بدون عنوان

شكّلت قضايا الهوية والحرية في التعليم ونظام التعليم وعلاقته بسوق العمل في دول الخليج العربية محاور رئيسة في الجلسات الأولى لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي انطلقت أعماله اليوم (السبت 5 كانون الأول/ ديسمبر 2015) في الدوحة وتدوم ثلاثة أيام، فيما يقام حفل الافتتاح الرسمي للمنتدى الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تحت رعاية سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في الساعة السادسة من مساء اليوم.


محوران وقضايا متشابكة

 مروان قبلان

استهل منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية أعماله بكلمةٍ افتتاحيةٍ لرئيس لجنة تنظيم المنتدى الدكتور مروان قبلان، قال فيها إنّ فكرة المنتدى نشأت بعد النجاح الذي حققه المؤتمر الثالث لمراكز الأبحاث الذي عقده المركز العربي في كانون الأول/ ديسمبر 2014، وكان موضوعه "دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية". كما جاء إطلاق المنتدى بناءً على طلب العديد من المشاركين الذين أبدو رغبة وحماسة في إنشاء منبر أكاديمي وفكري وثقافي خليجي يجمع نخب الخليج الأكاديمية والفكرية ضمن هامش حرية معقول؛ لمناقشة مختلف القضايا التي تواجهها منطقة الخليج العربية.

وأوضح قبلان أنه تقرر أن يشمل المنتدى سنويًا محورين اثنين، أولهما متغير يخصص لقضية داخلية مهمة يجري تناولها بطريقة أكاديمية رصينة، وثانيهما ثابت كل عام ويتصل بقضايا البيئة الخارجية لمنطقة الخليج (أي قضايا الأمن والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية) نظرًا للتغيرات المتسارعة التي تطرأ عليها، وبخاصة في السنوات الأخيرة، ولأنّ أحد الأهداف الأساسية لإنشاء هذا المنتدى هو تناول هذه القضايا بالبحث والدراسة والتحليل.

وعن الاعتبارات التي حفّزت المنتدى على اختيار قضية التعليم في دول الخليج العربية موضوعًا للمحور المتغير في أولى دورات المنتدى، قال الدكتور مروان قبلان: "يعدّ التعليم من أكثر التحديات التي تواجهها دول الخليج العربية إلحاحًا، وأكثرها حضورًا في خططها التنموية، ويمثّل الإنفاق على التعليم، سواء أكان بنية تحتية أم استثمارًا في الإنسان، جزءًا كبيرًا من موازنات هذه الدول. مع ذلك، نحن لا نعرف تمامًا مخرجات العملية التعليمية وما زلنا لا نملك أو لا نعتمد أدوات لقياس مردود التعليم وأثره في عملية تنمية المجتمع". ولذلك، ونظرًا لأهمية الموضوع البالغة في حياة دول مجلس التعاون ومجتمعاتها، اختار المركز العربي طرحه أمام الخبراء والمهتمين لمناقشته، وتقديم ما من شأنه المساهمة في نهضة أمتنا وتنمية مجتمعاتنا عبر الخروج بأفكار ومقترحات مهمة في هذا القطاع الحيوي.

وشدّد على أن قضية "التعليم" التي اختيرت هذا العام ضمن المحور المتغير للمنتدى لا تنفصل في الحقيقة عن القضايا التي يجري تناولها في المحور الثابت المتعلق بالبيئة الخارجية لمنطقة الخليج والتي تشمل قضايا الأمن والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية. وقال إنّ هذه التحديات، وإن كان يمكن الفصل بينها نظريًا، فإنه لا يمكن القيام بذلك عمليًا؛ فمن دون النهوض بالتعليم في عالم متغير تتنافس فيه الأمم لجهة الفكر والتعليم وتحقيق الإنجازات في ميادين المعرفة والتطور التقني، لا يمكن مواجهة التحديات والتهديدات والمخاطر التي تفرضها عوامل مختلفة في البيئة الخارجية سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو غيرها.


