بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، العدد الثالث عشر من الدورية نصف السنوية المحكّمة أسطور. وقد اشتمل العدد على دراسات مختلفة في مواضيعها وإشكالياتها البحثية؛ إذ تناولت موضوعات الذاكرة والعدالة الانتقالية، والمؤسسة الدينية، والكتابة التاريخية، والتأريخ العثماني. كما اشتمل العدد على مراجعتَي كتاب ودراسة مترجمة، إضافة إلى القسم الرابع (الأخير) من ندوة أسطور "المؤرخ العربي ومصادره".

افتُتِح العدد بدراسة للباحث المغربي عادل الطاهري، وعنوانها "الكتابة التاريخية: المنعطفات الإبستيمولوجية". وقد حاولت الدراسة تتبع التحولات الإبستيمولوجية للهيستوريوغرافيا الغربية، وذلك عبر مراحلها المختلف، من اختلاطها باللاهوت إلى لحظة الفلسفة، ومن الفلسفة إلى المدرسة الوضعية، ومن الوضعية إلى مدرسة الحوليات، وصولًا إلى ما بعد الحوليات اليوم. وتُقدِّم الدراسة تفنيدًا للتصور الوضعي حول تاريخ تطور الكتابة التاريخية، التي يذهب بعض روادها إلى أن الكتابة التاريخية تتطور من خلال الاكتشاف المستمر للوثائق، مبيَّنةً أنّ التحولات في الكتابة التاريخية كانت تسبقها تحولات على مستوى البحث الإبستيمولوجي.

في حين سلطَّت دراسة عبد الحي الخيلي، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة محمد الخامس في الرباط، بعنوان "المؤرخون العثمانيون وإصلاح الدولة: دراسة من خلال المصادر التاريخية" الضوء على آراء ومقترحات عدد من المؤرخين العثمانيين؛ حول مشاريع الإصلاحات العثمانية التي جاءت تداركًا للأزمات والتحديات التي واجهتها الدولة العثمانية منذ أواخر القرن السادس عشر. كما تتبع الدراسة تطور تصورات المؤرخين العثمانيين للإصلاح والتحديث بين القرنين السادس والثامن عشر. وقد خلصت إلى أنّ الحلول التي اقترحها المؤرخون كانت محكومة بصراع بين النخب المحافظة والنخب التحديثية، ولم تتسم علاوة على ذلك بالواقعية.

أما الدراسة الثالثة، فهي "قضايا حرجة من تاريخ المغرب في مطلع العصر الحديث بين التاريخ والفقه: العلاقة بين المغاربة والمحتل الإيبيري" لمحمد الشريف، أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي في المغرب. وتتناول هذه الدراسة فتاوى عدد من الفقهاء حول الأحكام القانونية للمسلمين المغاربة الذين خسروا أراضيهم وممتلكاتهم نتيجةً للاحتلال الإيبيري، مع عناية خاصة بفتاوى العالم المغربي أبي الحسن علي عبد الله المعروف بـ "ابن برطال". وتنتهي الدراسة إلى فرادة الخطاب الفقهي المغربي من جهة دعمه للمقاومة المغربية في مواجهة المحُتل.

وبحثت دراسة عبد العزيز الطاهري، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة محمد الخامس في الرباط، موضوع الذاكرة والعدالة الانتقالية، وهي بعنوان "تدبير الذاكرة في سياق العدالة الانتقالية: دراسة مقارنة للتجربة المغربية"؛ إذ تناولت تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة، مدخلًا إلى فهم صور تدبير الذاكرة في تجارب العدالة الانتقالية، مقارنًا تجربة الهيئة بتجارب أخرى؛ مثل جنوب أفريقيا، والأرجنتين، وتونس. وخلصت الدراسة إلى أن تبنّي العدالة الإجرائية عوضًا عن العدالة الجزائية ليس أمرًا كافيًا لتحقيق المصالحة الوطنية، خاصةً إذا جرى فصل العدالة الانتقالية عن عملية الانتقال الديمقراطي التي تؤدي دورًا مهمًّا في تثبيت مُخرجات مسارات العدالة الانتقالية.

