بدون عنوان

شهد سموّ أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مساء أمس السبت (7 كانون الأول / ديسمبر) حفل الافتتاح الرسمي للمؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث: "قضية فلسطين ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني" الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة خلال الفترة من 7 إلى 9 كانون الأول / ديسمبر 2013. وحضر حفل الافتتاح أيضًا عددٌ من الوزراء القطريين، ورئيس مجلس الشورى القطري محمد بن مبارك الخليفي، إضافةً إلى جمعٍ من الشخصيات السياسية العامّة العربية والدبلوماسيين الدوليين، ولفيف من الباحثين والأكاديميين والناشطين.

وقد حضر سموّ أمير دولة قطر ندوة الافتتاح التي تحدّث فيها كلٌّ من رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي مصطفى بن جعفر، ورئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري، ومقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك، والمفكر السياسي الهندي إعجاز أحمد.

مصطفى بن جعفر
طاهر المصري
ريتشارد فولك
إعجاز أحمد

وقد أكّد رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي مصطفى بن جعفر في كلمته على أنّ القضيّة الفلسطينية لا تزال القضية المركزية للشعوب العربية، وأنّ هذه القضية أساسية في وعي الشعوب العربية التي ثارت ضدّ الأنظمة الفاسدة التي استغلّت القضية دومًا من أجل مصلحتها للبقاء في السلطة وإعطاء الشرعية لاستبدادها بشعوبها بداعي شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" (من أجل تحرير فلسطين).

وأوضح بن جعفر أنّ الثورات العربية ستعطي في النهاية دفعًا مهمًّا للقضية الفلسطينية؛ إذ حرّرت هذه الثورات الإنسان العربي وكسرت حاجز الخوف المستبدّ، وأكّدت أنّ القوّة الحقيقية هي قوّة الشعوب، وبذلك استقرّ في يقين الفلسطينيين وحتى في يقين الإسرائيليين أنّ الاستبداد لن يستمرّ، وأنّ إرادة الشعوب ستنتصر.

ودعا رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي إلى توحيد الصفّ الفلسطيني، وإعادة ترتيب البيت الداخلي، وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة بعيدًا عن التأثيرات الداخلية والخارجية. وبذلك يمكن الوصول إلى صوغ مشروع فلسطيني تحرري يكون فيه خيار المقاومة بالصورة الملائمة للمرحلة، وتفعيل خيار المفاوضات حين تتوفّر ظروف نجاحه في تحقيق الهدف الوطني بتحرّر الأرض والإنسان الفلسطينيَّين. ولخّص فكرة بأن يكون هذا المشروع "مشروعًا وطنيًّا يهدف إلى السلام من دون إلغاء خيار المقاومة".


معركة الشرعية

وقد طرح مقرّر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فولك عدّة نقاط مهمّة في مداخلته؛ إذ أشار إلى أنّ الخيارات التي سعت مختلف القوى الفلسطينية إلى إيجاد حلّ للقضية الفلسطينية عن طريقها آلت جميعها إلى الانسداد أو الإخفاق. وعدّد فشل مختلف المسارات، فمسعى الاعتماد على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة في حلّ القضية لم يعط نتيجة؛ لأنّ إسرائيل لا ترضخ لهذه القرارات، كما أنّ الكفاح المسلّح لم يحقّقه هدف تحرير فلسطين، وجرى التخلّي عنه باستثناء حالات الدفاع عن النفس عند الاعتداءات الإسرائيلية، وبالمثل أيضًا ظلّت المفاوضات الثنائية تراوح مكانها في ظلّ تعنّت إسرائيل التي أطفأت وهج أوسلو كنقطة تحوّل لحلّ القضية بطريقة سلمية لتجعل العملية كلّها جولات مفاوضات متكرّرة في مسار مستمر بدلا من أن تكون حدثًا تاريخيًّا يحلّ القضية.

