بدون عنوان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع بيروت، يومي الخميس والجمعة 2 و3 آذار/ مارس 2017، ندوة علمية بعنوان وسائل الاتصال الرقمية: التعليم والتشريع والرقابة في العالم العربي. شارك فيها عدد من المختصين من مختلف الدول العربية؛ الأردن، والجزائر، والمغرب، وتونس، ومصر، ولبنان. وحضرها عدد من الأساتذة الجامعيين اللبنانيين وطلاب الدكتوراه في العلوم الاجتماعية والإعلام والتربية وعلوم اللغة.

وقد تحدث منسّق الندوة، نديم منصوري، في البداية عن محاور الندوة وقال: "نواجه في هذا المجال الافتراضي سؤالين أساسيين؛ الأول هو: هل التعليم في العالم العربي يتجه اليوم نحو مجتمع المعرفة؟ والثاني: هل تعمل القوانين التي تحكم الإنترنت عندنا على صون المستخدم وحمايته من مخاطر خرق الأمن وكشف الخصوصية والرقابة؟". وخلص إلى ضرورة "تشكيل لجنة متخصصة تُعنى بدراسة الإشكاليات الجديدة التي فرضها مجتمع الشبكة" في الواقع العربي الراهن.

التعليم الرقمي والتعليم الافتراضي: الفرص والفجوة

بعنوان "تجارب التعليم الإلكتروني والافتراضي في العالم العربي"، انطلقت جلسات المحور الأول التي رأسها حيدر فريحات (من الأردن)، مدير إدارة التكنولوجيا من أجل التنمية في منظمة الإسكوا، والذي أكدّ أهمية الربط بين العالمين الواقعي والافتراضي في الأبحاث، محذرًا من الأخذ فقط بالجوانب الإيجابية لهذا العالم ووسائل تطوره التكنولوجي دون الوعي بأضراره على مجتمعاتنا أيضًا.

وقدّمت سمر زيتون، أستاذة تكنولوجيا التربية في الجامعة اللبنانية ورقة بعنوان "دور وسائل الاتصال الرقمية في تطوير التعليم في الوطن العربي"، ولفتت إلى التحسّن في التواصل عبر الإنترنت في الدول العربية وإلى انحسار الفجوة الرقمية. بيد أنها أشارت في المقابل إلى فجوة كبيرة في هذا الاستخدام بين الجنسين. كما أشارت إلى ظاهرة الإقبال، الأول مرتبًة في العالم على يوتيوب في المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أن الإناث المتابعات أرجعن إقبالهن على هذه الوسيلة إلى "أسباب تعليمية".

أما ميلاد سعد، أستاذ تكنولوجيا التربية في الجامعة اللبنانية، فقدّم مداخلة بعنوان "نحو مناهج تفاعلية للتربية في لبنان: بين الممكن والمُحال"، أشار فيها إلى أن الكثير من ملامح التغييرات باتت ظاهرة اليوم في السلوك الاجتماعي والاقتصادي بفعل دخول وسائل الاتصال الرقمي بقوة على حياة الأهل والطلاب على حدّ سواء. ثم فصّل تجربة وزارة التربية في لبنان مع الكتاب المدرسي الإلكتروني التي باتت عديمة الجدوى تقريبًا؛ بسبب بطئها.

رأَس الجلسة الثانية نديم منصوري الذي شدّد على ضرورة الفصل بين التعليم الإلكتروني والتعليم الافتراضي، مشيرًا إلى أن التعليم الافتراضي هو التعليم من بُعد، والذي يقوم على نمط تعليمي يختلف تمامًا عن الذي يعتمده التعليم الإلكتروني. قدّم بن يمينة السعيد، الأستاذ في جامعة محمد بو ضياف في الجزائر، ورقة بعنوان "الجزائر وتجربة التعليم الإلكتروني"، لاحظ فيها هجرة الكفاءات الشبابية الجزائرية، وخصوصًا بعد اعتماد نظام LMD (ليسانس، ماستر، دكتوراه)، وارتباطاته الإلكترونية؛ إذ إن تطبيق هذا النظام لا يزال متعثرًا نظرًا إلى تقاطعه التعارضي مع النظام الأكاديمي الكلاسيكي المعتمد في الجامعات الجزائرية سابقًا. ورأى أن الحكومة الجزائرية تجهد في تعميم التعليم الإلكتروني، بيد أنها لم تنجح بعد في بلوغ ما خططت له لأسباب متعددة.

أما غسان مراد، أستاذ الألسنة المعلوماتية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، فقد أشار في ورقة بعنوان "الإنسانيات الرقمية: دعوة إلى علوم إنسانية علمية"، إلى أن الثورة الرقمية التي نشهدها اليوم باتت تفرض على الفكر الإنساني تغييرات هائلة وتفتح آفاقًا جديدة؛ وأن هذا الانتشار الواسع لوسائط الإعلام الرقمية منذ ما يقرب من عقدين من الزمن بات يدفع الجامعيين إلى التفتيش عن أطر جديدة في التعليم، ترقى بالعلوم الإنسانية إلى مستوى العلوم العلمية، إذ إن عدم مواكبة هذه العلوم للوسيط الرقمي (في علم النفس والآدب واللغة والفلسفة) يحرمها من إمكانات هائلة للإثراء العلمي. ورأى أن للأكاديميين في العالم العربي مسؤولية في إنجاح هذه العملية التي لا بدّ من أن تزيدنا معرفة.

