بدون عنوان

إحدى جلسات اليوم الثاني من المؤتمر

تواصلت أعمال المؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث العربية الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة من 7 إلى 9 كانون الأول / ديسمبر 2013. وناقشت جلسات اليوم الثاني قضايا الهوية الفلسطينية ومحاولات والسياسات الإسرائيلية طمسها؛ ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني والأطر التمثيلية، وتحولات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته السياسية.
 

لا أمل في تغيير إسرائيل من الداخل

في جلسة أولى جرت في مسارين تحت عنوان "الكولونيالية الإسرائيلية وسياساتها"، ترأَّست المسار الأوّل سارة عبابنة. وتناول الباحث إيلان بابيه في مداخلة عنوانها "النضال والأكاديميا: فلسطين نموذجًا"، صعود النقد الأكاديمي والثقافي للصهيونية وسقوطه في داخل المجتمع اليهودي في إسرائيل. ويرى الباحث أنّه على الرغم من نقد المثقفين الإسرائيليين الشديد سياسات الدولة الداخلية والاجتماعية بعد حرب أكتوبر 1973، استعاد المثقفون والأكاديميون الصهاينة الحيّز العامّ، وتبنَّوا نسخة أكثر تشددًا في الصهيونية. ويخلص الباحث إلى أنّ هناك فرصة ضئيلة جدًّا للتغيير من داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي من دون ضغطٍ شديد من الخارج.

وتحدّث الباحث إمطانس شحادة عن "الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية 2013: تغيرات حزبية وسياسية تحت سقف توافق صهيوني متجدّد". ورأى أنّ نتائج الانتخابات تُبرز نموّ توافق سياسي نيو – صهيوني في مسألة هويّة دولة إسرائيل ووظيفتها وسياساتها تجاه الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطين. أمّا التصدّع الجديد الذي برز في السنوات الأخيرة بخاصّة بعد حركة الاحتجاج الاقتصادي والاجتماعي في عام 2011، فهو يتمحور حول رفض الطبقات الوسطى استمرار تحمّل عبء الخدمة الأمنيّة والاقتصادية في المجتمع الإسرائيلي.


تهويد فلسطين خطر واقع

خلصت أوراق جلسة المسار الثاني في موضوع "الكولونيالية الإسرائيلية وسياساتها" إلى أنّ تهويد فلسطين خطر واقع. وقد كان الجديد في هذا الإطار هو البعد العلمي والمنهجي للنتائج التي توصّل إليها أربعة أكاديميين عرب؛ إذ تبدو بعض تفاصيل العروض العلمية مرعبة بالفعل؛ ففي عرضه، أشار الدكتور هشام المغاري إلى السياسات الإسرائيلية التهويدية التي اجتاحت المجتمع الفلسطيني في القدس، وهو اجتياح يستهدف وجدان الإنسان الفلسطيني وثقافته وذاكرته.

الحقيقة نفسها أكّدتها دراسة أنجزها الدكتور غازي فلاح؛ بأنّ هدف إسرائيل هو تأسيس دولة يهودية واحدة تفرض فيها واقعًا معيّنًا على الفلسطينيين، وقد مهّدت لذلك بسياسات استئصالية موجَّهة ضدّ الهويّة الفلسطينية، وذلك انطلاقًا من مشاريع محو الذاكرة وتحريف التاريخ والواقع.

ومن زاوية نظر أكثر دقة وتفصيلًا، حاول الباحث خليل التفكجي استعراض بيانات التهويد الإسرائيلي ومعطياته على الأرض؛ وذلك من خلال خرائط تكشف سعي إسرائيل الحثيث لإفراغ اتفاقاتها الدولية مع الفلسطينيين من مضمونها، وفرض واقع جديد على الأرض.

وفي المقابل، كشف الباحث مهند مصطفى عن الجانب الآخر من صورة خطر التهويد في فلسطين؛ إذ تناول موقف المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1976 من المشروع الصهيوني الاستيطاني، والرؤية الدينية اليهودية لهذا المشروع. وقد استنتج الباحث أنّه، وعلى الرغم من التحوّلات الثقافية والاجتماعية للرؤية الدينية التقليدية التي عرفها الجيل الجديد من المستوطنين، فإنّهم أصبحوا أكثر التحامًا مع عموم المجتمع الإسرائيلي.