اللغة والهوية العربية يجب أن تستعيد مكانتها

 عبد الله البريدي

خصصت الجلستان الأكاديميتان الأولى والثانية في محور التعليم لعرض واقع العملية التعليمية في دول الخليج العربية والتحديات التي تواجهها. وتحدّث في الجلسة الأولى الدكتور عبد الله البريدي عما أسماه "المأزق الهوياتي في مؤسسات التعليم الجامعي الخليجي: الهجرة نحو الإنكليزية". وأشار فيها إلى أنّ ثمة شواهد وممارسات مستفيضة ودالة على حقيقة وجود "هجرة نحو اللغة الإنكليزية في السياقات البحثية والتدريسية في العلوم الإدارية والاقتصادية في مؤسسات التعليم العالي الخليجي". وأوضح أنّ هناك عددًا كبيرًا من كليات الإدارة والأعمال والاقتصاد تتبنى الإنكليزية لغةً للتدريس ومجالًا للبحث العلمي، ولم يكن ذلك مقصورًا على الكليات الخاصة، وأنّ هذا الوضع لا يقتصر على العلوم الإدارية والاقتصادية وحدها، بل يشمل تخصصات أخرى مندرجة ضمن العلوم الاجتماعية والإنسانية، فقد حولت - على سبيل المثال - بعض الجامعات الخليجية التدريس نحو الإنكليزية في تخصصات كالإعلام والاتصال الجماهيري.

ودعا الباحث إلى ضرورة الإسراع في مراجعة الممارسات العملية التي تبنت اللغة الإنكليزية في التدريس والبحث العلمي في جميع مؤسسات التعليم العالي، المنتمية للعلوم الاجتماعية والإنسانية في الدول الخليجية، مع وضع خريطة طريق للتصحيح بإعادة الاعتبار للغة العربية في أقرب فرصة ممكنة، وعدم السماح لبعض المسؤولين في تلك المؤسسات بالعبث بهوية الأمة ومستقبلها.

وتناول الدكتور عبد الهادي العجمي في ورقة عنوانها "التعليم وحرية البحث العلمي: الدراسات التاريخية في دول الخليج العربية بين المحظور السياسي والديني" مسألة الحرية الأكاديمية. وأشار إلى أنّ الفترة الماضية شهدت نموًا متزايدًا في ابتعاث المجتمعات الخليجية لأبنائها إلى الخارج للدراسة ونيل الدرجات الأكاديمية، ومن ثم العودة للتدريس في الجامعات والمؤسسات التعليمية الوطنية. وعلى الرغم من الإثراء والإنتاج المعرفي الذي أضافه الأكاديميون الذين قدّموا للمؤسسات التعليمية في الخليج عددًا كبيرًا من المؤلفات والدراسات بخاصة في مجال الدراسات التاريخية، فإنّ هذا الجانب الإيجابي تواجهه اليوم إشكاليات وتحدّيات مختلفة هددت القدرة على إنجاز ما كان متوقعًا. وبحسب الباحث، يمكن تحديد عدد من هذه التحديات، وأهمّها تصادم الأكاديميين بالمحظور الديني والسياسي؛ فالكتابة التاريخية حسب الباحث تصبح حقلًا شائكًا حينما تتعلق بموضوعات تتناول أشخاصًا أو أحداثًا ذات حساسية.

موضوعات منتدى الخليج استقطبات مشاركات من الباحثين الخليجيين والعرب والأجانب

وأضاف الباحث أنّ الكتابة التاريخية في منطقة الخليج تعيش أزمة حقيقية، مشددًا على أنه لا تقدّم في العلم إلا بتوافر الحرية؛ فالبحث العلمي يكون حيث تكون الحرية والإبداع، ولا يوجد بحث علمي حقيقي بلا حرية فكرية بعيدًا عن المحظورات السياسية والدينية والرقابة السلطوية والجهات التي تتصف بضيق الأفق. فحظر كتبٍ بعينها، أو ضرورة الحصول على تصاريح، بل رفض بعض الإنتاجات الفكرية لأنّها لا تتفق ورؤية الجهات الرسمية والسياسية أو بعض الشخصيات الدينية لها، سيجعل المجتمعات الخليجية مجتمعاتٍ منغلقة فكريًا ومتأخرة علميًا، وسيصنع أجيالًا غير قادرة على تقبّل الآخرين، ويخلق نمطًا ثقافيًا قاصرًا بعيدًا عن إنتاج القيم والأنساق الفكرية.

وقدمت الباحثة كلارا مورغان ورقة تحت عنوان "دور خطاب الجودة التربوية في دول مجلس التعاون: المقارنة بين حالتي الإمارات العربية المتحدة وقطر"، ودعت فيها إلى تطبيق مناهج دراسة ممارسات الجودة التعليمية المعتمدة عالميًا في مساءلة إدارة الأنظمة التعليمية وتوجيهها.


