بدون عنوان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع بيروت، في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، جلسة نقاش افتراضية، بعنوان "انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر والاغتراب اللبناني: بين الواقع والمرتجى"، شارك فيها أكاديميون وباحثون. وهي الجلسة الرابعة ضمن ندوة بعنوان "مستقبل الوضع اللبناني وسبل الخروج من الأزمة"، بعد ثلاث جلسات عقدها المركز، في 13-15 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر اللبنانية.

رحّب خالد زيادة، مدير فرع بيروت، بالمشاركين وذكّر بالجلسات الثلاث السابقة بإيجاز. ثم أدار بول طبر، أستاذ العلوم الاجتماعية - علم بشريات مشارك في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت ومدير معهد دراسات الهجرة في الجامعة نفسها، فعرّف بالمشاركين، وطرح تساؤلات عدة، منها: كيف بدأت وتطورت مشاركة الدياسبورا اللبنانية في انتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر؟ وما قابليتها للتصاعد بعد منح المغترب اللبناني الحق في الاقتراع في الانتخابات النيابية؟ وما مدى وعي المجموعات المنتفضة بأهمية دور الاغتراب اللبناني؟ وكيف يمكن تفعيل هذا الدور واستثماره في المشروع التغييري في لبنان؟

الاغتراب والتغيير

قدّم طنّوس فرنسيس، الناشط الاغترابي ورئيس منتدى الأستراليين اللبنانيين المستقل، الداعم لانتفاضة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، مداخلة بعنوان "دور الاغتراب في عملية التغيير في لبنان بين الغياب والتغييب - أستراليا نموذجًا"، وصّف فيها تجاوب الاغتراب الأسترالي مع الانتفاضة قائلًا إنه بعد ثلاثة أيام من قيامها في لبنان، خرجت تظاهرة حاشدة في أستراليا دعمًا للانتفاضة، "ولم تأت الدعوة من جهات معروفة، بل من أفراد مغمورين، طلاب جامعيين، وسيلتهم الوحيدة وسائل التواصل الاجتماعي، وشارك أربعة آلاف لبناني مغترب ورفع العلم اللبناني، وكان الشعار واحد ’كلن يعني كلن‘. وبعد أسبوع اجتمع 20 ألف متظاهر، لنفس الغاية، بالتزامن مع تظاهرات في معظم عواصم العالم، وكان المشاركون من الشباب غير المسيّس".

وأضاف: "عندما سقط علاء أبو فخر شهيدًا، نظّم شباب الانتفاضة وقفة وجدانية غابت عنها الوجوه التقليدية. ثم نظمت الجالية الدرزية احتفالًا فاحتلت الوجوه التقليدية الصفوف الأولى، بينما جلس شباب الانتفاضة في الصفوف الخلفية". وتناول فرنسيس العلاقة بالاغتراب قبل الانتفاضة وخلالها وآفاق هذه العلاقة، فقال إن الاغتراب المسيحي، إبان الحقبة السورية، أدى دورًا سياسيًا بفضل ارتباطه بالبطريركية المارونية ولوجود العماد ميشال عون في المنفى، "وكان دورًا داخليًا تمّ القيام به في الخارج لاستحالة ذلك في الداخل". وقال إن الوضع بعد الانتفاضة لم يتغير كثيرًا. وأخيرًا عقد اجتماع لمجموعات الانتفاضة وقدمت بنودًا كثيرة، ليس بينها أي بند عن الاغتراب، "فالمجموعات السياسية أبقت المغتربين بعيدًا عن الساحة السياسية، لذا على قوى التغيير أن تسمح للمغتربين بأداء دورهم، فالتغيير السياسي أصبح مطلبًا من مطالب المغتربين".

صدمة وحزن وغضب

تحدّث أكرم خاطر، وهو أكاديمي يدرّس التاريخ ويشغل كرسي الدراسات الدياسبورية في جامعة ولاية شمال كارولينا، ومدير مركز خيرالله لدراسات الدياسبورة اللبنانية، عن "الصدمة والحزن والغضب والنشاط: اللبنانيون الأميركيون يتجاوبون مع تفجير بيروت"، فقال إن لبنان كان ينظر إلى المهاجرين كأنهم صندوق للمال لا أكثر، "بينما أحب المهاجرون دائمًا أن يؤدوا دورًا أكبر من الدور المالي". وقال إن الجالية اللبنانية في أميركا مشرذمة كما الداخل اللبناني. مع الانتفاضة، حصلت التظاهرات وبدأت غاضبة وعاطفية، "لكن هذا التشرذم لم يسمح بتنسيق التجاوب بشكل موحد، فالتظاهرات التي خرجت لم تؤدِّ إلى أي أمر إلا إرسال الأموال لا أكثر. ومع مرور الوقت، برد الحماس وحلّ الإحباط محلّه، لأننا لم نرَ أي تغيير، فلا محاسبة ولا شفافية ولا حكم ديمقراطي". وعندما حصل الانفجار في 4 آب/ أغسطس 2020، حلّت الصدمة وعاد الغضب، وتمّ إرسال الأموال إلى الصليب الأحمر اللبناني والمنظمات الأخرى. قال خاطر: "هناك منظمة تاسك فورس فور ليبانون، مؤلفة من وجهاء المغتربين وأغنيائهم، كان همّها توطيد العلاقة بين الحكومتين الأميركية واللبنانية، وانحصرت سياستها في دعم الجيش اللبناني، وبعد الانفجار جمعت أدوية ومعدات طبية وأرسلتها إلى لبنان، لكن ليس لها أيّ أفق سياسي".

