بدون عنوان

قدم الباحثون المشاركون في جلسات اليوم الأخير من مؤتمر "العرب والكرد: المصالح والمخاوف والمشتركات" الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة على مدى ثلاثة أيام، تقييمًا للعلاقة السياسية بين الأقاليم الكردية والسلطة المركزية في كلٍّ من العراق وسورية بين الفدرالية واللامركزية والحكم الذاتي، كما تناولت إحدى الجلسات صورة الآخر في العلاقات العربية الكردية، في حين حاولت الأوراق المقدمة في الجلسة الأخيرة استشراف مستقبل العلاقات بين العرب والكرد في العراق.

 

الآخر في المتخيل العربي-الكردي: قبول اجتماعي ورفض سياسي

خلصت دراسة ميدانية أنجزها الباحثان خالد حنتوش ساجت ومحمد حسين الشواني عن "صورة الآخر في المتخيّل الجمعي: العرب والكرد في العراق" إلى أنّ الشؤون الاجتماعية في المجال العامّ بين القوميتين؛ كالزواج المختلط قوميًّا، والتجاور، والمشاركة الاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية الأخرى، إضافةً إلى بعض القضايا السياسية، كانت عنصر جمْعٍ بين القوميتين. ومن ثمّ، تتقبّل الأكثريةُ المشاركة في تلك الشؤون، في حين شكّل أكثر القضايا السياسية نقطة افتراق بينهما؛ ما يدلّ على أنّ السياسة تؤدّي الدور الأكبر في إفساد العلاقات والروابط بين القوميتين، وهو ما يتفق مع ما ذكرناه في الإطار النظري للدراسة.

وفي سياق متصل؛ حاول الباحثان إبراهيم سعيد فتح الله وابتسام إسماعيل قادر حصر الصورة التي تقدمها المواقع الإلكترونية للقنوات الإخبارية العربية عن واقع الكرد في العراق. وألقى الباحث يحيى عمر ريشاوي نظرة على اتجاهات النخبة الكردية نحو الخطاب الإعلامي العربي.

أما الباحث شاهو سعيد فتح الله فقد قدّمَ ورقة متميزة بتناولها علاقةَ الكرد بالعرب وباللغة العربية عبر تجربة شاعرين من أصول كردية، ينتميان إلى زمنين مختلفين؛ أحدهما شهاب الدين السهروردي والآخر سليم بركات؛ إذ يغتربان اغترابًا مضاعفًا عن موطنهما، وعن اللغة الأولى التي ألِفَاها، ويلجآن إلى اللغة العربية موطنًا يقيمان فيه شعريًّا، ومنفًى يتيهان في تلابيبه. ومعلوم من سيرتهما أنّ البيئة التي قَضَيا فيها بداية حياتهما لم تَسَعْ تساؤلاتهما، ولا التعبير الفلسفي والجمالي عنها، فقرّرا القيام بتجريب رحلة حقيقية إلى الشام، ليواجها ما يواجهانه من أحداث دراماتيكية؛ ورحلة مجازية إلى فضاء اللغة العربية التي سوف تصبح حاضنتهما الأبدية لاستنطاق أسئلتهما الفكرية وإبداعاتهما الأدبية.


