بدون عنوان

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع بيروت، ندوة تحيةً للمفكر الراحل مطاع صفدي (1929-2016)، وذلك يوم الثلاثاء 19/7/2016، في قاعة مكتبة الشبكة العربية للنشر والتوزيع الكائنة في الطابق الأرضي من مبنى المركز.

جانب من الندوة

شارك في الندوة الدكتور جورج زيناتي والدكتور جورج معلوف والباحث ربيع شلهوب، وأدارها الدكتور خالد زيادة، مدير فرع بيروت. وحضرها نخبةٌ من المهتمين.

عدّ زيادة صفدي من رعيل مثقفي القومية العربية ومفكريها في خمسينيات القرن الماضي وستينياته؛ أنشأ في بيروت مركزًا للأبحاث والنشر والترجمة وأصدر مجلاتٍ فكرية. ورأى زيادة أنّ هذا اللقاء "مناسبة لنحييَ ذكرى أحد أبرز المفكرين العرب المعاصرين الذي امتد عطاؤه الفكري على مسافة ستة عقود من الزمن تقريبًا، خاض خلالها في الأدب والسياسة والفكر والفلسفة".

من جهته، قال الباحث وأستاذ الفلسفة والمترجم جورج زيناتي الذي عايش صفدي وعمل معه منذ وجودهما في فرنسا، إنّ الراحل "لم يكن يقبل بالأمور السهلة، وكان يرفض نقد الفلسفة الغربية بطريقة الشتم لأنه أسلوب لا يفيد ولا يجدي". أمّا "التجمد في الماضي فيؤدي – عند صفدي - إلى حرمان الشباب من لعب أدوارهم"، قائلًا إنّ "الفلسفة الغربية هي أساس، لكن انطلاقًا من مبدأ أن ندخلها كي نرى ما فيها من عنف". وهذا ما جعل المفكر الراحل في موقع التحدّي والنقد للفلسفة والفكر الغربيَين، انطلاقًا من أنّ العنف لا يزال يشكّل العمود الفقري لكلّ تاريخ الغرب المعاصر.

وتابع زيناتي: صفدي "كان طموحًا وحمل هموم الأمة العربية ودافع عن قضاياها". وفي اكتشافه الحضارة الغربية والفكر الغربي معينًا للترجمة والقراءة والنقد، "رأى أنّها في مرحلة ما بعد الحداثة تعيش فوضى كاملة، وأنّ الغرب لم يضع في أولوياته حرية الآخرين، ولا العدالة للجميع، وأن تكون البشرية منطلقة كلّها في مسيرة الفرح".

وتحدّث الباحث وأستاذ الفلسفة الألمانية في الجامعة اللبنانية جورج معلوف عن صفدي بصفته فيلسوف التفكيك والبناء، عارضًا التوجهات الفكرية التي تبنّاها ووقف في حياته لخدمة الكلمة الحرة، وحمل في داخله ثورةً عارمة. فهو اكتشف باكرًا مواطن التصدع والانحلال في الجسد العربي، فاستخدم ثقافته الواسعة لهدم المحرمات، والتفكيك من منطلق إعادة النظر في المسلّمات بدلًا من أن يمارس التدمير.

برأي معلوف أيضًا، كان صفدي فيلسوفًا تحاشى التملّق، وكان يرتاب من المسلّمات، واتخذ النقد سبيلًا، إذ كان يرى أنّه لولا النقد لذهبت الشعوب ضحية الوهم والغرور. وكان يرى أيضًا أنّ الغرب تفوّق لأنّه اقتنع بأنّ مسيرة التاريخ هي مسيرة تجاوزية، بحيث استحوذ الفكر النقدي على تفكيره، فسعى إلى رفد العالم المشرقي بهذا الفكر.

عدد من كتب المفكر الراحل مطاع الصفدي

وعن الحداثة في فكر صفدي قال معلوف إنّه كان يرى أنّ الغرب يعيش حداثة دائمة، وأنّه لا يتورع عن نقد ذاته، كما أنّ هذا الغرب لا يركن إلى منظومة اجتماعية إلّا وأعمل النقد فيها. فالغرب لا يستسلم للغرور بحسب رأيه، ولا يغرق في منتوجاته. وإذا كان العقل الغربي السبّاق في نشر الأيديولوجيا، فإنّه كان من أبرز مدمّريها.

