بدون عنوان

الدكتور خلدون النقيبغيّب الموت يوم الثلاثاء في 26 نيسان/أبريل 2011 المفكر وأستاذ علم الاجتماع السياسي خلدون النقيب إثر أزمة قلبية عن عمر يناهز 70 عاماً، وكان النقيب أستاذاً لعلم الاجتماع السياسي في جامعة الكويت، بالإضافة إلى كونه رئيساً لمجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة.

وقد نعى المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الفقيد، وقال في حديث إلى الجزيرة نت "لقد كان النقيب باحثاً ومثقفاً كبيراً وانتخب رئيساً لمجلس إدارة المركز العربي بالإجماع في أولى جلساته". ووصفه بالقول إنه كان "باحثاً وأستاذاً رصيناً مخلصاً لمعايير البحث العلمي ولطلابه، ومواطناً عربياً عروبياً ديمقراطياً ومتنوراً، وأنتج من الأبحاث ما سوف يغني المكتبة العربية طويلاً".

واعتبر عدد كبير من المفكرين والأكاديميين العرب وفاة النقيب "خسارة فادحة للحياة الأكاديمية والعلمية العربية في هذا الظرف المتميز عربيا، كونه واحداً من كبار علماء الاجتماع العرب الذين أغنوا المكتبة العربية ببحوثه ودراساته التي خصصها لعلم الاجتماع السياسي في دول الخليج والكويت تحديداً، وأنتج دراسات متميزة عن الدولة والقبيلة والانتخابات". 

سيرة وإنجازات

ولد الدكتور خلدون النقيب في 16 أيلول (سبتمبر) 1941 في الكويت، ويعتبر من أبرز المثقفين وعلماء الاجتماع العرب، وله عدد من الإصدارات الفكرية ذات البعد الاجتماعي والسياسي، كما كتب مقالات أسبوعية في عدد من الصحف الخليجية والعربية. وقد حصل النقيب على البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة القاهرة في عام 1963، والماجستير في علم النفس الاجتماعي من جامعة لويسفيل الأميركية عام 1969، ثم الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة تكساس في عام 1976.

شغل منصب مساعد عميد، ثم عُين عميداً لكلية الآداب في جامعة الكويت مرتين: في سنوات 1978 - 1981 و1986 - 1992، ليكون بذلك أول كويتي يشغل هذا المنصب، وشغل منصب رئيس قسم الاجتماع في سنتي 1991 و1992، وأسس ثم ترأس بين عامي 1983 و1986 نشرة العلوم الاجتماعية (النشرة الإنجليزية). وأسس مجلة "حوليات كلية الآداب" عندما تولى عمادة كلية الآداب، وانضم إلى أسرة كُتّاب جريدة "القبس" منذ عام 1985 حتى نهاية التسعينات.

أدخل خلال عمله الإداري برامج الإرشاد والتوجيه الطالبي إلى جامعة الكويت، وشارك في عدد من اللجان الأكاديمية، كاللجنة الاستشارية لمدير جامعة الكويت (1986)، ولجنة توحيد معاهد إعداد المعلمين (1987)، واللجنة التنفيذية لإنشاء كلية التربية (1980)، فضلاً عن عضويته الدائمة في اللجنة التي تعد لإنشاء برامج للدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت. وكان عضواً في المجلس التنفيذي للجمعية الدولية لعلم الاجتماع (إسبانيا) منذ سنة 1988، وعضو الجمعية العربية لعلم الاجتماع منذ سنة 1985، وعضو أكاديمية نيويورك للعلوم، وشارك في لجنة  التحكيم لجائزة سعاد الصباح في سنة 1991، ولجنة تحكيم جائزة السلطان عويس في العلوم والدراسات الاجتماعية في سنة 1992، كما شغل عضوية مجالس تحرير "المجلة الدولية لعلم النفس الاجتماعي التطبيقي" (جون وايلي) التي تصدر باللغة الإنجليزية. ونال في سنة 1992 جائزة «كونا» للإبداع الصحافي عن دراسته: "تحليل المؤشرات الإحصائية والسياسية لانتخابات أكتوبر في الكويت" وهي من جزئين.      

