بدون عنوان

نقاشات مثمرة نتجت عنها توصيات عملية للانتهاء من إنجاز بيبليوغرافيا الإنتاج المعرفي العربي في 10 قرون

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المؤتمر العلمي الأوّل لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية بعنوان "نحو بيبلوغرافيا شاملة للإنتاج المعرفي العربي المرحلة الثانية من 201 هــ إلى 500 هـ"،  بفندق رجنسي في تونس، يومي 5 و6 تشرين الثاني / نوفمبر2014.

وقد استكمل المشاركون في المؤتمر، وهم نخبة من الأكاديميين المتخصّصين في حقول معرفية متنوعة مرحلة مهمة في إنجاز بيبليوغرافيا الإنتاج المعرفي العربي في الفترة من 201 إلى 500 للهجرة، إذ أتاح لهم المؤتمر التداول بينهم في حصيلة ما أُنتِج في كل حقل من حقول المعرفة الواقعة داخل المرحلة، على أساس ما أعدَّه كل منهم في تخصّصه.

وخلصت أعمال المؤتمر إلى مجموعة من التوصيات توّجت نقاشات ورش العمل التي عقدت خلاله. ففي جلسة عامة اليوم الثاني برئاسة الدكتور رمزي بعلبكي رئيس المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية؛ عُرضت تقارير ورش العمل، واتفق المشاركون على تكوين لجنة متخصّصة من الخبراء لمراجعة كل الأعمال البيبليوغرافية للمرحلة الثانية (201 ه إلى 500 هـ) وتدقيقها قبل اعتمادها وإضافتها إلى بيبليوغرافيا المرحلة الأولى (430 قبل الهجرة إلى 200 هـ) لإنهاء إنجاز بيبليوغرافيا عشرة قرون من الإنتاج المعرفي العربي.

د.عزالدين البوشيخي ملخصا نتائج المؤتمر وتوصياته في الجلسة الختامية
كما اعتمد المؤتمر عددًا من التوصيات المتعلّقة بأبرز المسائل التي أثارت النقاش خلال الورشات مثل ضرورة وضع معايير لتحديد أجود طبعة لكل مصنّف، مع عدم وجود مانع من اعتماد أكثر من طبعة في حال تعذّر الاعتماد على طبعة واحدة. وكذا إحالة الكتب المشكوك في نسبتها إلى لجنة للتدقيق وللقطع في نسبتها إلى أصحابها. كما أوصى المشاركون في ورشة بيبليوغرافيا العلوم الشرعية بإنشاء حقل جديد بعنوان السلوك والتزكية، يُضاف إليه ما يدخل تحت عنوانه من الحقول الأخرى كعمل اليوم والليلة، والأذكار والخطب والمواعظ. ومن بين التصويات أيضًا، ضرورة أخذ الرسائل الجامعيّة في الحسبان، فهي في حكم المحقّقة غير أنّها ليست منشورة في الغالب.

وتناول الكلمة في الجلسة الختامية للمؤتمر الدكتور عزالدين البوشيخي، المدير التنفيذي للمعجم، فشكر المشاركين في المؤتمر على عملهم الجاد ومناقشاتهم العميقة واستعدادهم القوي للمساهمة من مواقع اختصاصاتهم في مشروع المعجم التاريخي. وقدّم توضيحات مهمة، مؤكّدًا أنّ الهدف من إعداد هذه البيبليوغرافيا هو خدمة معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وفق الخطة المعدّة سلفًا؛ إذ تتضمّن البيبليوغرافيا المطبوع من الكتب والمصنّفات والدواوين وغيرها المنتمية إلى المرحلة المحددة لتكون المرجع الأساسي في بناء المدوّنة اللغوية. ويترتّب على ذلك، عدم الانشغال بما يتجاوز الحدود المرسومة للبيبليوغرافيا والقضايا المرتبطة بها. وأوضح أنّ الأعمال البيبليوغرافية المقدّمة في المؤتمر، ستجري مراجعتها وتحديثها في ضوء الملاحظات والاقتراحات والتوصيات التي سجّلت في الورش العلمية والمناقشات العامة، مشيرًا إلى إمهال المشاركين شهرين بعد المؤتمر لإرسال النسخة النهائية من أعمالهم البيبلوغرافية. وتحدّث عن مبادرة لإعداد قاعدة بيانات الباحثين المهتمين بالأعمال البيبليوغرافية في كل التخصّصات المعرفية.

