بدون عنوان

افتتح المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات ، صباح اليوم الثلاثاء في الدوحة، أعمال مؤتمر الثورات والإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي: من خلال الثورة التونسية، واستهل المؤتمر بمداخلة قدمها مدير عام المركز د. عزمي بشارة عنوانها العربي والتونسي في الثورة التونسية، بحثت في أسباب نشوء الثورات العربية، ووسائل الإصلاح والتحول إلى النظام الديمقراطي، مشيرا ً إلى أن نجاح التحول إلى الديمقراطية الواعية في البلدين سيؤثر في عدة بلدان عربية ويحدّد مصيرها.

وقال د. عزمي بشارة إنّ الحالة التونسية تمثل حالة مخبرية لفهم تطورات الأحداث في العالم العربي، لافتا إلى أهمية إصدارها في كتاب علمي يستفيد منه الباحثون و القرّاء العرب لفهم أسباب قيام الثورات في العالم العربي رغم صعوبة التأريخ المدوّن لأحداث مرّ عليها وقت قصير.

وأوضح بشارة أن التحليل والفهم النخبوي والأكاديمي الملقى على عاتق التونسيين في هذه المرحلة، يمكن أن يتمحور حول ضرورة استيعاب التحول الكبير في العالم العربي، وساد ،في بداية الثورة التونسية، اعتقاد أن ما جرى خصوصية تونسية وليس عربية مردّها نزعة تربط تونس بأوروبا وبتطور المجتمع المدني في ذلك البلد.  لكن بشارة أكّد أنّ ما جرى في تونس متّصل موضوعيا بالعالم العربي عموما، وأن هناك  نهاية مرحلة في المنطقة كانت قد تمت وبدأنا مرحلة جديدة من دون استيضاح عناصرها، ولم يكن هناك تنبؤ علمي واضح بما سيحدث بعد انسداد الأفق الذي ميز النظم السياسية في العالم العربي، وأشار بشارة إلى أن عفوية الثورات مسألة تاريخية دائمة ، وهي بذلك لا يمكن التنبؤ بزمن حدوثها.

وشدد بشارة على أنّ ما جرى في تونس و في مصر وفي بلدان عربية أخرى يدلّ على القاسم المشترَك في الوطن العربي، أمّا الاختلاف فيكمن في التفاصيل الثانوية فقط، لكنه قال إنّ الحالة التونسية تمثّل حالة دولة مركزية ممتدة رغم تغيرات في تطابق تاريخها و جغرافيتها ، والتحديث الذي خضعت له في عهديْ بورقيبة وبن علي وفصل مؤسّسات المجتمع الأهلي عن مؤسسات الدولة الحكومية، ووضوح الأشكال والأدوار سمح بالفصل بين الدولة ونظام الحكم، خاصة عندما يتصرف الجيش ممثلاً للدولة وليس للنظام أو لسلطة الفرد أو للأسرة الحاكمة وهذه تعدّ خصوصية تونسية بامتياز وفي مصر أيضا حيث كان هناك فصل بين الدولة والنظام.

 ورفض بشارة استنساخ تجربتيْ البلدين في باقي الدول العربية، فليس هناك تجانس مجتمعي يسمح بتكرار  حالتي تونس ومصر لأنه ليس هناك فصل مؤسسي واضح في كل دولة عربية ، لكنه استدرك بالقول إن التشابه البنيوي في الأنظمة العربية في فترة الانسداد، وتبلور حالة التسلط الطويل المدى في شكل أسر حاكمة، وهي مسألة ليست عربية، بل موجودة في دول أخرى في العالم الثالث كحالة كوريا الشمالية، لكنها تعد سمة مشتركة في الدول العربية، وساهمت في تكوين دافع مشترك للقيام بالثورة.

 وقال بشارة إن الاعتماد على العصبيات وروابط الدم لضمان الولاءات في الجمهوريات العربية، كان سببه الاستبداد، وبدأت بوادرها في عصر السادات على سبيل المثال، وأضاف بشارة أن صفة أخرى مشتركة بين الأنظمة العربية، تتمثل في قيام قادة الأمن بأدوار سياسية، وهذه من صفات الانحلال السياسي الذي كان مشتركا بين عدد من الأنظمة العربية، موضِّحا أن "ما كان يجري في الظلام بدأ يجري في العلن ويفاخر به. وقد ترافق ذلك مع فساد علني أصبح يوصف بأنه نجاح".

وأضاف بشارة أنه من الصفات المشتركة بين الأنظمة العربية صعود طبقة رجال أعمال جدد لم يأتوا من رحم الطبقة البرجوازية، بل عبْر التقرب إلى الحاكم والارتباط العضوي به. واسترشد بشارة في ذلك بظاهرة قديمة فسّرها ابن خلدون بأنها "تحوّل المراءة إلى جاه والجاه إلى مال".

ولفت بشارة إلى أن المواطن العربي في العقدين الماضيين ،وبوجود ظاهرة الفضاءات المفتوحة ،تشكّل عنده وعي مشترك يرفض الفساد والتزاوج بين رجال الأعمال والحكام، ما وحّد الحالة العربية الرافضة لهذه النّظم. كما لفت إلى أن عفوية الثورات العربية و شعبيتها بلا قيادة واضحة سببه نشوء ظاهرة تأبيد المعارضة وإضعافها، أي أن القوى المعارضة التقليدية أصبحت بسبب ملاحقتها الأمنية والتضييق الأمني وفصلها عن المجتمع، جزءا من النظام العام أو مكملا للشكل العام للنظام السياسي. وهذا أثار سؤالا عمّن سيقود التغيير أو من البديل للحاكم الحالي؟ وهذه الحالة كانت في معظم البلدان العربية.