 مؤلفاته الأكاديمية وإسهاماته المعرفية

للفقيد عدد من البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات العلمية، وله كتب عدة منشورة هي: "دراسات أولية في التدرج الطبقي الاجتماعي في بعض الأقطار العربية" (1980)؛ ثم "تساؤلات حول بعض الملامح الخاصة بالمجتمع العربي وتاريخه" (1981)؛ "المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية (1987)؛ "ثورة التسعينات: العالم العربي وحسابات نهاية القرن" (1991)؛ "الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر" (1991)؛ "الأزمة الدستورية في العالم العربي: العلمانية والأصولية وقضية الحرية" (1994)؛ "صراع القبيلة والديمقراطية: حالة الكويت" (1996)؛ "في البدء كان الصراع: جدل الدين والأثنية، الأمّة والطبقة عند العرب" (1997)؛ "آراء في فقه التخلف: العرب والغرب في عصر العولمة" (2002). 

من أهم بحوثه "التنبؤية لآراء ابن خلدون"؛ "الخليج بعد الأزمة: رؤية مستقبلية" (1991)؛ "التركيب السكاني وسياسة القوى العاملة" (1991)؛ "نموذج الدول النفطية: تجارب الدول الخليجية وليبيا في تحقيق الرفاهية الاجتماعية وأهم التحولات المعاصرة وأثرها على هذا التوجه" (2005). كما كانت له مساهماته الصحافية التي نشر عبرها مقالاته ودراساته مثل دراسته عن "الثقافة العربية أمام تحديات القرن المقبل"، و"المشكل التربوي والثورة الصامتة: دراسة في سوسيولوجيا الثقافة" و"اطار استراتيجي مقترح للتنمية العربية" و"الرعاية الاجتماعية في الميزان"، علاوة على دراسات نشرها في جريدة "القبس" الكويتية بعنوان "قضايا القبس الملتهبة". 

رائد عربي في علم الاجتماع

يعتبر خلدون النقيب أحد أهم العلماء العرب في علم الاجتماع، وكانت له مواقفه الفكرية اللصيقة بأحوال المجتمع العربي وقضاياه. وتميز النقيب باستعراضه العديد من الأحوال السياسية في العالم العربي، فكتب عن التقهقر والتأزم السياسي العربي، وشيوع عقلية "البازار" في السياسة العربية التي تجعل من كل شيء قابلاً للبيع والتفاوض، وكتب عن بنية الدولة التسلطية في المشرق العربي، وإضعافها التنمية والحياة الإنسانية في المجتمع العربي.

كما ناضل ونافح كثيراً عن فلسطين، وكان له موقف فكري لا يهادن أمام الصهيونية واسرائيل، فضلاً عن آرائه السياسية الجريئة، فكتب في القبس في سنة 1992 موضحاً أن دخول القوات الغربية إلى المنطقة لا يهدف إلى دعم المؤسسات الشرعية والدستورية الديمقراطية في بلدان الخليج، بل إلى السيطرة المصلحية للغرب على ثروات المنطقة.

بالإضافة إلى تنبهه وتحليله الواعي للنظام العالمي الجديد، كتب بطريقة علمية تجريبية تبين ملامح الاستغلال والغزو الرأسمالي والعولمي الجديد لبقية العالم، كما في كتابه "آراء في فقه التخلف: العرب والغرب في عصر العولمة" وغيرها من كتاباته.   

أسس النقيب "سوسيولوجيا خليجية" تتبنى معالجة المشاكل البنيوية العميقة في هذه المنطقة. فكتب عن  العقلية الصراعية، وعقلية القبيلة "المحدّثة"، وعقلية الاستبداد الأبوي التي تورث التسلط في مؤسسات المجتمع وأرجائه، والعلل التي تضعف المواطنة، والممارسة المدنية في الدولة العربية الحديثة، كما بحث بعمق المشكلات الخليجية المتعلقة بمفاهيم مثل "القبيلة" و"الديمقراطية" و"الدولة الريعية"، كما جاء في كتابي "الديمقراطية والقبيلة: حالة الكويت"، و"المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية من منظور مختلف". وتعرض النقيب إثر الكتاب الأخير للتوقيف والمحاكمة بتهمة "قلب نظام الحكم" ولكن أطلق سراحه فيما بعد بكفالة.