وفي النقاش الذي أعقب الجلسة، أجمع الحاضرون على وجود خطورة شديدة وأفقٍ مسدود أمام الفلسطينيين في غياب مشروع وطني فلسطيني جامع يستطيع مواجهة المشاريع الإسرائيلية المخترقة للمجال الفلسطيني. وفي الوقت ذاته أكّد الحاضرون على وجود إرادة وجذوة أمل مشتعلة في قلوب الفلسطينيين والشعوب العربية، ستكونان منطلقًا نحو المستقبل.


الهويّة الفلسطينية ومحاولات الطمس الإسرائيلية

إحدى المتدخلات في نقاشات المؤتمر

وتحت عنوان "تحوّلات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته السياسية" ناقشت جلسة أولى قضايا إصلاح المؤسسات الفلسطينية، بدءًا بورقة مهمة قدّمها الباحث عبد الرحمن التميمي بعنوان "تداعيات احتمال انهيار السلطة الفلسطينية على خدمات البنية التحتية"، منطلقًا من فرضية ممكنة بانهيار السلطة الفلسطينية أو حلّ إسرائيل لها أو حلّ نفسها، مستعرضًا الاحتمالات التي ستدار بها عندئذ خدمات البنية التحتية إمّا باستعادة إسرائيل إدارتها أو نشوء "حكومة ظلّ" فلسطينية تتولّى إدارتها، أو وضعها تحت إدارة دولية سواء عبر دولة إسلامية أو غيرها. وأكّد أنّ وضع هذه الخدمات سيزداد سوءًا في كلّ هذه الحالات.

وأبرزت الباحثة نادية أبو زاهر في ورقة عن "دور المجتمع المدني في تغيير السياسات الأمنيّة في السلطة الفلسطينية" هشاشة الدور الذي يمكن أن تؤدّيه منظمات المجتمع المدني في الحالة الفلسطينية في تغيير السياسات الأمنيّة. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها تهميش منظمات المجتمع المدني، وتنامي وتيرة الانتهاكات ضدّها، إضافةً إلى غياب التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني في شأن المبادرات المقدّمة، وضعف قدراتها الماليّة الذاتية، وضعف قدراتها البحثية في تحليل السياسات الأمنيّة، وعدم فاعلية الرقابة التي مارستها على الأجهزة الأمنيّة، وضعف دورها في تدريب تلك الأجهزة على قضايا حقوق الإنسان.

وقدّمت الباحثة عرضًا عن تطوّر أداء منظّمات المجتمع المدني الفلسطينية بدءًا من الانتفاضة الأولى، وصولًا إلى مرحلة ما بعد الانقسام عام 2007، وهو ما أدّى إلى انقسام في الأجهزة الأمنيّة، فصارت هناك أجهزة أمنيّة تابعة للسلطة في الضفة الغربية التي تسيطر عليها حركة فتح، وأخرى تابعة للسلطة في غزة التي تسيطر عليها حركة حماس. وزادت انتهاكات الأجهزة الأمنيّة للسلطتين ضدّ منظمات المجتمع المدني، بدلًا من أن يمارس هذا المجتمع دوره في الرقابة عليها.

وتحت العنوان نفسه للجلسة السابقة "تحوّلات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته السياسية"، ناقشت جلسة أخرى جرت بالتوازي معها، وتحدّث فيها الباحث بلال الشوبكي في موضوع: "الهويّة الفلسطينية من التشتيت ومحاولات الاستئصال إلى تصنيع هويّات بديلة" عن السياسات الإسرائيلية التي تستهدف الهويّة الفلسطينية التي تشكّل آخر الحصون الضامنة لاستمرارية المجتمع الفلسطيني بوصفها بنية وطنية متمايزة عن غيرها من الهُويَّات، ويرى أنّ إسرائيل عمدت إلى الاستمرار في محاولات اجتثاث عناصر الهويّة الفلسطينية، ونجحت في خلق مساحات جغرافية معزولة توزّع عليها المجتمع الفلسطيني؛ فتشكّل فلسطينيو الشتات، وفلسطينيو 48، وفلسطينيو 67. إلا أنّها لم تستطع إلغاء الهويّة الفلسطينية الجامعة لكلّ الفلسطينيين أينما وُجدوا.

