بدون عنوان

يسر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بوصفه ناشر الكتاب، أن ينشر فيما يلي مقدمة الناشر لكتاب "الرواية المفقودة" لمؤلفه فاروق الشرع:

 

هذا الكتاب

كاتب هذه المذكرات فاروق الشرع. وهو أحد أهم وزراء الخارجية العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق. ويُعدّ كتاب مذكراته هذا الذي يتوقف عند وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد، شهادة تاريخية فائقة الأهمية على الأحداث التي عاشتها سورية ولبنان وفلسطين والمشرق العربي عمومًا، والتي عاشها العالم من منظور هذه المنطقة.

إنّها شهادة كتبها سياسي مثقف قادر على الاجتهاد في فرز الغثّ عن السمين، والشائعة عن الواقعة، والرأي عن الحقائق، ما يُكسبها أهميةً مضاعفةً.

كنّا في طور تأسيس المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بداية عام 2010 حين ألحّ مؤسسه ومديره العام على نائب الرئيس السوري الأستاذ فاروق الشرع أن يكتب مذكراته كوزير خارجية، ويبدو أنّ آخرين فعلوا ذلك بمن فيهم أفراد عائلته. ولم يكن من الواضح أنّنا سوف نصدره بأنفسنا. وبعد حين قرر الدكتور عزمي بشارة أن يكلف المؤرخ محمد جمال باروت، أحد باحثي المركز، بالمساعدة في تحضير الوثائق ومراجعة المحاضر الرسمية التي أتيحت له في حينه، وذلك لإنعاش ذاكرة الكاتب الخصبة.

كان الأمر الأهم بالنسبة إلينا هو أن ينفتح هذا الأرشيف الحي الماثل أمامنا؛ وذلك لمصلحة الأجيال العربية المقبلة، وخدمة للدبلوماسية العربية المستقبلية والسورية بالخصوص، وخدمة للباحثين والمؤرخين أيضًا. وكان همّنا مُنصبًّا على تجربة التفاوض السورية - الإسرائيلية؛ فقد كتب دبلوماسيون وعسكريون إسرائيليون مثل أوري ساغي وإيتمار رابينوفيتش الرواية الإسرائيلية، وكتب دنيس روس ومادلين أولبرايت والرئيس السابق بيل كلينتون وغيرهم الرواية الأميركية. وظلّ الطرف السوري صامتًا كاتمًا روايته، يتكلم الجميع عنه ويلتزم هو الصمت. ومن هنا اقترحنا على الأستاذ فاروق الشرع أن تسمّى هذه المذكرات الرواية «الرواية المفقودة». ولم نحتج إلى إقناعه بأنّ العالم يجب أن يعرف الرواية السورية لما جرى في المفاوضات، وأنّ الدبلوماسية السورية سوف تحتاج إليها في المستقبل للتراكم المعرفي. ولعلّ نائب الرئيس الشرع تريّث ربما ليدرس الأمر مع القيادة في سورية. ولكنه في النهاية وافق على الكتابة، فانطلق المشروع.

كان لدينا تقدير عالٍ لكفاءة فاروق الشرع وقدراته، ولكنه مع ذلك فاجأنا بأسلوب الكتابة الجميل والسلس، والتعليقات الذكية، والقدرة على الملاحظة الحادة وتقييم الشخصيات. كما أنّ الكتاب تضمّن من المعلومات الجديدة والمهمة والتقييمات لها ما فاق تقديرنا. فمن يقرأ هذا الكتاب سوف يخرج أكثر معرفةً بما جرى في المنطقة العربية منذ الثمانينيات من القرن العشرين، مع إلمام بتفاصيل الدبلوماسية وصنع القرار في سورية في الشأن الخارجي، وسوف يخرج أكثر ثقة بعدالة قضية العرب في صراعهم مع إسرائيل التي كانت تفوّت فرص السلام.

وقبل ذلك، عاد الكاتب إلى الطفولة والصبا فكتب خلفية تاريخية للكتاب متواشجة مع سيرته الشخصية. ولم يطلعنا من خلالها على جاذبية العروبة ومعناها بالنسبة إلى مثقف شاب في سورية منتصف القرن الماضي فحسب، وإنما أيضًا على الانقلابات العسكرية، والصراعات على السلطة في سورية وداخل حزب البعث.