تجربة التعليم في قطر تحت المجهر

هند المفتاح

شملت الجلسة الثانية لمنتدى دراسات الخليج في محور "التعليم" والتي ترأسها الدكتور خالد الجابر أربع أوراق بحثية مهمة، تمحورت ثلاث منها حول العملية التعليمية وتنظيمها ومخرجاتها في دولة قطر، فيما تناولت الورقة الرابعة التعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وقدّمت الدكتورة هند المفتاح في ورقتها التي حملت عنوان "التعليم وسوق العمل في قطر وجهان لعملة واحدة" نقاشًا تفصيليًا بالأرقام والإحصائيات لواقع العلاقة بين التعليم وسوق العمل في قطر. وأكدت أنّ دولة قطر شهدت عدة تغييرات جذرية في تركيبتها السكانية وخصائصها الديموغرافية خلال العقود الماضية، الأمر الذي انعكس جليًا في تضاعف النموّ السكاني وتميّزه بتركيبة سكانية شاذة خلال العقود الأربعة الماضية، وفي إحداث خلل في تجانس سوق العمل. وأرجعت الباحثة ذلك إلى أنّ قطر، مثل باقي دول الخليج، انتهجت سياسةً أو نمطًا تنمويًا تجسَّد في إغراق أسواقها بالعمالة الوافدة التي تتضاعف عبر الوقت، بغضّ النظر عن جودة مهاراتها وكفاءتها ومدى توافقها مع الاحتياجات الفعلية للتنمية، حتى انتهت إلى أنّ أكثر من 88% من قوة عملها من العمالة الوافدة؛ 70% منها من العمالة غير الماهرة في القطاع الخاص. ورأت الباحثة أنّ مبادرات الإصلاح والتطوير وما رافقها من إجراءات تصحيحية في قطاعَي التعليم وسوق العمل، والتي انتهجتها قطر من أجل بناء قوة عمل كفؤة قادرة على قيادة اقتصاد المعرفة المأمول وفقًا لرؤية قطر الوطنية 2030 وإستراتيجيتها التنموية الأولى (2011-2016)، لم تتمكّن بعد مضيّ أربع سنوات على إطلاقها من المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات اقتصاد المعرفة. ذلك أنّ معضلة التعليم الرئيسة في قطر قد تتجسد في عدم اتساق مخرجات التعليم العام وتوافقها مع متطلبات التعليم العالي، والذي بدوره يمثّل صعوبةً وتحدّيًا في توافق مخرجاته مع متطلبات الاقتصاد وسوق العمل.

غازي الرشيدي

وقدّم الدكتور غازي الرشيدي تقييمًا لآثار تجربة تغيير نظام التعليم في قطر والكويت، من خلال ورقته بعنوان "التغيير التربوي في نظام التعليم العام في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية: المدارس المستقلة في قطر ومدراس المستقبل في الكويت نموذجًا". ورأى الباحث أنّ "مبادرة تطوير التعليم في دولة قطر" كانت عند إطلاقها في عام 2004 مبادرة رائدة، وارتكزت على التحول من نظام المدارس الحكومية إلى مدارس مستقلة على مراحل. وارتكزت تلك المبادرة على أربعة مبادئ، هي: الاستقلالية، والمحاسبية، والتنوع، والاختيار.

وبناءً على هذه المبادرة، قال الرشيدي إنه جرى تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس مستقلة تتمتع بكثيٍر من الاستقلالية في الصلاحيات، ودُعمت بكثير من الموارد البشرية؛ المادية، والفنية، والمالية. وجرى تحويل المدارس الحكومية إلى مستقلة على مراحل استغرقت سبع سنوات. وكشف في مداخلته عن التراجع الواضح عن مبادئ المبادرة. وأشار إلى أنّ عملية إدارة هذا التغيير الجذري، في نظام التعليم القطري، تعاني تحديات عدة أبرزها: ضعف مستوى بعض القيادات المدرسية، وضعف إدارة عملية التغيير. وقال الباحث إنّ فهم عملية التغيير يحتاج إلى فترة زمنية كافية، وممارسة للبرنامج المطبّق؛ حتى يمكن استيعاب أهدافه وغاياته، وقد لا يتحقق هذا التجديد لكثير من المتعاملين معه. ودعا المجلس الأعلى للتعليم، وهو الهيئة المشرفة على العملية التعليمية في دولة قطر، إلى العودة إلى المبادئ الأولى التي تأسست عليها مبادرة تطوير التعليم، مؤكدًا أنّ الفكرة كانت ناجحة في البداية، ولكن التراجع المتواتر عن المبادئ المؤسسة أعاد نظام التعليم في قطر إلى الخانة الأولى، وعادت وزارة التعليم مرة أخرى بعد أن كانت مبادرة تطوير التعليم تقضي بإلغاء الوزارة وإعطاء استقلالية فعلية للمدارس.