ورأى فولك أنّ عوامل أربعة تنزع الجدوى عن كلّ هذه الخيارات؛ وهي قوّة إسرائيل على الأرض، والتوسّع الاستيطاني، والانقسام الفلسطيني، والدعم الأميركي اللامشروط لإسرائيل.

ومن هذه المنطلقات، يرى فولك أنّ المشروع الوطني الفلسطيني يجب أن يأخذ اتّجاهًا جديدًا مستفيدًا من تجارب دولية؛ ومنها على الخصوص تجربة النضال ضدّ الميز العنصري في جنوب أفريقيا. وأطلق تسمية "معركة الشرعية" على هذا النهج الجديد الممكن الذي يقوم على تكثيف التحرك الفلسطيني عبر العالم، وبمساندة المجتمع المدني في مختلف الدول من أجل فرض شرعية المطالب الفلسطينية، مستندًا في هذا المقترح إلى أنّ ما أنهى الأبرتهايد في جنوب أفريقيا ليس مراجعة أخلاقية لنظام الميز العنصري لنفسه، ولكنّها ضغط دولي بشأن شرعية استمراره، وبالمثل يمكن لضغط عالمي يكون المجتمع المدني في مقدمته أن يفرض على قادة إسرائيل التوجّه نحو حلٍّ حقيقي وعادل للقضية الفلسطينية قائم على شرعية حقوق الشعب الفلسطيني.

منصة المحاضرين في ندوة حفل الافتتاح
واختُتمت الندوة بمداخلة مهمة للمفكّر السياسي الهندي إعجاز أحمد الذي تحدّث عن موقف الهند الرسمي وحركة التضامن الشعبي من القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنّ موقف الزعيم الهندي الراحل غاندي كان صارمًا في رفض الكيان الصهيوني، وقد استمرّ هذا موقفًا رسميًّا للهند بعد وفاته، وتجلّى ذلك في تصويت الهند ضدّ انضمام الكيان الصهيوني إلى الأمم المتحدة، غير أنّ هذا الموقف شهد تحوّلا في الأربعين سنة الماضية. وظلّ موقف حركة التضامن الشعبي للناشطين والأكاديميين ثابتًا على العهد مع موقف غاندي، إلا أنّ حالة الانقسام الفلسطيني الحاليّة تزرع الحيرة لدى هؤلاء المتضامنين.

وأكّد إعجاز أحمد أنّه على الرغم من حالة الحيرة التي أصابت الحركة التضامنية الشعبية الهندية تجاه الوضع الفلسطيني، فهي لا تزال مؤمنة بأنّ الأسباب والمبررات التي أسّست لموقف غاندي لا تزال قائمة وهي الطبيعة الكولونيالية للكيان الإسرائيلي، واغتصابه الأرض وحرية الشعب الفلسطيني.


لا مشروع فلسطيني من دون وحدة وطنية

وقد انطلقت أعمال المؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث: "قضية فلسطين ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني"، صبيحة يوم السبت (7 كانون الأول / ديسمبر) بمحاضرة لمدير المركز الدكتور عزمي بشارة، تلتها أربع جلسات أكاديمية جرت كلّ اثنتين منها بالتوازي، وتناولت مواضيعها "الكولونيالية الإسرائيلية وسياساتها"، و"الربيع العربي والصراع العربي الإسرائيلي"، و"السياسات الكولونيالية الإسرائيلية وانعكاساتها على المجتمع الفلسطيني"، و"أنماط في تحوّلات حركات المقاومة الفلسطينية".

وصبّت أبرز النقاشات التي أثيرت خلال جلسات اليوم الأوّل في اتّجاه التأكيد على أنه لن يكون من الممكن صوغ مشروع وطني جديد يستجيب لمقتضيات المرحلة والدفع فعليًّا نحو استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، من دون تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية لتكون المرجعية لهذا المشروع مع ضرورة أن يكون بناؤها الجديد على أسسٍ جديدة تأخذ بالحسبان الواقع الفلسطيني، وواقع الاحتلال الإسرائيلي في كلّيته.