ويرى معلوف أيضًا أنّ صفدي عدّ العقل الغربي متفردًا في مسألة القطيعة مع الواحد اللاهوتي، وهو ما لم ينجح فيه الفكر العربي إلى اليوم. لكن العقل الغربي تفرّد أيضًا في نفي الآخر. وهنا تكمن قراءة صفدي الثانية للفكر الغربي الذي رأى أنّه لم ينجح في إقامة علاقة سوية مع الآخر. وبحسب معلوف، ركّز صفدي على أنّ لدى الغرب أخلاقياتٍ هائلة، لكن تعتورها مواطن ضعف، مشيرًا إلى أنّ العالم العربي لا يزال ساحة للفتوحات العلمية الغربية وصراعاته. وكان صفدي يرى أنّه ما لم تتوافر للفكر العربي لغة النقد وتخطّي الموروث ووضع حدٍ للواحد اللاهوتي، سيبقى العالم في ظل "الغربنة" و"الأمركة"، ويتنقّل من غربة إلى أخرى. لكن صفدي كان ينتقد غياب الأسئلة في الخطاب العربي الذي يتبع أجوبة جاهزة ويقينية ومسبقة. 

وعن المقدس والدنيوي في الفكر العربي، رأى صفدي أنّ المقدس هو المغيوب (أو الغيب) السماوي الذي صار أرضيًا يمسك بالجوامع والكنائس. وكان صفدي يرفض العقائد الكليانية والأديان، كما نقد المعرفة التسلطية، وحرمان الغرب العالمَ العربي من الديمقراطية.

أخيرًا، استنتج معلوف أنّ صفدي ناضل من أجل ترقية الفكر العربي، وحاور الفكر الغربي ولم ينصع له، وكان يردد أنّ الغرب لم يستخدم المعرفة للمعرفة، ومن هنا، خرج عن النمط اليوناني، بل عمد إلى السيطرة وسحق الآخر.

أمّا ربيع شلهوب، الباحث في معهد الإنماء والمشتغل مع صفدي عن قرب والمرشح للدكتوراه في الفلسفة، فقد قدّم قراءة فلسفية منهجية في فكر صفدي وفي مؤلفاته ومراحل تحولاته الزمنية. في المرحلة الأولى كان فكره متصلًا بالواقع ومنخرطًا في التنظير للفكر العربي البعثي والناصري. فنشر في هذه المرحلة مؤلفاتٍ عدة، متأثرًا بخليط من الفكر القومي والأدب الوجودي والفلسفة الوجودية في الخمسينيات والستينيات. ومن كتبه في تلك المرحلة فلسفة القلق، والثورة في التجربة، ودراسات في الفلسفة الوجودية.

أمّا المرحلة الثانية فبدأت عنده في ثمانينيات القرن الماضي. وهي مرحلة "الفكر المحض" التي عمل فيها على مشروعه في نقد العقل الغربي. وعرض شلهوب الرؤية الفلسفية عند صفدي، والسياق الإشكالي في تفكيره وفلسفته، وفي نظرته إلى الفكر الغربي، بوصفه الفكر المحض. وقدّم الباحث في كلمته تحليلًا لبعض كتابات صفدي. ولفت إلى أنّ صفدي رأى أنّ الفكر العربي لم يقم إلّا "بالتأسيس بالمختلق وليس بالمختلف"، وكان يقيم "تمييزًا حادًا بين الهوية كمطلب أنطولوجي والهوية كمطلب أيديولوجي". كما أنّه كان من دعاة الانخراط في الفلسفة الكونية، والفصل الكامل بين الأسئلة المرتبطة بالوجود والتنظير.

وختم شلهوب بالإشارة إلى غيابٍ شبه كامل للدراسات في العالم العربي عن فكر صفدي. وأشار أيضًا إلى الصعوبات الداخلية في متن نصوصه. وفي نهاية اللقاء، عُرضت مجموعة من مؤلفات صفدي الفكرية، ووُزّعت مجانًا؛ منها: ماذا يعني أن نفكر اليوم، والفلسفة براءة السيرورة، ونقد الشر المحض، ونقد العقل الغربي.