وحاول الدكتور سامي التميمي في ورقته "قياس عائد الاستثمار الحكومي في قطاع التعليم في قطر" تسليط الضوء على قياس العلاقة الكمّية بين عوائد دخل العاملين القطريين وسنوات الدراسة التي قضوها في قطاع التعليم وسنوات الخبرة اللاحقة في سوق العمل، وذلك من خلال تطبيق نموذج جايكوب مينسر البسيط والموسّع، مستخدمًا البرنامج الحاسوبي EViews-7 على بيانات استخلصها الباحث من البيانات التي تضمّنها تعداد السكان في قطر عام 2010. وتوصّلت الدراسة إلى نتيجة مهمة، وهي تدنّي معدلات العائد من التعليم، والذي قدّر بـ 0.65% - وفقًا للنموذج البسيط – وتدنّي معدلات العائد بحسب مراحل التعليم: 0.65% للتعليم الابتدائي، و0.54% للتعليم الإعدادي، و1% للتعليم الثانوي، و1.40% للتعليم الجامعي، ما ينبئ بوجود خللٍ في العلاقة بين قطاعَي التعليم والتدريب من جهة وسوق العمل من جهة أخرى. وخلص الباحث في نهاية مداخلته إلى ضرورة دعوة المخططين والمعنيين ربط التعليم والتدريب وسوق العمل من خلال إنشاء مركز تخصصي للتوجيه والإرشاد النفسي، تحت إشراف المجلس الأعلى للتعليم أو جامعة قطر.

جانب من جلسات المنتدى

وفي ورقة بعنوان "واقع التعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة: الطموحات والتحدياتأشارت الباحثة كريستين كاموي إلى أنّ التعليم العالي في الإمارات، ومؤسساته وهيئاته التدريسية وطلّابه والقائمين على ضبط جودته، ذو طابعٍ دولي ومحلي في الوقت نفسه. ويوجد اليوم أكثر من 40 مؤسسة تعليمية عالمية في الإمارات. ومن أصل 102 مؤسسة، هناك ثلاث منها فقط اتحادية تموّلها الدولة. وأوضحت الباحثة أنّ ضبط الجودة تقوم به هيئاتُ اعتمادٍ دولية وهيئاتٌ حكومية، كما أنّ السواد الأعظم من الأكاديميين أجانب. ويفضّل الطلاب المؤسسات الخاصة، مع أنّ أغلبية المواطنين تعمل في مؤسساتٍ اتحادية. وتشير نتائج الدراسة إلى أنّ لسمات قطاع التعليم هذه آثارًا ينبغي تقصّيها.

وشهدت الجلستان نقاشات مستفيضة بمشاركة الحاضرين من الفاعلين في قطاع التعليم من مختلف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومن دول عربية أخرى. كما شهد اليوم الأول للمنتدى حضورًا كبيرًا، أبرز الاهتمام الكبير للجمهور المتخصص والعامّ بموضوع التعليم في الخليج.

يُذكر أن رئيس لجنة تنظيم منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الدكتور مروان قبلان أوضح أنّ المنتدى يعدّ منصةً لنقاشات عميقة ورصينة بشأن القضايا المحورية التي تهمّ منطقة الخليج والجزيرة العربية، ويتفرّد في هذا الإطار بوصفه يطرح هذه القضايا من منظور أكاديمي صرف، ويتيح للأطراف المشاركة كافة تقديم وجهات نظرها حولها. كما يتميز المنتدى بمخرجاته المهمة التي تتمثل في البحوث المعدّة للمشاركة فيه، والتي يقدّم بعضها تحليلًا معمقًا لحالات واقعية بعينها. ويعتزم المركز العربي إصدار كتاب في أعقاب كل دورة من دورات المنتدى يضم نخبةً من الأوراق البحثية المقدّمة.

حضور كبير للباحثين والخبراء والمهتمين