وبشّر الدكتور البوشيخي المشاركين في المؤتمر بقرب إطلاق الموقع الإلكتروني الخاص بمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، والذي سيُتيح لكل المهتمين من العلماء والأساتذة والباحثين والطلبة متابعة أخبار المشروع بتفاصيله، والاستفادة لاحقًا من كل إنجاز تحقّق في مجالات البيبلوغرافيا أو المدوّنة اللغوية أو المداخل المعجمية بالتدريج. كما ذكر أنّ مجلةً متخصّصة مرتبطة بمشروع المعجم سيُعلن عنها في الأشهر المقبلة.


ورش عمل متخصّصة

د. رمزي بعلبكي في افتتاح المؤتمر

وكانت أعمال المؤتمر افتتحت يوم الأربعاء 5 تشرين الثاني / نوفمبر، بجلسة ترأّسها الدكتور رمزي بعلبكي رئيس المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، وبحضور الدكتور عبد اللطيف عبيد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، والدكتور إبراهيم بن مراد ممثّلًا للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

وشمل برنامج اليوم الأول للمؤتمر توزيع المشاركين على ثلاث ورش علمية بحسب تخصّصاتهم: ورشة بيبليوغرافيا العلوم الشرعية، وورشة بيبليوغرافيا الأدب والنقد، وورشة بيبليوغرافيا العلوم والفلسفة والتاريخ. وتدارسوا على مدى أربع ساعات الأعمال التي أعدّها كل منهم في تخصّصه، وقدَّم كل مشارك حصيلة عمله البيبليوغرافي والمنهجية المعتمدة في جمع مصادر التخصّص، وتقييمًا عامًا لهذه المصادر.

تناولت ورشة العلوم الشرعية بالدراسة بيبليوغرافيا التفسير والقراءات وعلوم القرآن التي أعدّها الدكتور محمد إقبال فرحات والدكتور مساعد الطيار، وبيبليوغرافيا أصول الفقه ومقاصد الشريعة التي أعدّها الدكتور حسن يشو، وبيبليوغرافيا الحديث النبوي ومصطلح الحديث وغريبه التي أعدّها الدكتور عبد العزيز فارح والباحث عبد العاطي الشرقاوي، وكذا بيبليوغرافيا الفقه والقواعد التي أعدّها الدكتور محمد عثمان شبير والدكتور أحمد صالح قطران. وبيبليوغرافيا العقيدة وعلم الكلام التي أعدّها الدكتور عبد السلام المجيدي. وشارك في مناقشة هذه الأعمال الدكتور أحمد الضبيب، وأدار جلسات المناقشة الدكتور محمد العبيدي.

حصائل جهد الخبراء المتخصصين عرضت ونوقشت في ورش العمل

وانصبّت ورشة الأدب والنقد على دراسة بيبليوغرافيا اللغة والمعاجم والرسائل اللغوية التي أعدّها الدكتور رمزي بعلبكي، وبيبليوغرافيا النحو والصرف التي أعدّها الدكتور عودة أبو عودة والدكتور حسن الملخ، وبيبليوغرافيا الشعر التي أعدّها الدكتور عبد الواسع الحميري والدكتور وليد قصاب، وبيبليوغرافيا النثر التي أعدّها الدكتور محمد الدروبي، وبيبليوغرافيا النقد والبلاغة التي أعدّها الدكتور عباس ارحيلة، وبيبليوغرافيا الطبقات والفهارس التي أعدّها الدكتور بلال الأورفلي. وشارك في مناقشة هذه الأعمال الدكتور سعد مصلوح، والدكتور إبراهيم بن مراد؛ وأدار جلسات المناقشة الدكتور رشيد بلحبيب.

أمّا ورشة العلوم والفلسفة والتاريخ التي أدار جلساتها الدكتور عزالدين البوشيخي، فقد عكفت على دراسة بيبليوغرافيا علوم الرياضيات والهندسة والفلك وغيرها التي أعدّها الدكتور عبد المجيد نصير، وبيبليوغرافيا العلوم الطبية التي أعدّها الدكتور محمود مصري، وبيبليوغرافيا الجغرافيا والرحلات والبلدان التي أعدّها الدكتور محمد الهيلوش، وبيبليوغرافيا الفلسفة والمنطق التي أعدّها الدكتور عبد الرزاق بنور، وبيبليوغرافيا التاريخ والسير والأنساب التي أعدّها الدكتور رابح مغراوي. وشارك في مناقشة هذه الأعمال الدكتور عبد السلام المسدي والدكتور حسن حمزة.


محاضرات تأسيسية

 
الدكتور عبد السلام المسدي
الدكتور سعد مصلوح

ضمّ برنامج المؤتمر محاضرتين عامّتين قدّم أولاهما الدكتور عبد السلام المسدي عقب الجلسة الافتتاحية في اليوم الأول، وكانت بعنوان "تطوّر اللغة في الأدب والعلوم الإنسانية خلال القرون الثلاثة: الثالث والرابع والخامس". بيّن المحاضر أنّ الفترة المحدّدة بتلك القرون الثلاثة مثّلت فترة النضج المعرفي في تاريخ الحضارة العربية، لذلك كانت أهمّ سمة ميّزت اللغة أثناءها، هي تولّد معجم لغوي يستجيب لحاجات التجريد الذهني، وحصل ذلك بنوع من الانفجار في دلالات الألفاظ التي غادرت عوالم الحس والمادة وجنحت إلى الدلالات العقلانية فأصبحت اللغة تعقل المعنى كما يعقل العقل معقولاته. ثمّ تناول المحاضر جدولًا آخر من جداول التراث أغنى ظاهرة التطور اللغوي ألا هو الخطاب الصوفي، وقد حملت اللغة فيه وظائف لم تعرفها من قبل، وربط المحاضر تحليله في هذه المسألة بمعايير دلّت عليها أقوال مأثورة منها: "ما يدركه الحس ولا تؤدّيه اللغة" ومنها "المضنون به على غير أهله" ومنها قولة محمد النفري "إذا اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة". وانتهى المحاضر إلى اعتبار فترة تلك القرون الثلاثة سياقًا جدليًا يسمح للغة العربية بتوليد معجم للعلم واستنباط معجم لعلم العلم، وهو العمق المعرفي بمعناه الإيبستيمي.

وفي صباح اليوم الثاني من المؤتمر، ألقى الدكتور سعد مصلوح محاضرة ثانية عن "تطور اللغة في العلوم اللغوية"، دارت في رصدها لمظاهر التغيير الطارئة على لغة الدرس اللساني في ثلاثة قرون (الثالث والرابع والخامس الهجرية). أظهر المحاضر أنّ جزءًا غاليًا ومهمًا من تاريخ المفردة العربية هو الآن حيّ جار على الألسنة، ما يستلزم العناية باللهجة العربية المعاصرة التي هي المستودع الحيّ الناطق لتاريخ العربية، حسب تعبيره.

وقد أبرزت المحاضرتان معًا ما شهدته اللغة العربية من تطوّر في رصيد ألفاظها ومعانيها ومصطلحاتها ومفاهيمها في المجالات التي تطرّقتا إليها، وبيّنتا بنماذج وشواهد القوّة الاشتقاقية والتوليدية والإمكانات الكبيرة التي أتاحتها اللغة العربية للعلماء والفلاسفة والأدباء والنقاد وأهل المعرفة والعرفان والفنون للإبداع في مجالاتهم، وللتعبير عن المفاهيم المستحدثة، ونقل أنواع المعرفة المختلفة. ولفتَتَا الأنظار إلى التوسّع المُدهش للعلوم والمعارف والفنون الذي شهدته هذه المرحلة من تاريخ الأمة العربية، وإلى الدور الذي أدّته اللغة العربية في إنشاء تلك العلوم والمعارف والفنون.