بدون عنوان

الجلسة النقاشية الختامية للمؤتمر

شكلت قضية إعاقة العنف للتحوّل الديمقراطي أبرز محور للنقاشات التي شهدتها الجلسة الختامية لمؤتمر "العنف والسياسة في المجتمعات العربية المعاصرة" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى يومين في تونس. وأشّرت التدخلات على استخدام الأنظمة العربية العنف لقمع توق المجتمعات العربية للتغيير ولوأد الثورات العربية، مثلما أعاق جنوح جماعات إسلامية مسلحة التحوّل الديمقراطي أيضا في تونس مثلا وفي ليبيا وغيرها من الدول العربية. وأكد العديد من المشاركين على ضرورة توافق القوى السياسية والتيارات المختلفة على آليات لإبقاء التنافس السياسي في نطاق سلمي.

مهدي مبروك يدير النقاش في الجلسة الختامية للمؤتمر

أشرف الدكتور مهدي مبروك مدير فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس على إدارة النقاش في الجلسة الختامية. وتساءل الدكتور مبروك: كيف يمكن تجاوز موجة العنف التي سادت بعض المجتمعات العربية في الفترة الأخيرة وما شروط ذلك؟ وهل من حاجة إلى عنف الدولة وضرورة قيام دولة عنيفة نسبيا لتحقيق ما يمكن تسميته بحد أدنى من الاستقرار المجتمعي؟

وأكد عدد من المتدخلين على أن ثمة نوعًا من المغالاة في الحديث عن العنف في المجتمعات العربية وأن منسوب العنف وأشكاله تبقى في مستويات عادية باستثناء ذلك العنف الذي ارتبط بالجماعات الجهادية وجماعات العنف السياسي. وأشار بعض المتدخلين إلى أن أحزابًا سياسية في أكثر من دولة عربية استغلت العنف ووظفته لتخويف عامة المجتمع ودفعها إكراها لتبني أفكارها ورؤاها.

وشدد مشاركون على أهمية التنشئة على الأمن الإنساني والاجتماعي وترسيخ ذلك منذ مرحلة التنشئة الأولى للطفل، ولما لا إدراج ثقافة اللاعنف ضمن البرامج والمناهج الدراسية وذلك بهدف سد الطريق أمام بروز تربة خصبة وملائمة لنمو ثقافة العنف في المجتمع العربي.

ورأى أحد المشاركين أن التحوّل الديمقراطي الجاري في بعض المجتمعات والدول العربية هو بداياته ولما ينضج بعد، وأن دخول المؤسسة العسكرية على خط الحياة السياسية في بعض الدول العربية يهدد هذا التحوّل ويذكي منسوب العنف.

وقال الدكتور شمس الدين الكيلاني إن قضية تنامي العنف في المجتمعات العربية ارتبطت باستبداد أنظمة متسلطة تسببت في تفكك المجتمع، ففي سورية مثلا وبمجرد انزياح طفيف لإحكام المخابرات سيطرتها بدأت "تقرحات" وانشقاقات المجتمع التي تسبب فيها استبداد النظام في الظهور.

ومن جانبه، قدم الباحث التونسي فرج معتوق مداخلة في جلسة النقاش ضمنها قراءة لمسار الثورة التونسية وكيف ظل مستوى العنف فيها محدودًا إلى غاية ما بعد انهيار نظام زين العابدين بن علي، ثم ظهر العنف الدموي في ظل صراع سياسي تنافسي حاد بين مختلف القوى السياسية.

ورأى الباحث التونسي نور الدين علوي أن لجوء الأطراف السياسية إلى العنف بشتى مستوياته وأنواعه إنما هو ركون لأسهل الحلول بدل خوض نقاش فعلي ومضن لإعادة بناء قاعدة متينة لفهمها للديمقراطية والتوافق مع الآخر.

إحدى جلسات المؤتمر

وكانت أعمال المؤتمر تواصلت في يومه الثاني (الأحد 13 أيلول / سبتمبر 2015) بجلسات خصصت لمواضيع: "ثقافة العنف" و"التسامح مقابل العنف" و"العنف السياسي في اللغة والخطاب" و"العنف في وسائل التواصل الاجتماعي".

وقد تحدث في جلسة "ثقافة العنف" الباحث رشيد شريت من المغرب عن الحالة المغربية التي يرى أنها فريدة من نوعها نتيجة خصوصيتها في كونها فسيفساء فريدة من العنف الشامل الذي اشتركت فيه جميع الأطراف من دون استثناء من نظام وأحزاب وفصائل يسار ويمين وإسلاميين، وقال إن العنف الثوري والمضاد تحوّل من مجرد مناورة وتكتيك إلى لغة سياسة قائمة الأركان. وأضاف أن العنف الموجود في المغرب هو العنف السياسي الناعم وهو عنف الدولة المتمثل في الترويض والاستيعاب والاحتواء، أي أنه عنف من أجل ترويض الفاعل الاجتماعي للآخر منافسا كيفما كان.

وقدم الدكتور محمد صالح مولى مداخلة بعنوان" ثقافة النحر وحِرْفة قطع الرؤوس.. أيّ معقوليّة؟ مقاربة تحليلية نقديّة". وسلط خلالها الضوء على السياقات والمسارات التي تتحرك فيها الظاهرة وحاول تفسيرها وقال إن القضاء على العنف نهائيا امر غير ممكن وغير متوقع فكل الدلائل الثقافية والتاريخية والسياسية توفر باستمرار ما يفيد أن العنف ليس ظاهرة عابرة أو سلوكا منحرفا يمكن تصويبه بيسر وإنما هو لصيق بالإنسان ولا يمكن إلا عقلنته وذلك بتحويل مجراه والتقليل من ضحاياه.

وقد سلّط المتحدثون في اليوم الأول للمؤتمر الضوء على أبرز العوامل البنيوية المؤججة للعنف في المجتمعات العربية المعاصرة. وأشار المشاركون إلى تأثير عوامل استبداد الأنظمة وعجزها عن تحقيق العدالة الاجتماعية وكذا فشلها في إقامة تنمية اقتصادية ولجوئها إلى العنف من أجل السيطرة على الحنق الشعبي من فشلها وفسادها واستبدادها. وأبرزت أوراق المشاركين البحثية أيضًا لجوء جماعات وقطاعات من المجتمعات العربية إلى العنف أداةً لمواجهة الأنظمة المتسلطة الفاسدة، سواء من منطلقات أيديولوجية مثلما هي الحال مع الجماعات الإسلامية، أو بسبب غياب أيّ أفق للتغيير السلمي وانسداد قنوات الاحتجاج غير العنيف.