كرد العراق وأسئلة المستقبل

خُصِّصَت الجلسة الثانية عشرة والأخيرة من أعمال مؤتمر "العرب والكرد" لاستشراف المستقبل السياسي لإقليم كردستان العراق. وتحدث الباحث هشام داود عن خيارَيِ الدولة الفدرالية (أو الكونفدرالية) والانفصال المطروحَيْن في النطاق الداخلي الكردي. وذكر أن أغلبيّة القوى السياسية والاجتماعية الكردية في العراق، طالبت منذ سنوات، بإعادة تكوين الدولة العراقية على أساس فدرالي. وبحسب الخطاب الكردي، لا تعني الفدرالية، تقاسم الإدارة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقط، بل إنّها تعني تقاسم السيادة والسلطات أيضًا. وأوضح أنّ دعوة الكرد إلى الفدرالية مبنية حصرًا على أساس خصوصيتهم القومية–الإثنية؛ أيْ أنْ يتولوا إدارة المناطق التي يعتقدون أنهم يشكّلون فيها – تاريخيًا - أغلبيةً سكانيةً. وتعود مطالبة الكرد بدولة فدرالية إلى عام 1992. وفي البداية، لم يشاطر هذا المطلب إلا عدد محدودٌ جدًّا من القوى السياسية العراقية، وبخاصة اليسارية والليبرالية خارج البلد. ولكنّ أصحاب التيار الليبرالي اختلفوا مع الطرح القومي الكردي؛ لأنهم يدعون إلى فدرالية جغرافية. وفي المقابل، بقي العديد من القوى الإسلامية الشيعية المعارضة لنظام صدام حسين، في ذلك الوقت، مرنًا في التعاطي مع مطالب الكرد، من دون أن يقدّم أجوبةً حاسمةً. أمّا سُنّة العراق، فهم منقسمون بين إرثهم الثقافي نحو دولة مركزية يرونها أساس التحديث العراقي منذ قرنٍ، وتيار "أقلّوي" يرى أنّ المرحلة المقبلة لا يمكنها أن تضمن حقوقهم إلّا عبْر تفكيك سلطة الدولة؛ على أساس مناطقي/ مذهبي، وبضمانة إقليمية ودولية.

وخلص إلى أنّ الوضع العراقي ما بعد عام 2003 عجز عن استحداث فضاء جماعي تتقاسمه الأغلبية. وقد خلق غياب مؤسسات الدولة عن نسيج اجتماعي مبنيّ تاريخيًا وثقافيًا على أساس الولاء لها، بوصفها قاعدةً جامعةً، استقطابًا أشدّ حدةً ممّا مضى، تكرّس من جديد على أساس الولاءات الأولية: الطائفية، والإثنية، وولاءات العشيرة، بل حتى ولاءات المحلّة.

من جهته؛ يرى الباحث باسل حسين الذي قدم ورقة بعنوان "مستقبل العلاقات بين المركز والإقليم: دراسة في سيناريو استقلال إقليم كردستان" أن سقف التوقعات لدى طائفة كبيرة من القيادات الكردية، فضلًا عن جمهور واسع في إقليم كردستان يدفع إلى تبني خيار الاستقلال، بيد أنّ هذا السيناريو ما زال يواجه عقبات داخليةً وإقليميةً ودوليةً. وبناءً على لذلك، فإنّ الإقليم سيبحث بالضرورة عن خيارات وبدائل أخرى؛ إمّا بالذهاب إلى الاتحاد الكونفدرالي، أو محاولة الحصول على وضع أفضل في إطار الدولة الفدرالية، على نحوٍ يحقق له مزيدًا من المكاسب.

وناقش الباحث رشيد عمارة الزيدي احتمالات الصراع والتوافق بين العرب والكرد في العراق. وقال إن مستقبل العلاقات العربية الكردية في العراق بعد التغيرات التي حدثت منذ عام 2003، يواجه خيارين؛ أولهما تصادمي غير سلمي؛ سواء كان ذلك مع بقاء الأكراد ضمن الدولة العراقية أو استقلالهم عنها. أمّا الخيار الثاني فهو الخيار السلمي القائم على الحوار العربي-الكردي في العراق، باحتمالاته المتجسدة في إقامة الدولة الكردية، وحلّ جميع الإشكاليات، والاتفاق عليها سلميًّا، أو بقاء الكرد إقليميًا ضمن الدولة العراقية؛ يحكمهم الدستور والاتفاق السياسي الذي يضمن حقوق كلّ طرف. ومثل هذا الأمر سيُفضي إلى توطيد العلاقات العربية-الكردية وتطورها في مختلف المجالات. والواقع أن الاحتمال التصادمي أقرب في الوضع الراهن، بسبب التوتر القائم بين السلطة المركزية وحكومة إقليم كردستان، وبالنظر أيضًا إلى المعطيات المحلية والإقليمية والدولية في المنطقة.