واشتمل العدد، أيضًا، على دراسة "المعرفة التاريخية بين ذاكرة الألم وتحقيق المصالحة المجتمعية: التجربة المغربية نموذجًا" لمحمد مزيان، أستاذ التعليم العالي في التاريخ المعاصر في جامعة ابن طفيل بالمغرب. وقد تناولت هذه الدراسة، مثل سابقتها، تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة المغربية، إلا أنّ تركيزها انصبّ حول العلاقة الجدلية بين الذاكرة والتاريخ، والكتابة التاريخية والعدالة الانتقالية، مبيِّنةً أهمية ذاكرة الذين تعرضوا لممارسات القسر والقهر في كتابة تاريخ وطني أكثر موضوعية، والدور الذي تضطلع به ذاكرة الألم في تحقيق مصالحة من شأنها تجاوز الماضي لبناء المستقبل.

واختُتم باب "دراسات" بدراسة للباحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات صوفية حنازلة بعنوان "مؤسسات السلطة الدينية: العرفية والمدنية في مزاب بالجزائر: النشأة والتطورات"، وقد سلطت هذه الدراسة الضوء على المؤسسة الدينية والعرفية في منطقة مزاب في الجزائر وتطورها في مراحل ثلاث: النشأة، وفترة الاستعمار، وما بعد الاستقلال، موضِّحةً الأثر البارز الذي أدّته في تشكيل السردية الهوياتية الجماعية لأهل المنطقة، مساهمةً بذلك في تفكيك الخطاب الهوياتي الذي تقدمه تلك الجماعة عن نفسها. وخلصت الدراسة إلى وجوب إعادة النظر في مفهوم الهوية، وضرورة استحضاره بوصفه مفهومًا مؤسسيًّا يجري إنتاجه وإعادة تدويره تبعًا لأغراض مؤسسات الضبط الاجتماعي، وليس على أساس أنه مجرد مفهوم مؤسس تقدمه الجماعة للتعريف بنفسها في علاقتها بالآخرين.

أما في باب "ترجمات"، فقد نشرت الدورية مدخل كتاب نتالي زيمون ديفيز أَسْفَارُ الأُلعُبان: مسلمٌ من القرن السادس عشر بين عالمين الذي تتناول فيه حياة الحسن الوزن أو ليون الأفريقي، وقد ترجمها ثائر ديب من اللغة الإنكليزية. وبالنسبة إلى باب "مراجعات الكتب"، فقد اشتمل على مراجعتين؛ إحداهما متعلقة بكتاب أتاتورك: السيرة الذاتية لمؤسس تركيا الحديثة للمؤرخ أندرو مانغو، وهي من إعداد محمد عثمانلي، والأخرى متعلقة بكتاب القرار، وهي بعنوان "مذكرات مضر بدران: الطريق من دمشق إلى مؤتمر مدريد"، وقد أعدّها مهند مبيضين.

وتضمَّن باب "وثائق ونصوص" دراسة بعنوان "سجناء حرب الريف من خلال وثائق إسبانية" لمحمد عبد المومن، أستاذ التاريخ والجغرافيا بثانوية ابن زهر في المغرب. وتركِّز هذه الدراسة اهتمامها على الأسرى المغاربة الذين وقعوا في يد الجيش الإسباني عشية حرب الريف (1921-1927). واعتمادًا على مجموعة من الوثائق المندوبية السامية لإسبانيا بالمغرب، تُعنى الدراسة بتاريخ السجون الإسبانية في المنطقة؛ إذ أسست بداية من أجل معاقبة المجرمين والمعارضين الاشتراكيين الراديكاليين وضبطهم، ومن ثم خصصت لابتزاز المقاومين المغاربة وعقابهم.

يختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور"، وقد نُشر فيها القسم الرابع من مواد ندوة "المؤرخ العربي ومصادره" التي عقدت في 29-30 نيسان/ أبريل 2019. ويشتمل هذا الباب على ثلاث دراسات تعرض تجارب مؤرخين وباحثين مع المصادر التاريخية المتنوعة. الدراسة الأولى بعنوان "الرواية الأدبية والأغنية الشعبية: هل هما من مصادر كتابة التاريخ؟" لعبد الواحد المكني. أما الدراسة الثانية، فجاءت بعنوان "النكتة مصدرًا تاريخيًّا: هل يساهم النص المضحك في كتابة التاريخ العربي؟" لإبراهيم القادري بوتشيش، في حين وردت الدراسة الثالثة بعنوان "من الصحافة إلى الحالة المدنية: أسئلة المؤرخة ومسار البحث عن المصادر" لفاطمة الزهراء قشي.