كان النقيب على الدوام ذلك المفكر الحر الذي صرف حياته في العمل والإنتاج والبحث الدؤوب والتعليم الأكاديمي حتى يوم وفاته.

الدكتور وجيه كوثراني  يؤبّن  الفقيد

أخي العزيز عزمي،  

 نزل عليّ خبر وفاة الصديق خلدون النقيب صدمةً مفاجئة وموجعة.. كنت قد تعرّفت عليه في مناسبات عابرة، ومن خلال قراءات لبعض أعماله المتميّزة والرائعة ومنها "الدولة التسلطية"، لكن اللقاءات الأخيرة معه وفي إطار اجتماعات المركز العربي، والتي كان لك الفضل في إعدادها وتهيئتها، حفرت في قلبي وعقلي صورته الجميلة والحميمة.. كنت فعلاً أشتاق للقائه في الدوحة، كنت مأخوذاً بهدوئه الجاذب والدالّ أكثر من الكلام.. بل عندما كان يتكلم وباختصار شديد، كان كلامه ينزل حيث يجب.

ربّما كنت أبحث عن قرِين أو مِثال، لذا أشعر أني فقدت شيئاً من نفسي.

هل كان يجب أن يتجاوز هذا الإنسان قدر الموت، ليشهد في "الثورة العربية الكبرى" الراهنة، التي تستحقّ هذا الاسم بجدارة وليست "الأخرى"، مسار انهيار ما وصفه من أوصاف الدولة التسلطية العربية؟

ترى هل اطمأنّ للبداية، فتفاءل، فرحل؟ أم ماذا؟ لا أدري أهي غاية الحتميات التاريخية أو مفاجأة التاريخ أو سرّ العناية الإلهية؟

في آخر مرة ودّعني وودّعته في مطار الدوحة، مساء يوم 19 آذار/مارس، هو نحو الكويت، وأنا نحو بيروت، كان الموعد أن نلتقي قريباً على درب مشاريعك الكبرى والكثيرة.. أخي عزمي.

عزائي وعزاؤك وعزاء كل الأصدقاء أنّ أفكار خلدون لا تموت.

وجيه كوثراني

الدكتور كمال عبد اللطيف يؤبن الفقيد خلدون النقيب

الأخ العزيز عزمي بشارة

تحية مودة واعتزاز، وبعد،

صُعقت بخبر وفاة العزيز خلدون النقيب، ولم أستطع تمثّله ، وتذكّرت لقاءَنا الأخير في اجتماعنا الأوّل للجائزة الذي انعقد في الدوحة. واستحضرت في ذهني كلّ ما كان يتمتّع به من خصال جميلة، تضفي على حضوره سماتٍ متميّزة في لحظات تقديم الرأي، و لحظات اتّخاذ المواقف، وقد كان يحرص على أن يكون مؤدّبا ولبقا مع الجميع وهو يدير ،بابتسامة مشفوعة بالحكمة، جلستنا الأولى المتعلقة بالترتيبات اللاّزمة لمشروع الجائزة.

تذكّرت أيضا، أعماله المتميّزة في الاجتماع السياسي ودراسته الهامة  في موضوع تسلطيّة الدولة العربية، وأدركت من خلال أحاديثنا ،على هامش الاجتماع، أنّ التفكّك الذي تعرفه الدولة العربية التسلّطية اليوم بفعل الثّورات العربية المشتعلة في أكثر من ميدان عربي، يتمم مشروعه في نفي الدولة المذكورة، ذلك أنّ تشخيصه للبعد التسلّطي في دولنا كان يروم التمهيد ،بطريقته الخاصة، للحدث الذي يعمّ الآن فضاءات المدن والقرى العربية.

أقول لم أستطعْ تمثّل الخبر، فهل فقدنا فعلا الأخ خلدون النقيب؟ أعرف أنّ المصاب كبير، وأعود لأعزّيَ النّفس وأعزّيكم في الرّاحل.

د. كمال عبد اللطيف