ورأى بشارة أن مؤتمر الثورات والإصلاح والتحول الديمقراطي في الوطن العربي، سيبحث في الدور التقدمي الذي تلعبه البنى التقليدية في المجتمع العربي كالجماعة الأهلية والعائلات في الأقاليم والنواحي بأن تقود شرارة الانتفاضة الاجتماعية أو الثورة، وهذا ما حدث في تونس بالنسبة إلى دور عائلة محمد

بو عزيزي حيث خرجت العائلة مطالبة بحق ابنها، وفي درعا بسوريا عندما احتجّت العائلات على تنكيل الأمن بأطفالها الذين قلدوا ما شاهدوه في القنوات التلفزيونية عن الثورات العربية.

وأوضح بشارة أن انتحار شخص أو عدة أشخاص لن يقود إلى ثورة، وأن الانسداد والشمولية هما اللذان خلقا الحالة الثورية أي أن الحاكم لا يستطيع الاستمرار بآليات الحكم التقليدية ولا المحكوم عاد قادرا على احتمال أدوات هذه السلطة.

وشدد بشارة على التشابه بين تونس ومصر في ما بعد الثورة، من ناحية التحول إلى الديمقراطية تدريجيا لأن الثورات لا تقود إلى ديمقراطية جاهزة، مشِيدا بالثورتين ودورهما في تشكيل وعي ديمقراطي سيقرر مصير دول عربية عدة، لأنّ نجاح الديمقراطية في البلدين سيؤثر في عدة دول عربية أخرى و في توجّهات أنظمة عربية قائمة.

كما أكّد بشارة أن الاعتصام في الساحات قد لا يؤدّي إلى إسقاط نظام، مشيرا إلى أن استنساخ التجربتين بشكل غير واعٍ  قد يؤدي إلى كوارث وخيبات. مشدّدا أنّ هناك اختلافات بين البلدان العربية وبين المشرق العربي ومغربه ، خاصة في مسألة التجانس، حيث أن المشرق العربي متنوّع طائفيا وغير متجانس والاستعمار كان له دور كبير في تكوين الأقليات، بعكس المغرب العربي الذي يبدو أكثر تجانسا رغم وجود العرب والأمازيغ.

وقال بشارة إنّ الصدام مع النظام يخلق شرخا في المجتمع إذا ما كان هناك جزء من المجتمع مرتبطا مصلحيا أو بنيويا مع النظام. وأكّد أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار بالتمايزات في داخل كلّ مجتمع عربي لفهم الثورات العربية وفرص التغيير في كل بلد عربي على حدة.

وأشار إلى أن الثورة لا تنقل الشعب دائما من الحالة المجازية إلى المادية الفعلية كحالة مصر، وأضاف أنّ الثورة الشعبية قوة لا يمكن ردّها كما حصل في تونس ومصر، رافضا اعتبار أنّ ما جرى لاحقا في ليبيا واليمن وسوريا من التخويف بنشوب حرب أهلية سيكون كافيا لإقناع الشّعب بقبول البقاء تحت ظلّ الحكم الاستبدادي.

وعن الخيارات المطروحة رأى بشارة إمّا أن تبدأ الأنظمة العربية في الإصلاح أو تجبر عليه ، مشيرا إلى أن حالة الثورة في المشرق العربي لا يمكن أن تقبل في الأنظمة الحالية رغم أنها مهدّدة بالفتنة العشائرية أو الطائفية، واعتبر أنّ البديل الحقيقي في المشرق العربي هو ضرورة الإصلاح و حتميته.

 كما طرح بشارة عدة أسئلة عن مستقبل الدول التي أسقطت أنظمتها بشأن الوعي في القضايا العربية عموما والفلسطينية على وجه الخصوص وعن القضايا التي يؤمن بها الشباب الذي قاد الثورة.

وكان ترأس الجلسة الافتتاحية للمؤتمر رئيس برنامج الرأي العام في المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات

 د. فارس بريزات، والذي رحّب بجميع المشاركين في التظاهرة المعرفية والأكاديمية الأولى من نوعها في العالم العربي التي خُصّصت  للبحث في الثورات العربية، فقد أكّد أنّ ما يجري في العالم العربي حاليا يفرض على الأنظمة العربية مساريْن لا ثالثَ لهما، وهو إيجاد ديمقراطية حقيقية في الجمهوريات والثاني ملكيات دستورية في الأنظمة الوراثية، مشيرا إلى أهمية هذه الثورات في إحياء الشعور القومي العربي وفي توحّده ضدّ التسلّط والاستبداد.

وتستمرّ فعاليات المؤتمر على مدار ثلاثة أيام في فندق انتركونتننتال والنادي الدبلوماسي، وتتناول أربعة محاور رئيسة عن الثورة التونسية من خلال 20 ورقة بحثية تبحث في  الأسباب والخلفيات والمحور الثاني عن نجاح الثورة والثالث سيبحث في تحديات الانتقال الديمقراطي، والمحور الرابع عن تفاعلات الثورة عربياً، فيما سيخصّص اليوم الأخير الخميس 21 أبريل / نيسان لاستعراض شهادات حيّة لمشاركين في ثورتيْ تونس ومصر والتعرف على رؤى أمناء أحزاب في تونس عن المسار الديمقراطي لبلدهم بعد سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي.