بدون عنوان

اختتمت أعمال مؤتمر "العرب والقرن الأفريقيّ: جدليّة الجوار والانتماء"، الذي عقده المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات في الدوحة على امتداد ثلاثة أيام (27-29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011)، بمشاركة نخبةٍ من الباحثين والأساتذة من الدول العربية ومن دول القرن الأفريقيّ مثل السّودان والصّومال وأرتيريا وإثيوبيا، وباحثين غربيّين مهتمّين بشؤون القرن الأفريقيّ من الولايات المتّحدة وإيطاليا.

وبعد المحاضرات العديدة التي أُلقيت في جلسات المؤتمر التي بلغ عددها ثماني جلسات تناولت الأبعاد التاريخيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة الإستراتيجيّة والثقافيّة الاجتماعيّة والإعلاميّة للعلاقة بين العالم العربيّ والقرن الأفريقيّ، اختتم برنامج المؤتمر الثريّ بمائدة مستديرة حواريّة حاول المشاركون في المؤتمر الإجابة خلالها عن أسئلة الرّاهن والمستقبل في علاقة العرب بالقرن الأفريقيّ. وقدّم الدكتور سيار الجميل رئيس وحدة الأبحاث في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات للجلسة الحواريّة بطرح تساؤلات عن سرّ الأزمات وحالة التفتّت التي يعيشها القرن الأفريقيّ وغياب الدور العربيّ في إيجاد حلول لها على الرّغم من التأثيرات الكبيرة للأوضاع في القرن الأفريقيّ في الأمن الإستراتيجيّ للدول العربيّة المجاورة، خصوصًا في ظلّ التدخّل الأجنبيّ في المنطقة والتّغلغل الإسرائيليّ فيها. وركّزت تدخّلات المشاركين في النّقاش على بناء رؤية إستراتيجيّة للدول العربيّة في التّعامل مع قضايا القرن الأفريقيّ ومساهمتها في حلّ الأزمات السياسيّة والصّراعات القائمة في منطقة القرن الأفريقيّ من أجل خلق الانسجام الكفيل بأن يجعل من القرن عمقًا إستراتيجيًّا للسّياسة العربيّة وموطئ قدم ثابتًا للاستثمارات العربية في ظلّ الفرص الكبيرة المتوفّرة هناك.

وقد سبقت المائدة الحوارية الختاميّة للمؤتمر جلسة أخيرة خُصّصت لتناول طبيعة تعاطي الإعلام العربيّ مع قضايا القرن الأفريقيّ، حيث تحدّث الدكتور طارق الشيخ، الباحث والإعلامي السودانيّ المقيم في قطر، عن تناول الإعلام العربيّ لشؤون الصومال، معتبرا أنّ وسائل الإعلام العربيّة كانت مسؤولة إلى حدٍّ كبير عن تشويه صورة الصّومال وحصره في صورة العنف والمجاعة. وقال إنّ صورة الصومال من منظور الإعلام العربيّ ليست سوى أخبار وقصص متناثرة عن العنف والقتل وتنظيم "القاعدة"، واستحوذت في السّنوات الأخيرة صورة القراصنة على معظم الصورة. أمّا بالنّسبة إلى الإعلام العالميّ فإنه كان يصوّر الصّومال إمّا كموقع جغرافيّ إستراتيجيّ أو من خلال التذكير بالماضي الاستعماريّ "الزاهر" أو بالتركيز على قضايا محدّدة مثل التدخّل الأميركيّ في الصومال في العام 1993 أو الاجتياح الإثيوبيّ للصومال في العام 2006 وقضيّة القرصنة البحريّة. وطالب الدكتور الشيخ وسائل الإعلام العربيّة بالمساهمة في نقل صورةٍ صادقة لما يجري في الصّومال والقرن الأفريقي من خلال نقل الوقائع من مصادرها، ونقد التّجاهل العربيّ الرسميّ أو التعامل السلبيّ مع القضيّة الصّوماليّة. 

أمّا الأستاذ فيصل محمد صالح، مدير البرامج في مؤسّسة "طيبة برس"، فيرى أنّ الصورة النمطيّة عن أفريقيا في الذّهن العربيّ مستمدّة من الإعلام الغربيّ وبالتالي من الذهنيّة الغربيّة، ولا يعمل الإعلام العربيّ على تغيير هذه الصورة النمطيّة بل يكرّسها. وأشار إلى أنّ الأفريقي في المتخيّل العربيّ يمثّل الآخر، الموصوف بالتخلّف والبدائيّة، واللّجوء إلى العنف، وينسحب ذلك أيضًا على الدول العربيّة الأفريقيّة مثل مصر والسّودان ودول شمال أفريقيا. وانتقد افتقار أجهزة الإعلام العربيّة للإمكانيات الكافية لتكوين مكاتبَ ومراسلين في بلاد العالم المختلفة، خاصّة أفريقيا والقرن الأفريقيّ، ولذا فهي تلجأ إلى البديل الجاهز، وهو التّغطيات الواردة من الوكالات والمحطّات الغربيّة، وتكاد تعتمد عليها بشكل أساسيّ. ويوضّح أنّ الإشكاليّة هنا في كون أنّ الدول المتقدّمة التي تهيمن على صناعة الأخبار والمعلومات وحركة انتقالها لا تعالج بالقدر الكافي قضايا الدّول النّامية وسعيها من أجل تحقيق التّقدّم والاستقرار.

وذهبت الأستاذة أفراح ثابت، في ورقتها، إلى أنّ الإعلام العربيّ قاصر عن التّعامل مع قضايا القرن الأفريقيّ، الأمر الذي أثّر في التّفاعل الإيجابيّ بين العالم العربيّ والقرن الأفريقيّ. وأشارت إلى أن منطقة القرن الأفريقيّ ظلّت مدّة طويلة بعيدة عن دائرة الاهتمام الإعلاميّ العربيّ على الرّغم من الرّوابط التاريخيّة والقرب الجغرافيّ والتأثير الإستراتيجيّ للقرن الأفريقيّ، وانحصر حضور القرن الأفريقيّ في الإعلام العربيّ من خلال الحروب الداخليّة في دوله أو فيما بينها أو من خلال الكوارث الطبيعيّة التي تضرب المنطقة كالجفاف والمجاعات، وظلّت الصّورة الذهنيّة العربيّة المرتبطة بالمنطقة في ذلك الإطار. وانتقدت تركيز الإعلام العربيّ على المنطقة وفق مجرياتِ الأحداث فقط، بمعنى أنّ القرن الأفريقيّ لا يحظى بالحضور في وسائل الإعلام العربية إلّا عند وقوع أحداثٍ ساخنة تكون نالت اهتمامَ وسائلِ الإعلام الغربيّة قبل العربيّة، ولا تخرج تلك الأحداث عادةً عن إطار الأزمات والكوارث لينحسر الاهتمام بها بعد ذلك.

ومن جانبه، اعتبر الأستاذ محمد طه توكل، مراسل وكالة الأنباء القطريّة في القرن الأفريقي، أنّ هناك تغيّبا متعمّدا لقضايا القرن الأفريقيّ في وسائل الإعلام العربية، وهو التفسير الوحيد المقبول في نظره، فلا تكاد منطقة القرن الأفريقيّ تشخص في فضاء الصّحافة العربية وأثيرها وأجهزتها الإعلامية، إلا من خلال المتابعة الغربية والدوليّة لشؤونها.

وقال الأستاذ توكل: لا تطلّ شؤون أكبر دول المنطقة من حيث السكّان، وهي إثيوبيا، في الصحافة المصرية إلا من زاوية الاهتمام المصريّ بمياه نهر النّيل. ولعلّ أكبر مثال لذلك الغياب أو لعلّه التغييب، الاعتذار الذي قدّمته المجلات والصّحف المصريّة لتجاهلها زيارة رئيس وزراء إثيوبيا ملس زيناوي للقاهرة في أيلول/ سبتمبر الماضي والتي تزامنت مع زيارة قام بها للقاهرة في الوقت نفسه رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان.