بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الحادي عشر من المجلة نصف السنوية المحكّمة أسطور للدراسات التاريخية. وتقدم المجلة في هذا العدد نخبةً من الدراسات وعروضًا بيبليوغرافية متنوعة، إضافةً إلى باب "ترجمات" الذي اعتادت المجلة أن تترجم فيه نصوصًا تاريخية، والقسم الثاني من "ندوة أسطور".

في باب "دراسات"، يُفتتح العدد بأربع دراسات نظرية تناقش منهج التأويل الرمزي والبروسبوغرافيا، فضلًا عن دراسات الذاكرة وجغرافية الحقل التاريخي.

الدراسة الأولى هي "منهج التأويل الرمزي لقراءة التاريخ: نحو إشراك قارئ النص التاريخي في إنتاج دلالاته، تشخيص نظري وتطبيقي" لإبراهيم القادري بوتشيش. وتُؤسس الأطروحة التي تتمحور حولها هذه الدراسة على مراجعة سؤال المنهج التاريخي من خلال فرضيتين؛ أولاهما فحص مدى صحة التفكير في ماضي الإنسان بوصفه "حيوانًا رامزًا" ومنتجًا لتاريخ علاماتي - إشاراتي لا يقرأ باللغة المتداولة، إنما يفهم بالعلامة والإشارة، ويبوح بما تختزنه الذاكرة البشرية من مشاعر وعقليات متوارية، أما ثانيتهما فهي محاولة جسّ نبض فكرة إشراك القارئ/ المؤرخ في إعادة إنتاج النص التاريخي عبر إقامة حوار معه، ومع ظرفية إنتاجه، بغية إعادة بنائه بناءً جديدًا، وهو ما يمكن إنجازه من خلال توظيف منهج التأويل الرمزي.

أما الدراسة الثانية، فهي "حقل ’دراسات الذاكرة‘ في العلوم الإنسانية والاجتماعية: حضور غربي وقصور عربي" لزهير سوكاح، وقد تناول فيها بالدرس والتحليل حقل دراسات الذاكرة بوصفه مجموع مقاربات "بينتخصصية" في العلوم الإنسانية والاجتماعية، تتعامل مع التصورات المجتمعية للماضي الجمعي بأدوات منهجية متنوعة، جرّت إليها اهتمامًا من التخصصات العلمية المختلفة في الغرب، لم يصل صداه على النحو المطلوب إلى الممارسة البحثية العربية. ويُبرز المحور الأول من هذه الدراسة كيفية تبلور هذا الحقل، عبر تقديم نبذة بشأن أهم النظريات التأسيسية التي وضعها كل من موريس هالبفاكس وبيير نورا وأسمان وريكور. وعلى هذه الأساس، يتطرق كل من المحور الثاني والثالث والرابع إلى دراسات الذاكرة في العلوم التاريخية والاجتماعية والأدبية، على التوالي. في حين يهتم المحور الخامس بوضع الدراسات الذاكراتية في العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية، لينتهي إلى وجود قصور عربي في هذا الميدان البحثي، ثم تختم الدراسة بمجموعة مقترحات لتعزيز التعامل العربي مع هذا الحقل العابر للتخصصات.

تَرِدُ الدراسة الثالثة بعنوان "’جغرافية‘ الحقل التاريخي في ضوء تقاطع الاختصاصات: محاولة في إعادة تشكيل المفهوم" لعلي الصالح مولى، وهي تهدف إلى الإجابة عن سؤال مركزي، هو: ما حظُّ الأكاديميا العربية من كسب معركة تجديد مناهج تطوير المعرفة وبناء أنساقها خارج سلطان الكتابة التقليدية؟ لقد جعلت الدراسةُ، إجرائيًّا، علمَ التاريخ حقلًا لبحث الإجابة عن هذا السؤال، واعتمدت في ذلك على مقاربات ثلاث، هي: مقاربة تاريخية مرجعية عُنيت بمدرسة الحوليات Annales والآفاق التي فتحتْها أمام منهج تقاطع الاختصاصات، ومقاربة تأصيلية استكشافية اهتمّت برصد نشوء حالة وعي عربي بضرورة تجديد مناهج البحث التاريخي، ومقاربة تجريبية تطبيقية عُنيت بإمكانات الكتابة العربية المجددة.

في حين تَرِدُ الدراسة الرابعة بعنوان "البروسبوغرافيا: منهج لدراسة النخب والفئات الاجتماعية، محاولة تعريف" لرجاء عنقود، وفيها تناقش البروسبوغرافيا Prosopographie، أو البيوغرافيا الجماعية، بوصفها مقاربة، أو منهجًا مساعدًا، في البحث التاريخي. وتركّز البروسبوغرافيا على البحث في الخصائص المشتركة لمجموعة من الفاعلين التاريخيين الذين ينتمون إلى فئة محددة، وكذا دراسة مميزاتهم الخارجية المتشابهة والمختلفة ومسار حياتهم، وجمع بيانات عن الظواهر التي تتجاوز الحياة الفردية إلى المظاهر المشتركة في حياة هؤلاء الأفراد.