وفي ظلّ استمرارية هذا التحدّي وخطورته، توّلد مؤخّرًا تحدٍّ جديد نتج من الانقسام السياسي الحادّ بين الحركات الفلسطينية، وخصوصًا بين فتح وحماس. ويرى الباحث أنّ سياسات حركتَي فتح وحماس والسلطة الفلسطينية في كلٍّ من الضفّة الغربية، وقطاع غزة، ستساهم في إنتاج هويّات بديلة ومتباينة، فقد انتهجت كِلا الحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة سياساتٍ ذات أبعاد اجتماعية، وساهمت في تحويل الأنماط الاقتصادية؛ ما قد يؤدّي في حال استمرارها واتّساعها إلى طمس الهويّة الفلسطينية التي هي الإطار الجامع لكلّ الفلسطينيين في كلّ أماكن وجودهم.


مصير منظمة التحرير والمشروع الوطني الفلسطيني

كان أحد أهمّ محاور المؤتمر ذلك الذي تناولته جلستان جرَتا تحت عنوان "مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني والأطر التمثيلية". وقد ناقش الباحث غسان الخطيب في الجلسة الأولى "مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي". ورأى أنّ انتقال القيادة من قيادة الكفاح المسلّح لتحرير فلسطين إلى إدارة عملية السلام على أساس حلّ الدولتين، أثّر في تراجع مكانة هذه القيادة التاريخية لمصلحة قوى أخرى جديدة معارضة لهذا النهج، وأبرزها حركة حماس، ولا سيّما مع ترنّح خيار حلّ الدولتين - الذي راهنت عليه هذه القيادة - نتيجة تنامي قوّة اليمين العنصري في إسرائيل وسرعة التوسّع الاستيطاني. وخلص إلى أنّه في حين وصلت القيادة السياسية وبرنامجها السياسي وإستراتيجيتها المعتمدة على المفاوضات إلى طريق مسدود، فإنّ منظمة التحرير لا تزال قادرة على استعادة دورها كإطار جامع وموحّد لكفاح الشعب الفلسطيني بتركيبة قيادية أكثر تمثيلًا للشعب الفلسطيني ولبرنامج أكثر تعبيرًا عن طموحاته المشروعة، شريطة تحقيق الوحدة الوطنية والاتفاق حول برنامج سياسي مشترك.

ورأى الباحث زياد كلوت في ورقة عنوانها "المشروع الوطني الفلسطيني في زمن الثورات" أنّ النضال الفلسطيني أمام منعطف تاريخي اليوم بالنظر إلى أنّ التحدّيات التي يواجهها الشعب الفلسطيني تعدّ أكثر عمقًا واتّساعًا من العوامل المتغيّرة المعتادة التي تؤثّر في المسار اليومي للشؤون العربية الإسرائيلية، ولا سيّما نتيجة التغيرات العالمية، ومنها: نظام دولي متبدّل تشهد فيه الولايات المتحدة وأوروبا أفولًا مطّردًا جنبًا إلى جنب انبثاق "عالم جديد"؛ أزمة شرعية عالمية تصيب الصهيونية؛ وتناقضات مأساوية بين أبناء الشعب الفلسطيني تمثّلت في عجزهم عن تجسيد الاعتراف الدولي بالمشروع الوطني الفلسطيني على الأرض؛ وأخيرًا الأثر الذي يمكن أن تتركه اليقظة العربية التي تعيد تشكيل المنطقة وشعوبها.

الجلسة النقاشية للمتضامنين الدوليين مع القضية الفلسطينية

وطرح الباحث أحمد جميل عزم في ورقته التي جاءت بعنوان "بحث في أجندة المشروع الوطني الفلسطيني" ما يمكن أن يكون أجندة مقترحة لبعث مشروع وطني جديد، تتكوّن من ستّة بنود، بدءًا بإيجاد صيغة لتوحيد ساحات العمل الفلسطيني، قد تسمّى "فدرالية العمل الفلسطيني"، بما يشمل فلسطين التاريخية كلّها والشتات. ويتعلّق البند الثاني بمنظمة التحرير الفلسطينية، مع اقتراح تجربة إصلاحها من القاعدة بدلًا من سياسة الإصلاح التقليدية من القمّة. ويركّز البند الثالث على إستراتيجية المقاومة الشعبية، والرابع، المطالبة بتقييم صريح لأدوات المقاومة المختلفة، في حين يقضي البند الخامس بمواجهة حقيقة أنّ المجتمع المدني والحملات الشعبية، لا ترقى إلى مصافّ حركة تحرّر، وعليه، يجب وضع تعريف جديد لحركة التحرّر. ويطرح البند السادس والأخير، برنامجًا لتجاوز الشروط الموضوعية الاقتصادية والبيروقراطية التي رافقت تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وأصبحت عقبة أمام المقاومة.