كما أنّ الفصول التي يتضمنها الكتاب حول علاقة الرئيس حافظ الأسد بأخيه رفعت، والعلاقة مع العراق وصدام حسين، وبعض تفاصيل العلاقة مع ياسر عرفات والتدخل في لبنان وغيرها، لا تقلّ في أهميتها عن الفصول البالغة الأهمية عن المفاوضات السورية - الإسرائيلية منذ مدريد وحتى فشل لقاء جنيف بين بيل كلينتون والأسد الذي يورد هذا الكتاب الرواية السورية لتفاصيله لأول مرة. وعلى أي حال، فإنّ الأمور التي تُروى هنا لأول مرة أكثر من أن تُحصر في هذه المقدمة.

قد يعلّق قارئ بعد الانتهاء من الكتاب أنّه مفيد فعلًا. ولكن الكثير من الأمور في حياة سورية الداخلية لم يجْر التطرق إليها، ولا سيما ما يتعلق منها بطبيعة النظام وعلاقته بشعبه، كما أنّ هناك أمورًا أخرى كثيرة رويت من زاوية نظر محددة. وعلى هذا نجيب: إنّ الراوي يكتب من زاوية عمل وزير خارجية، وإنّ أهمّ ما يرويه لنا يتعلق بالسياسة الخارجية لبلده، ثم إنّ قيمة العمل تكمن في زاوية نظره؛ فزاوية النظر هذه هي التي تحمل الأسرار والتفاصيل، وهي أيضًا التي تقيمها، ليس من منظور الباحث والمؤرخ، بل من منظور الشاهد المثقف الأمين على شهادته، والذي لا يزوّر رؤيته للأمور. فهو يكتب كما رأى الأمور في حينه، ولكنه لا يبخل على القارئ بتعليقات ذكية حينًا، وتقييمات تتضمن بعض المراجعة حينًا آخر، ومنها مراجعات ذات طابع وجداني.

خذ مثلًا هذه المراجعة التقييمية الشاملة التي وردت في الفصل الأخير من الكتاب: «في الطائرة في طريق العودة من جنيف إلى دمشق يوم 27 آذار/ مارس، قيّمنا ما حدث بعد فترة صمت ليست قصيرة. كانت الطائرة قد أخذت في ارتفاعها الطبيعي بعد الإقلاع، وأصبحت محركات الطائرة أقل ضجة وجناحاها أكثر استقرارًا. كان جوهر التقييم في مفهوم «الرواية القصيرة» أنّ «اللعبة الكبرى» التي بدأها الإسرائيليون كـ «دعاة سلام» والأميركيون كـ «وسطاء نزيهين» قد انتهت وانكشفت. كان لسورية ما يبرر لها اتخاذ السلام خيارًا إستراتيجيًا؛ فالاتحاد السوفياتي انهار منذ مطلع التسعينيات، ولا ظهيرَ مصريًا أو عربيًا منذ معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، ولا عمقَ إستراتيجيًا مع العراق منذ انهيار الميثاق القومي وما أعقبه من حروب عبثية مع إيران والكويت، ولا أثر يُذكر لإعلان دمشق بعد أن ألغي الشق الأمني منه بطلبٍ ملكي. هذا تاريخ حقيقي لا يجوز التلاعب به. وعلى الرغم من كل ذلك، فالمستوطنون الإسرائيليون الذين سرقوا أرض السوريين لن يشعروا بالأمان أبدًا، وهذه أيضًا حقيقة لا يجوز إخفاؤها».

كان هذا الكتاب كاملًا في أيدينا في نيسان / أبريل 2011. ولكننا قررنا التريث وعدم نشره بسبب الأوضاع في سورية. غير أنّ المدة طالت. ومؤخرًا شعرنا أنّه لا يمكن التأجيل أكثر من ذلك في عملية إصدار الكتاب. فنحن لا ندري ما تخبّئ لنا الأيام، ولا يجوز انتظار معرفة ذلك. هذا الكتاب هو كتاب فاروق الشرع، ومن واجبنا ومسؤوليتنا إطْلاع الكاتب عليه. ولذلك قررنا نشره بعد استئذان الكاتب.

وها نحن نضع هذا الكتاب الثمين، وهذه الأمانة بين يدي القارئ.

الناشر

 

 

* يمكنكم اقتناء الكتاب من متجرنا الإلكتروني عبر: https://bookstore.dohainstitute.org/p-593.aspx

أو من خلال إحدى "نقاط التوزيع المعتمدة" في بلادكم والمذكورة في الرابط التالي: https://bookstore.dohainstitute.org/t-Approvednetworkofdistributors.aspx