السلطة: القانون والرقابة

أما الجلسة الثالثة، فرأسها حسن مظفر الرزو الذي أوضح أن الثورة الرقمية أتت لنا بفوائد جمّة، غير أنها ترافقت مع الكثير من المشكلات. وتحدث في الجلسة عماد حب الله، الرئيس السابق للهيئة المنظمة للاتصالات في لبنان والأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركية في دبي، في موضوع "الوضع الرقمي في لبنان، ضمن عالم سيبراني خاضع لتغيير أنموذجه الإرشادي". وأشار إلى أن إشكالات عدة للتقدّم الرقمي ظهرت في معظم قطاعات حياتنا، منوّهًا بسرعة هذه العملية على المستوى العالمي، ولافتًا إلى المسافة التي باتت توجدها هذه الظاهرة بين الكثير من المجتمعات. كما توقف الباحث عند الضعف الذي يعانيه لبنان في مجال التشريع الخاص بحماية الأمن السيبراني والخصوصية الفردية.

من ناحيته، قدّم علي كريمي، الأستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط في المغرب، محاضرة بعنوان "الآليات القانونية لحماية البيانات الشخصية في المغرب". قال فيها إن التطوّر التكنولوجي أفرز مخاطر جمّة أثرت وتؤثر في حقوق الإنسان في المغرب، وجاء معها الإنترنت سلطة خامسة تساهم في النيل من خصوصية حياة الأفراد وبياناتهم الشخصية. كما أشار إلى أن التنظيم القانوني عجز حتى الآن عن ضبط تغوّل السلطة الخامسة أو ردعها، نظرًا إلى سرعة التطورات التي تشهدها في حين أن المواكبة القانونية بطيئة جدًا مقارنة بها. وبطبيعة الحال لا يؤدي هذا الأمر في الوقت الحالي إلى مصلحة المجتمع المغربي.

رأس الجلسة الرابعة فردريك معتوق، وتحدث فيها جوهر الجمّوسي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة منوبة في تونس، مقدمًا مقاربة ساخنة لمآل الإنترنت في حياة أبناء المجتمع التونسي منذ عام 2011؛ إذ شهد هذا الوسيط استغلال بُعده التواصلي الاجتماعي إلى أقصى الحدود، وكان جزءًا لا يتجزأ من الثورة، وأضحى اليوم من ثوابت البنية المعرفية الجديدة، أكثر من أي بلد عري آخر. بيد أن الوقائع تشير أيضًا إلى أن السلطة صقلت مهاراتها في هذا الحقل، إذ سنّت تشريعات تُجيز لها الدخول عندما ترى ذلك، إلى البيانات الشخصية لكل فرد؛ ما يُعدّ ارتدادًا سلبيًا لغزو الرقمي للحياة الاجتماعية، والذي لا تدفع الرياح دومًا سفنه بالاتجاه الذي يريده المجتمع المدني.

قدّم بعدها حاتم جعفر، القاضي في محاكم الاستئناف ورئيس المكتب الفني لمركز المعلومات القضائي في وزارة العدل بمصر، مداخلته بعنوان "حق الخصوصية على الإنترنت، بين حماية القانون واعتبارات الأمن القومي"، وتبيّن له بالاستناد إلى مواد تشريعية عدة، متداخلة حينًا ومتنافرة أحيانًا أخرى، أن السلطة تحاول بصعوبة إقامة توازن بين مسألة الخصوصية الشخصية واعتبارات الأمن القومي التي تأتي دومًا في المقام الأول؛ نظرًا إلى ضعف المجتمع المدني في حماية حقوقه الخاصة. علمًا أن الوضع لا يختلف كثيرًا في البلدان العربية الأخرى.

توصيات

في نهاية الجلسات؛ تناقش المشاركون في الندوات في خلاصاتها، وتوافقوا على عدد من التوصيات، بداية بضرورة وضع برنامج من الندوات تعالج القضايا المرتبطة بمجتمع الشبكة. وجرى اقتراح عقد ندوة أو مؤتمر بعنوان "دعوة إلى ترسيخ أركان حقوق الحضور الرقمي للمواطن العربي في الفضاء السيبراني". كما أوصوا بخلق بيئة تواصلية بين الباحثين المتخصصين في هذا المجال، ولا سيما في العالم العربي، والدعوة إلى تضافر جهد متعددي التخصصات في علوم التربية والتكنولوجيا لاستثمار القدرات التربوية والتنظيمية لتكنولوجيا المعلومات، والاتصال بهدف اقتراح تصور متكامل للمنظومة الرقمية، ومواكبة أنماط التربية في مجتمع المعرفة. كما شددّوا على ضرورة الاستمرار في البحث في آليات تفعيل تكنولوجيا التربية، والحث على تدريس المعلوماتية في العلوم الإنسانية؛ بغية الوصول إلى علوم إنسانية علمية تستفيد من المعطيات الهائلة التي يقدمها الوسيط الرقمي في التعليم. وطرحت فكرة إنشاء مركز لتوثيق رسائل الدبلوم وأطروحات الدكتوراه في العالم العربي، بغية تبادل الخبرات العلمية، ومنع تكرار الموضوعات وصون الملكية الفكرية.