واتّفقت أغلب المداخلات على وصف الوضع الحالي للمشروع الوطني الفلسطيني بالمأزق والأزمة في ظلّ الانفصال القائم بين خيارَي المقاومة والتسوية، وهو ما يجعل كلا الخيارين يفشل في تحقيق هدف تحرير الأرض واستعادة حقوق الإنسان الفلسطيني.

حلّلت أوراق الجلسة الأولى من المؤتمر "الكولونيالية الإسرائيلية وسياساتها"، فكشفت محاضرة الدكتور إيليا زريق زيف ادّعاءات الصهيونية بالتمايز عن الكولونيالية الغربية" كونها تعتمد المنطق نفسه في المراقبة وممارسة سياساتها على الجسد الفلسطيني لحماية نفسها وضبط الفلسطيني والتحكّم فيه، مع ملاحظة أنّ التوازن والغلبة الديموغرافية هي العامل الوحيد الذي لم تستطع إسرائيل ضبطه، وما يجري إخراجه من حيوانات منوية من سجناء فلسطينيين إلى زوجاتهم إلا حلقة في فهم هذا الصراع الديمغرافي، وهذا مستوى دقيق جدًّا من المقاومة، ويقدّم تصوّرًا على أنّ فعل المقاومة يكون على مستويات مختلفة تمامًا كما تعمل الرقابة والسيطرة الإسرائيلية.

وقدّمت الباحثة هلال إيلفر مداخلة عن "الأبرتهايد المائي: الاستخدام غير المتكافئ وغير العقلاني بين إسرائيل وفلسطين" تركّزت على الحالة المائية في فلسطين والسيطرة الإسرائيلية على المياه وحرمان الفلسطينيين منها، ومدى الصراع على المياه تحديدًا في المناطق الزراعية التي تقوم حياة الناس وأعمالهم عليها.

وأكّد الباحث الفلسطيني يوسف كرباج في الجلسة الثانية التي خُصّصت لموضوع "السياسات الكولونيالية الإسرائيلية وانعكاساتها على المجتمع الفلسطيني"، أنّ حلّ الدولتين في فلسطين المحتلّة قد يصبح غير ممكن في ظلّ السياسة السكانية الإسرائيلية التي عملت على رفع نسبة المستوطنين اليهود على حساب السكان الفلسطينيين. وأشار إلى أنّ نسبة الخصوبة اليهودية تسير في منحنى تصاعدي منذ عشر سنوات، في الوقت الذي تشهد فيه الخصوبة الفلسطينية تراجعًا ملحوظًا.


فلسطين أحد أسباب الثورات العربيّة والمخابرات الإسرائيليّة "أضاءت مكاتبها"

وقال المفكّر فهمي هويدي إنّ "القضيّة الفلسطينيّة كانت أحد الأسباب الرئيسة التي فجّرت الثورات العربيّة"، وأشار في جلسةٍ بعنوان "الربيع العربي والصراع العربي - الإسرائيلي"، إلى أنَّ الموجة الجديدة من الاحتجاجات السياسيّة التي شهدتها مصر كانت بعد اندلاع انتفاضة الأقصى؛ إذ استطاع الشباب المصريّ التظاهر في ميدان التحرير لأوّل مرة منذ زمنٍ طويل.

من جانبه، قال المفكّر الفلسطينيّ سلامة كيلة إنّ "الثورات العربيّة سوف تؤدّي عاجلًا أو آجلًا إلى انكشاف الدولة الصهيونيّة"، وأضاف أنّ الربيع العربيّ قام ضدّ اقتصادات ريعيّة مرتبطة بالاقتصاد العالمي الإمبريالي، ولا تخدم داخليًّا سوى الأقلّية مقابل تهميش الأغلبيّة في أغلب البلدان العربيّة.

