بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الثالث والعشرون (شتاء 2018) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، وقد تضمّن مجموعة متنوعة من الدراسات ومراجعات الكتب في مختلف الحقول الاجتماعية. قدّم هذا العدد ثلاث قراءات في السوسيولوجيا التاريخية لموضوعَي الطائفية والاستبداد، ودراستين تناولتا جانبين مختلفين من أوجه الهيمنة الذكورية، إضافة إلى مناقشات لمواضيع وكتب مختارة حديثة، كان أبرزها ظاهرة الانتحار. وتضمّن كذلك لوحات مختارة بريشة الفنان الفلسطيني بشّار الحروب، من مشروعه "شاشة صامتة"، يشتبك فيها الفنان مع التاريخ والسياسة والإعلام والمأزق الوجودي والشرط الإنساني؛ بوصفها مداخل فنية لقراءة مصير النفس الإنسانية واحتراقها وعذابها الداخلي. وقد وظّف الفنان المفارقة البصرية والألوان الفاقعة والسخرية السوداء؛ لشحن فضاء اللوحة بأسئلة تتعلّق بالبؤس والقتل على الهوية والحرب التي تشهدها البلاد العربية.

ثلاث دراسات في السوسيولوجيا التاريخية

تصدّر باب "دراسات وأبحاث" بحثٌ لعزمي بشارة، وهو فصل في كتاب للمؤلِّف سيصدر قريبًا حول ظاهرة الطائفية، بعنوان الطائفة والطائفية: من اللفظ ودلالاته المتبدّلة إلى المصطلح السوسيولوجي التحليلي، يتتبّع التطور اللغوي والسوسيولوجي والتاريخي لمصطلح "الطائفية"، ليميّز بينها وبين ظواهر تاريخية أخرى؛ مثل الطائفة والمذهبية والفرقة، ويدرس ما يتعلق بها من مفاهيم أخرى؛ مثل الهوية والانتماء والاختلاف والتعصب. ويتوصّل بشارة عبر منهجية تاريخانية إلى اعتبار "الطائفية" مصطلحًا حديثًا، في حين أنّ "الطائفة" مصطلح قديم، مقارنًا بين تطور الظاهرة والمصطلح في سياق الفكر العربي الحديث من جهة، وبروزها في السوسيولوجيا الغربية الحديثة من جهة ثانية.

وفي ثاني دراسات هذا العدد خصّ الباحث في الاقتصاد السياسي رايموند هينبوش عمران بدراسة عنوانها: "مقاربة في علم الاجتماع التاريخي لفهم التباين في مرحلة ما بعد الثورات في البلدان العربية"، وهي دراسة تستطلع مقاربات علم الاجتماع التاريخي لفهم مسارات بناء الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من أجل بناء نموذجٍ يفسّر نتائج الثورات العربية في تونس ومصر وسورية. واستند هينبوش إلى التعريف الفيبري للمصادر المختلفة للسلطة (الكاريزما، والأبوية الوراثية) لفهم التطور البنيويّ بالنسبة إلى السُلطة من جهة، والمعارضة من جهة ثانية، والعلاقة الجدلية بينهما من جهة أخرى، متحدّيًا بذلك ما قدمته نظريات الانتقال الديمقراطي من نماذج تفسيريّة. واقترحت ورقة هينبوش، بناءً على هذه المقدمات، نموذجًا تفسيريًّا يساعدنا على فهم ثلاث دراسات حالة نموذجية ممثلة للنتائج المتباينة؛ هي: الانتقال الديمقراطي في تونس، وعودة الحكم الاستبدادي في مصر، والدولة الفاشلة في سورية.

وفي بحثٍ بعنوان "الثورة وتاريخ الهامش في مصر: محاولة في علم الاجتماع التاريخي مع الإشارة إلى الحالة التايلندية"، استند الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هاني عوّاد إلى أدوات علم الاجتماع التاريخي، لمقاربة التشكل التاريخي للنخب السلطوية في مصر، وذلك من خلال دراسة العلاقة التاريخية بين الدولة الحديثة في مصر والهامش، مجادلًا بأن فقر التجربة السياسية للأطراف في مصر أدى إلى هامش واسع لتغول السلطة المركزية، وإلى التأثير في مسار الثورة المصرية وفي مخرجاتها. وقارن عوّاد بين التطوّر التاريخي للسياسة في مصر وفي بلدٍ آخر هو تايلند، مستنتجًا أنّ تاريخ الإقصاء في مصر أدى إلى خلق هوة بين شرائح اجتماعية واسعة والمجال السياسي العام، وأنّ هذه الشرائح دفعت إلى تفادي الدولة عوضًا عن مواجهتها، وإلى مفاوضة البيروقراطية وشبكاتها الزبائنية في حقوقها بطرقٍ غير رسميّة.

دراستان عن الهيمنة الذكورية

في باب "دراسات وأبحاث"، نشرت عمران أيضًا بحثين مختلفين عن أوجه الهيمنة الذكورية وموقع النساء في شبكة العلاقات الاجتماعية المعاصرة. وقد تضمّن بحث عزه شرارة بيضون، المختصّة في شؤون المرأة والجندر، منظورًا فريدًا لمعالجة العنف الأسريّ في لبنان؛ في قراءة سوسيولوجية لروايات الجناة أنفسهم: الرجال. وقد تضمنت الدراسة التي جاءت بعنوان "العنف الأسريّ في روايات رجال يتكلمون: الاستنتاجات وتضميناتها العملية"، شهادات أحد عشر رجلًا مارسوا العنف تجاه زوجاتهم؛ وذلك في مقابلات فردية معمقة تكلموا فيها عن أحوالهم التي أفضت بهم إلى المثول أمام القضاء نتيجة شكاوى زوجاتهم ضدهم. وبناءً على هذه الشهادة، تخرج بيضون باستنتاجات مؤسِّسة لتوصياتٍ عملية تساعد على تطوير العلاج النفسي للجناة، وتقويم الممارسات القضائية في قضايا العنف الأسريّ، والمساهمة في رفد المنظمات والحركات النسائية بمعرفة نظرية معمقة حول العنف ضد المرأة.

وفي جهدٍ نظريّ يندرج في الموضوع نفسه، قدّم أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن طفيل في المغرب خالد شهبار سجالًا، بين ثلاثة علماء اجتماع وأنثروبولوجيين، يفحص تواطؤ النساء في إعادة إنتاج السيطرة الذكورية. وفي مقاله الذي جاء بعنوان "سجال سوسيو أنثروبولوجي حول مساهمة النساء في إعادة إنتاج السيطرة الذكورية"، ناقش شهبار المساهمات النظرية الأنثروبولوجية الفرنسية الأساسية في معالجة موضوع الهيمنة الذكورية، من خلال إجراء نقاشٍ نقديّ بين موريس غودلييه صاحب كتاب صناعة الرجال الكبار، ونيكول كلود ماثيو مؤلفة كتاب علم التشريح السياسي: تفييئات وأيديولوجيات الجنس، وبيير بورديو صاحب كتاب السيطرة الذكورية.

ترجمة ومراجعات

تضمّن باب "ترجمات" ترجمةً لدراسة أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة وهران الطيب شنتوف بعنوان "خمسون سنة من السوسيولوجيا المغاربية في الفترة ما بعد الكولونيالية"، وهي من ترجمة الباحث في علم الاجتماع رشيد بن بيه. وتتبع المؤلف تطور علم الاجتماع المغاربيّ منذ بداياته، محلّلًا الإرث الكولونيالي، ومفسّرًا سياقات ولادة مختلف المعاهد والمؤسسات المنتجة للمعرفة السوسيولوجية في الفترة الكولونيالية، كما تابع فحص تطورات المسألة بعد استقلال الدول المغاربية، وكذلك طبيعة التغيرات التي ساهمت في توسع علم الاجتماع، وتأسيس مراكز الأبحاث، والأدوار التي قام بها تأميم التعليم وتعريبه، وتغيّر السياق الدولي وتطوّر السوق.

وقد تضمّن باب "مناقشات"، في هذا العدد، قراءة نظرية جديدة بعنوان "دراسة الطبقة الوسطى الهشة في المغرب: مقاربة جديدة"، قرأ من خلالها أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الإنسانية سعد الدين إكمان مفهوم الطبقة الوسطى في المغرب من مدخل جديد؛ هو الهشاشة المهنية. أما الباحث الاقتصادي سمير سعيفان، فقد قدّم قراءةً نقدية موسّعة لكتاب توماس بيكيتي، الذائع الصيت، رأس المال في القرن الحادي والعشرين.

أمّا في قسم مراجعات الكتب، فقد اشتمل العدد على مراجعة كتاب الانتحار بحرق الذات لدى الشباب التونسي العاطل عن العمل، من إعداد المهدي لحمامد، إضافةً إلى مراجعةٍ لكتاب عن الدولة: دروس في الكوليج دو فرانس (1989-1992)، من إعداد نصير مروة. وفي قسم تقارير المؤتمرات العلمية، تضمّن العدد قراءة أولية في التقرير الأول للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، من إعداد محمد سعدي.