخ بطريقة بديلة.

أما منى فياض، أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية، فقدمت بحثها عن "الحرب من خلال حكايات مراهقين في السجن: عالم الأحداث بين صقيع السجن ولهيب الحرب الاهلية" فربطت بين علم النفس والتاريخ، وكيفية الاستفادة من جميع العلوم، ذلك أن القوانين التي تحدد المشاعر والأحاسيس هي نفسها التي تحدد الأفعال، وأضافت أن المعرفة التاريخية تكمن في أنها تجعل نظرتنا إلى الماضي موضوعية.

وتحدث الدكتور الهادي غيلوفي (تونس) عن "تاريخ المهمشين: السجناء السياسيون نموذجًا"، فأشار إلى صعوبة الحصول عن شهادات من السجناء السياسيين لأن أكثرهم يخافون الحديث عن تجربتهم، مخافة العقاب مرة ثانية، وهناك منهم من رغب برواية تجربته. وذكر أن تونس تفتقد تجربة التاريخ الشفوي، وأسف لعدم كتابة تسجيلات المقاومين التي ما تزال موجودة في صناديق مقفلة في وحدة الأرشيف الوطنية الحكومية.

ولفت الى تجارب البعض في مرحلة ما بعد الثورة في كتابة سيرهم السجنية التي تعرضوا لها في عهد الرئيس الراحل بورقيبة. ورأى أنه يجب قراءة رواية السجناء بحذر لأن بعض المساجين لم يتعلموا من تجربتهم، ولم يقوموا بعملية مراجعة للذات، ومنهم من يمارس التسلط والقهر على آخرين في مرحلة ما بعد الثورة.

من أبرز التعليقات على هذه الجلسة هو ما أشار إليه شون فيلد من وجود علاقات تاريخية بين علم النفس والتاريخ، ولكن ذلك لا يعني أن يتحول المؤرخون الى معالجين نفسيين.

الجلسة الختامية لأعمال المؤتمر

أما في الجلسة الثانية فتحدث الدكتور عطوف الكبير، الخبير في تاريخ وسوسيولوجيا الهجرة، عن " تدوين التاريخ الشفوي للمهاجرين المغاربة في فرنسا"، فرأى أن  كتابة تاريخ العالم العربي والإسلامي عمومًا هي كتابة انتقائية تركز أساسًا على الشخصيات التي أُريدَ لها أن تكون بارزة كالسلاطين والأمراء والملوك والبلاطات... إلخ، متجاهلة "تاريخ المهمّشين". ومن هنا تنبع الأهمية القصوى للتاريخ الشفوي الذي يمكن به تدوين "تاريخ من لا تاريخ لهم" إذا ما توافرت الشروط الذاتية والموضوعية. وتناول تقنيات المقابلة والاستجوابات الفردية والجماعية وتسجيل أصوات الرّاوين، فضلًا عن تقنيات الملاحظة التّشاركية.

وأما الدكتور حميد الهاشمي، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة العالمية في لندن، فتناول في بحثه "الذاكرة والهجرة غير الشرعية: أساليب التهريب والتعرض للمخاطر: شهادات شفوية لمهاجرين عراقيين إلى هولندا"، فشرح أن دراسته تقوم على تدوين وعرض الشهادات والقصص غير المحكية عن الأساليب والمراحل والتكاليف الباهظة للهجرة السرية.

وقدم الدكتور محمد المريمي (تونس) بحثه عن "خطاب الأقليات الدينية الشفوي والعيش المشترك في الإيالة التونسية العثمانية"، فتتبع خطاب الأقليات الدينية الشفوي والعيش المشترك، والتاريخ المحلّي لجزيرة جربة في الجنوب الشرقي للقطر التونسي، وانتقد انتقائية المؤرخين، معتبرًا أنهم يبحثون بشكل بشكل عام في التاريخ الشفوي على أنه مكمل للتاريخ المكتوب، وليس موازيًا له.

افتتحت الجلسة الثالثة بعد ظهر الاحد تحت عنوان " الشفوية في طقوس الموت والتخليد والأولياء، الدكتورة محاسن عبد الجليل من السودان منخلال ورقتها "القتل الطقسي لرث الشلك: مقاربة تحليلية لمركزية واستمرارية الثغورات المرتبطة بالموت في الثقافة السودانية". فأشارت إلى التحولات المنهجية التي بدأت في أوروبا وأميركا مع مدرسة الحوليات، وتأثيرها على المدرسة الإفريقية في قراءة المسيرة التاريخية. وتناولت مسألة اعتماد بعض المصطلحات كمصطلح "الانطاق" و"الاستنطاق" بديلاً للبوح عن الموروث الشفوي. وذكرت إنها اعتمدت المقاربة الوجدانية للرواية الشفوية عند الذين التقت بهم، وتناولت موضوع الرث الذي هو ملك القبيلة وعلاقة أفراد القبيلة به، والأساطير المحيطة بهم. ولفتت إلى أن إحدى قبائل جنوب السودان تقتل زعيمها الروحي "الرث"، ضمن عادة تمارسها منذ 1400 سنة، وينتظر الزعيم الروحي الحالي للقبيلة دوره. وشدّدت أن القبيلة لا تزال تحتفظ بهذه العادة ضمن تماسك ثقافي واجتماعي وثيق. أما عن مكانة المرأة، فذكرت عبد الجليل إن المرأة تحظى باحترام شديد ورأيها مسموع.