وفي ورقةٍ تحت عنوان "فلسطين والثورات العربيّة في الدراسات الأكاديميّة"، قال الباحث الفلسطينيّ ساري حنفي إنّ أكثر الدراسات والمقالات الأكاديميّة التي تناولت تأثير الثورات العربيّة كان مصدرها مراكز أبحاث وتفكيرٍ أميركيّة، وتأسّف على أنّ "أغلب الدراسات الأكاديميّة العربيّة لم تستطع إنتاج دراسات أكاديميّة بخصوص علاقة الثورات العربيّة بفلسطين"، وهو الأمر الذي يدلّ على الوعي الغربي إزاء هذه المسألة.

ومن جهته، قال الباحث المصريّ المختصّ بالشؤون الإسرائيليّة خالد سعيد إنّ الثورات العربيّة ترافقت مع استمرار تآكل الجبهة الداخليّة في إسرائيل. وأوضح سعيد في ورقته المعنونة "الثورات العربيّة وتحوّلات المجتمع والسياسة في إسرائيل"، أنّ حسني مبارك "ساعد الكيان الصهيوني في توطيد أركانه لمدة ثلاثة عقود"، وأنَّ أثر الربيع العربي وصل إلى درجة مطالبة بعض الكتّاب بتسريع دمج الأقليّة العربيّة في الكيان الصهيوني لمنع انتقال تأثّرها بالثورات العربيّة، وختم سعيد بالقول إنّ أجهزة المخابرات الصهيونيّة قد "أضاءت مكاتبها" من جديد أوّل مرة منذ زمنٍ طويل بسبب الثورات العربية.

وقد تركّزت النقاشات في جلسة أخرى بعنوان "أنماط في تحوّلات حركات المقاومة الفلسطينية" على ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وقد عبّر أحد السياسيين الفلسطينيين في مداخلة له في النقاش عن تحوّلات المشروع الوطني الفلسطيني بالقول: "هل محكوم علينا أن تكون لدينا إمّا إستراتيجية بلا وحدة أو وحدة بلا إستراتيجية" وطالب جميع القوى الفلسطينية بالاتفاق على مشروع موحّد يجمع الثوابت ونقاط الالتقاء ويقوم على تعدّد الإستراتيجيات.

ومن جانبه، أكّد الدكتور محسن صالح على أنّ الاتفاق على مشروع وطني فلسطيني يمرّ عبر التوافق على المشترك بين مختلف الأطراف الفلسطينية، وإيجاد مرجعية واحدة يجري الاحتكام إليها ومحاسبة الجميع على أساسها، معبّرًا عن قناعته بأنّ إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها على أسس جديدة كفيل بتوفير هذه المرجعية.

 

نقاشات ساخنة

شهدت جلسة نقاشية أقيمت مباشرةً قبل حفل الافتتاح الرسمي للمؤتمر بعنوان "قضية فلسطين والمستجدّات العربية والإقليمية"، نقاشات ساخنة بين السياسيين والناشطين من مختلف الدول العربية، وشخصيات عالمية داعمة للقضية الفلسطينية. وقال القيادي في حزب "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية الصادق بوقطاية، إنّ الجزائر لن تقيم علاقات مع إسرائيل فوق الطاولة أو تحتها. ودعا النخب والحكومات العربية إلى تحمّل المسؤولية كاملة تجاه القضية الفلسطينية، كما دعا الفلسطينيين إلى إحياء منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي السياق ذاته، تحدّث النائب في البرلمان المغربي الدكتور حسن طارق، فدعا إلى دعم الجهود الشعبية ومبادرات النخب العربية في خدمة القضيّة الفلسطينية.

وفي المقابل، دعت الأكاديمية والناشطة الأردنية الدكتورة مها الخطيب الحكومات العربية إلى مراجعة سياساتها في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، مؤكّدةً على ضرورة احترام حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية في هذا الإطار.

وأشار السفير المصري الأسبق إبراهيم يسري إلى أنّ الأمّة العربية ما زالت بخير، ولن تتنازل عن حقوقها في فلسطين، معبّرًا في هذا الإطار عن تفاؤله بمستقبل القضيّة.