أما دراسة "الماء والاستقرار في شمال أفريقيا خلال الحقبة القديمة" لسمير أيت أومغار، فتحاول أن تجيب عن تساؤل حول مدى تطابق نشوء حضارات الشرق القديم وتطوّرها بوجودها قرب ضفاف الأنهار الكبرى، مثل النيل ودجلة والفرات مع الشمال الأفريقي القديم، وقد حاول الباحث الإجابة عن هذا السؤال بالعودة إلى النصوص الكلاسيكية واللقى الأثرية؛ بدءًا من مرحلة ما قبل التاريخ، وصولًا إلى المرحلة الرومانية، بهدف الكشف عن حدود العلاقة الرابطة بين الماء واختيارات الاستقرار لدى السكان المحليين والأجانب المتردّدين على السواحل المتوسطية والأطلنطية للشمال الأفريقي.

تنشر المجلة في هذا الباب، أيضًا، القسم الثاني من دراسة "سبتة في استراتيجية دول الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط" لمحمد الشريف، وفيها يناقش دوافع الغزو البرتغالي للمدينة سنة 1415م، وانعكاسات ذلك على التطور الحضاري للمغرب.

يُختتم باب "دراسات" بدراسة للباحث بلال شلش بعنوان "إثبات وإسكات: عن إنهاء المقاتل الفلسطيني سعيًا لـ’الضم‘ (15 أيار/ مايو 1948 - كانون الثاني/ يناير 1949) في نصوص قاسم الريماوي عن ’الجهاد المقدس‘"، وهي تبحث في موقف "الجهاد المقدس"، القوة الفلسطينية الأبرز في حرب 1947-1949، من سعي المملكة الأردنية الهاشمية لضمّ بقية فلسطين الوسطى إليها، استنادًا إلى مصادر أولية مخطوطة ومنشورة دوّنها قاسم محمد الريماوي، أحد أبرز قادة الجهاد المقدس، على فترات زمنية متباعدة. وتبين الدراسة تأريخ الريماوي للوقائع في نصوصه المبكّرة ونصوصه المتأخرة، وتعمد إلى فحص تطور سرد الريماوي مع الزمن، من خلال عيّنة مختارة، يبحث فيها عن فعل "الإسكات" الذي مارسه الريماوي في نصوصه المختلفة.

وفي باب "ترجمات"، فتنشر المجلة دراسة بعنوان "قيمة السردية في تمثيل الواقع" لهايدن وايت، وقد ترجمها ثائر ديب. في حين يضمّ باب "مراجعات كتب" مراجعتين؛ إحداهما مراجعة بوزيد الغلى كتابَ التجارة في وادي نون خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لعبد الهادي المدن، والأخرى مراجعة خير الدين سعيدي كتابَ "البنى السوسيوثقافية والاقتصادية للدولة العثمانية" لمباهات كوتوك أوغلو.

ويتضمّن باب "وثائق ونصوص" دراسة بعنوان "ملاحظات على ترجمة نصوص المعاهدات المعقودة بين السلاطين المماليك والمدن اﻹيطالية" لبيار مكرزل، وفيها يسلّط الباحث الضوء على نسخ كثيرة لمعاهدات معقودة بين الحكام الأوروبيين والسلاطين المماليك محفوظة في مراكز الأرشيف الأوروبية، وتحديدًا في مدن البندقية وجنوى وفلورنسا وبرشلونة وراغوزا، وهي نُسخ تسمح بدراسة العلاقات التي قامت بين السلطات المملوكية والتجار الأوروبيين الذين استقروا في مصر وبلاد الشام خلال العصر المملوكي بين النصف الثاني من القرن الثالث عشر ونهاية القرن الخامس عشر. ويذكر الباحث أنّ النصوص الأصلية كانت تُكتَب باللغة العربية في ديوان ﺇنشاء السلاطين، ومن ثم تُترجم لإعطاء نسخة للمبعوثين الأوروبيين ﺇلى بلاط السلطان. كما تهتمّ هذه الدراسة بتأثير اللغة العربية في الدبلوماسية الإيطالية وتحليله، في محاولة للإجابة عن الأسئلة الآتية: ما أسباب اعتماد مفردات عربية في الترجمات اللاتينية والإيطالية؟ وﺇلى أي حدّ كانت الترجمة دقيقة؟ ثمّ أكان التأثير اللغوي من جانب واحد أم متبادلًا؟

يختتم العدد أبوابه بـالقسم الثاني من "ندوة أسطور"، وهي بعنوان "المؤرخ العربي ومصادره"، وقد نظمت هذه الندوة مجلة أسطور بالتعاون مع قسم التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، يومَي 29 و30 نيسان/ أبريل 2019. ويشتمل هذا القسم على أربع دراسات تعرض تجارب مؤرخين وباحثين مع المصادر التاريخية المتنوعة (الرحلة، وعلاقة الأقليات بالغيرية، وتاريخ الزمن الراهن، والتجاهل المتبادل بين المصادر العثمانية والنصوص المغربية).

** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.