رئيس الوزراء المغربي: أشعر بالخجل أمام تضحيات الناشطين الغربيين من أجل فلسطين

اختتم اليوم الثاني من المؤتمر بحلقة نقاشية تحت عنوان "حملات التضامن العالمية: الواقع ومآلات المستقبل"، أكّد خلالها رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران أنّه يشعر بالخجل أمام الخدمات والتضحيات التي يقدّمها الناشطون الأوروبيون والأميركيون للقضية الفلسطينية. ولكن طمأن بأنّ جذوة فلسطين لا تزال مشتعلة ولم تنطفئ في قلوب عموم العرب والمسلمين، مشيرًا إلى أنّ إكراهات المرحلة، وواقع الانقسام السائد يحولان دون خدمة القضية الفلسطينية كما يجب. وأضاف بنكيران أنّ الوقت حان لتقديم مقاربة واقعية للقضية الفلسطينية.

وقد أجمع الباحثون العرب والأجانب المشاركون في الجلسة على أنّ التضامن الدولي مع فلسطين يواجه مشاكل متعددة تعيق تطويره. وفي هذا الإطار، أكّد بن وايت، وهو باحث وصحفي بريطاني متخصّص في القضية الفلسطينية، أنّ مشروع التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية يواجه تحدّيات حقيقية، ويحتاج إلى جهود كبيرة لضمان استمراره والرفع من ثماره، وأضاف أنّ الفكرة الصهيونية أصبحت متجذّرة في بريطانيا.

رئيس الوزراء المغربي، عبد الإله بنكيران متحدثا خلال الجلسة النقاشية

ومن جهته، أكّد عرفات شكري مدير مجلس العلاقات الأوروبية الفلسطينية في بروكسيل، على أنّ المنظمات والناشطين الدوليين المهتمّين ببرامج التضامن مع القضية الفلسطينية يدركون عمق مسؤوليتهم التاريخية، ويقدّرون بدقّة خطط اللوبي اليهودي.

وأكّدت سارة كولبورن، مديرة حملة التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة، أنّ الحصول على التمويل التضامني يواجه مشاكلَ في بريطانيا، وعلى الرغم من ذلك شعر اللوبي الصهيوني بأنه بدأ يخسر معركة الرأي العامّ في بريطانيا. 

وقال هيو لاننغ، رئيس حملة التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة، إنّ منظمتهم متمسّكة باستقلاليتها عن الحكومات، لذلك فهي لن تحصل على الأموال إلا من الأشخاص المتبرّعين، وهذا يتطلّب توسيع أعمال التواصل الشعبي والتقدّم في الساحة السياسية. وأشار إلى أنّ منظمتهم ليست عنصرية وليست معادية للسامية.

وأكّد فرناندو سانشو مارتينز - وهو ناشط إسباني داعم للقضية الفلسطينية، وخبير اقتصادي - أنّه سيواصل مع زملائه التضامن مع الشعب الفلسطيني؛ لأنّ قضيّته عادلة.

وفي المقابل، أشار ستيوارت ريس المحلّل السياسي ومراسل مجلة أتلانتيك الأميركية، إلى أنّ الناشطين في العمل التضامني مع فلسطين في أستراليا يتعرّضون باستمرار لهجمات اللوبي اليهودي هناك، والتي تتّهمهم بمعاداة السامية والعنصرية.

وأضاف ستيوارت أنّ تعدّد الأصوات وغياب الوحدة الفلسطينية يؤثّران أساسًا في جهود المتضامنين الدوليين مع فلسطين. وأشار إلى أنّ هؤلاء المتضامنين سيواصلون مهمّتهم الإنسانية؛ لأنّهم يطالبون بالسلام المصاحب للعدل.

وأخيرًا، عدَّد الناشط آدم شابيرو مجموعة من المضايقات التي لحقت متضامنين مع فلسطين بعد عودتهم من غزة، والتي كان مصدرها بعض الحكومات. وفي المقابل، صرّح شابيرو بأنّ حملات التضامن الدولية أعطت ثمارًا إيجابية في أوروبا وأميركا، وهذا الأمر يبعث فينا الأمل.