أما الفلسفة الدينية لدى القبيلة فتؤدي دور ثقافة القبيلة التي تفتقر إلى الممارسة السودانية السياسية. وأوضحت عن ظاهرة القتل الطقسي واستمراريتها عند هذه القبيلة التي ترى أن الحياة ولدت من الماء، إذ أن الموت لدى الشلك رديف للحياة، وأن للميت حقوقًا وواجبات،  فهو يضطلع بدور الوسيط بين الأحياء والإله. وللميت أيضًا نصيب مادي من مهر الزوجات باعتبار أن الميت لم يمت.

وأشارت الى تاثيرات الدين الاسلامي  والمسيحي على بعض ممارسات قبيلة الشلك. واختتمت عبد الجليل بالتحديات التي تواجه الرواية الشفوية الاجتماعية منها والسياسية، وضرورة نهوض مؤسسات قادرة على الاهتمام بالتراث الشفوي.

بعدها، قدم الدكتور شوقي الدويهي من لبنان، محاضرة بعنوان "كل موت هو قتل: طقوس الموت في الريف الماروني الشمالي" تناول فيها عددًا من النقاط، مشيرًا إلىلا أن الهدف هو نقد العادات والتقاليد من جهة، ومحاولة معرفة كيفية التحوّلات التي تطرأ على النسق رمزي من جهة أخرى. فذكر  التحوّلات التي طرأت بدءًا من  هامش الطقس كغياب الندابات في المآثم. وكشف عن فرضية توصل اليها هو ان الناس عندما تحكي عن موتاها إنما تستعير ما قاله الناس عن موتاهم، أي أن ما قيل في يوسف بك كرم يقال في سواه، أي انه كلام منمّط.

وأوضح إنه لم يحظ بتفسير من رجال الدين والكهنة عن روزنامة الاحتفاء بالميت بدءًا من مرور ثلاثة أيام على الوفاة ثم الأسبوع أو ذكرى الاربعين، والسنوية الاولى.

ورأى أن هذه الروزنامة للاحتفال بالميت سبقت الأديان الثلاثة، وإن أصبحت تشكّل تراكمًا ثقافيًا واجتماعيا عند الناس.

وتلاه الدكتور صالح علواني الذي تحدث عن "سير الاولياء والصالحين (المناقب) كمصدر من مصادر التاريخ الثقافي والاجتماعي في الوسط الريفي"، فذكر أننا نعيش اليوم زمن التسارع التاريخي. فتطرّق الى مسألة حرفية المؤرخ التي تشكّل تحديًا حقيقيًا بسبب ضرورة التعامل مع المعلومة الشفوية. فذكر أن المقابلة يمكن ان تكون مفتوحة او نصف مفتوحة، مؤيدًا فكرة أن الذاكرة انتقائية وتحريضية وتبريرية بسبب خاصيتها في تخزين المعلومة.

الدكتور عبد الرحيم غانم يقدم درع جامعة القدس المفتوحة إلى الدكتور وجيه كوثراني تقديرًا لجهده في تنظيم المؤتمر

 وفي ختام هذه الجلسة، علّق الدكتور منذر جابر مشدّدًا على أن التاريخ يعيد إحياء المهمشين، وأنه لا بد من الاستفادة من هؤلاء المهمشين الذين يوجد عنهم كتب كثيرة في التاريخ العربي ككتاب البخلاء، على سبيل المثال.

وترأس الجلسة الأخيرة في اليوم الثالث للمؤتمر، الدكتور وجيه كوثراني فأشار الى مسرحة الاحداث التاريخية عند المسلمين والعرب في حالة عاشوراء أو وعند الصوفيين وأدائهم المسرحي الراقص. وتحدث الدكتور محمد سمير الخطيب عن "مسرحة الشهادات الشفوية للمهمشين، تدوين ذاكرة الثورة المصرية 28 يناير مسرحيا"، فاشار الى تعاطي المسرح مع شهادات ثم عرضها مسرحيا، لافتًا إلى أنها خضعت لتقاليد المسرح، مشيرًا الى إهمال وسائل الإعلام لبعض هذه الشهادات الشفوية. وركّز على الجانب التقني في دور الراوي أو المؤدي.

وقرأ بعض فقرات من نصوص لمسرحيات أعدّها وقدّمها في مصر عن ثورة 25 يناير . أما عن هدفه من مسرحة الروايات الشفوية فذكر أن همه يكمن في التفاعل مع المتلقي، والتوثيق الرسمي لها، و تجسيد الشهادة البصرية.

ثم تحدثت الدكتورة حنان سويد من ليبيا، عن "الطرب الحوزوي التلمساني والذاكرة التاريخية". فقالت أن هذا الطرب الحوزي هو الأكثر انتشارًا في المغرب الجزائري، وله جذور أندلسية، وتم تناقله شفويا. وشرحت أنه عبارة عن أشعار شعبية، وينقسم الى ثلاثة أقسام، في حين يكمن الاختلاف بينهم في اللهجة. فعرضت للآلات الموسيقية المستخدمة، ومضمون الطرب الحوزي وفيه مدح الطبيعة والرسول، وأوضحت أن الجمعيات الثقافيةساهمت في نشره واستمرايته، واضطلعت المهرجانات المحلية والدولية بدور مهم في الحفاظ عليه.

وختامًا علق الدكتور سيّار الجميل على مفهوم التاريخ الشفوي وقال بأن التاريخ الراهن لم يُكتب بعد، مطالبًا بالتمييز بين الأحداث الكبرى والصغرى، محدّداً هدف التاريخ الشفوي بأنه البحث عن المخفي إذ أنه ليس مجرد عملية لجمع معلومات.