وأضاف خاطر أن تحركًا بدأ لإنشاء منظمة أكبر، غير حكومية، تحشد الموارد اللبنانية المهاجرة، لتأسيس مؤسسة مالية تستطيع إحداث تغيير سياسي جذري وتقديم الدعم للحركات الاجتماعية في لبنان، "وهذه عملية تستغرق جيلًا أو جيلين، لنصل إلى توحيد جهود المغتربين للعمل من أجل لبنان".

الدياسبورا مرآة الداخل

قدم زياد ماجد، الأكاديمي اللبناني المقيم في فرنسا والمختص في الشأنين اللبناني والسوري ومسائل التحوّل الديمقراطي، ومنسّق قسم دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في باريس، مداخلته وهي بعنوان "الدياسبورا مرآة للداخل اللبناني". وتحدث عن موجتين اغترابيتين لبنانيتين إلى فرنسا: الأولى حصلت خلال حرب السنتين والدخول السوري إلى لبنان، والثانية مع حربي التحرير والإلغاء في الثمانينيات، وأدت إلى نزوحٍ طابعه ديموغرافي مسيحي. بين الموجتين، نوع آخر من الحضور اللبناني في فرنسا هو الحضور الجامعي بفضل منح مؤسسة الحريري. اليوم هناك موجة ثالثة، عمر المهاجرين فيها أقرب إلى الشباب يتمتعون بمستوى علمي مرتفع، يأتون إلى فرنسا بسبب توافر جنسيتين أو إقامة سابقة، بدأوا يتركون لبنان بعد انفجار المرفأ.

وأوضح ماجد أنّ الفرز السياسي الاغترابي في فرنسا مرآة للفرز في لبنان؛ ففي الثمانينيات تطور حضور التيار العوني بسبب وجود عون وأركانه هناك، وتوافر حضور يساري إضافة إلى حضور كتلوي تابع لريمون إدّه. بعد الحرب، صعدت شعبية حزب الله، ثم انقسم المغتربون بين حركتي 8 آذار و14 آذار، "فكان الخطاب السياسي الاغترابي في فرنسا استمرارًا للخطاب السياسي في لبنان بفضل البث التلفزيوني الإخباري الفضائي المستمر، وتطور هذا الأمر مع الثورة السورية، فكان لبنانيون كثيرون يسيرون في التظاهرات المؤيدة لهذه الثورة. وفي عام 2015، بدأ فرزٌ جديد، كان صدىً لإرهاصات حركات اجتماعية مثل "طلعت ريحتكن" والحركات ضد فساد السلطة السياسية. وقال ثمة شعور بانسداد الأفق السياسي وبصعوبة التغيير، "وكل طرف يحاول أن ينشئ لوبيًا للتأثير في إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومستشاريه للترويج لآرائه، خصوصًا بعد مبادرة ماكرون الإنقاذية إثر انفجار مرفأ بيروت".

شراكة للتغيير

ختمت رندلى بيضون، الشريك الإداري في مكتب تريبونيان الاستشاري للحقوق، وهي واحدة من خمسين إمرأة ذات تأثير في المجال المالي في الشرق الأوسط عام 2019، الجلسة بمداخلة عنوانها "الشراكة بين اللبنانيين في الداخل والخارج للتغيير السياسي"، فتحدثت عن مبادرتين مهمتين، "تشكلان الأمل لترجمة الثورة إلى ربح سياسي: الأولى، الشرعة الوطنية للإنقاذ، وهي ورقة سياسية وطنية وقّعها نحو 70 ألف لبناني حتى الآن".

وأوضحت بيضون أن ميزة هذه الشرعة تتتمثل في أن من كتبها ذو عمقٍ سياسي، كما تم صوغها بصفتها شراكة بين الداخل والخارج، وربما تكون مشروعًا توحيديًا لبنانيًا، "إضافة إلى أن خارطة طريقها واضحة: برنامج انتخابي من خلال ورش عمل ثم طاولات مستديرة في مناطق وفي دول الاغتراب، وأهميتها الفعلية أنها تؤمّن تجييشًا لمشروع انتخابي داخلي، ولا تذوّب أي مبادرة أخرى، بل تدعم كل المبادرات على قاعدة أن لا بأس بالتعددية".

وعرّجت بيضون على المبادرة الثانية، وهي التحضير للانتخابات النيابية، في شراكة بين المقيمين والمغتربين، ضمن مشروع يسعى إلى التنسيق بين المجموعات التي شاركت في الثورة حوله. وأكدت أن الدياسبورا ليست لتقديم المال فقط، "بل لتشارك في السياسة الداخلية، لذا فمبادرة "نحو الوطن" ناشطة في مدن الاغتراب، وستجري حملة إعلانية جامعة لدعم لائحة انتخابية تنبثق من إطار جامع لكل مجموعات الانتفاضة، وستؤلف ماكينة انتخابية للثورة".

ثم دار نقاش ثريّ، شارك فيه عددٌ من الحضور افتراضيًا عبر تقنية زوم.