بدون عنوان

عقد في بيروت يومي 14 و15 كانون الثاني/يناير 2011، لقاء تشاوري بعنوان "مشروع الأجندة العربية للقرن الواحد والعشرين"، وذلك بمبادرة من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وبمشاركة "المنظمة العربية لمكافحة الفساد".

 يطمح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات من خلال باكورة برامجه إلى إنتاج "جهد فكري وبحثي يهدف إلى تحديد وتحليل التحديات الاجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية، التي تواجه المجتمعات العربية في بدايات الالفية الثالثة، ومن ثم إلى المساهمة في خلق توافق عريض بين المثقفين العرب حول السياسات والوسائل التي يتعين اتباعها من أجل النهوض بالأمة في مختلف أقطارها".

ويسعى بذلك لتجاوز الدور التقليدي لمراكز البحث للوصول إلى دور فعال مؤثر في السياسات المتبعة من قبل القوى الفاعلة في المجتمعات العربية، كما الحكومات. وكمسعىً متمم للهدف الأخير، يزمع المركز إطلاق برنامج لاستبيان اتجاهات الرأي العام العربي، إذ أنه "حتى الآن، يعتمد فقط على ما تنتجه مؤسسات غربية"، على حد تعبير الدكتور عزمي بشارة، مدير عام المركز.وأشار إلى أن "مشروع الأجندة العربية للقرن الحادي والعشرين"، يجند مئات الطاقات الفكرية العربية على مدى أربع أو خمس سنوات، وهو يبنى على "تجربة تقارير التنمية الإنسانية العربية التي صدرت برعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي... ولكن من منطلقات وبأجندات عربية"، ليتجاوز قيود "توافق كان لا بد منها مع الجهات الدولية الراعية"، وبروح مغايرة تماماً لتلك الرثائية الساعية لتكريس فكرة "واقع التخلف المستدام" لدى الرأي العام العربي، والتي أدمنت على التيئيس وجلد الذات.

واقتصر حضور "اللقاء التشاوري" على حوالي العشرين من الباحثين والمفكرين العرب، ومن بينهم الدكتور جلال أمين، والدكتور جورج قرم، والدكتور عزمي بشارة وغيرهم. وطغى على المؤتمر طابع العصف الفكري والنقاش المفتوح، خلافاً لطابع المحاضرات والتعقيبات المبرمجة السائد في المؤتمرات، وذلك بدءاً بمناقشة الورقة الخلفية للمؤتمر، إلى نقاش الإطار العام المفاهيمي ومنهجية البحث، والعناوين، والمحاور المقترحة للمشروع البحثي، وصولاً إلى التوصيفات والتحليلات ومقترحات وآليات العمل.

وعرّف الدكتور عزمي بشارة، مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في كلمة الإفتتاح بالمركز وأهدافه ومنهاجه، مشدداً على بلورة "مفهوم الرأي العام العربي"، ووضع برامج التنمية، ودعم التخصص في مواضيع الدراسات، مشيراً إلى نقص حاد في الباحثين العرب المتخصصين بالشأن الإيراني والشأن التركي، على سبيل المثال. وحدد الدكتور بشارة وظيفة المثقفين بتشخيص التحديات وترجمتها إلى مهام.

وأبرز الدكتور طاهر كنعان في مداخلته، "الإطار المفاهيمي" للأعمال البحثية، حاول تحديد معاني ومدلولات وسياقات المصطلحات، ما أخذ حيزاً واسعاً من النقاش لاحقاً. و أكد على ضرورة بحث مسألتي العولمة والثورة التكنولوجية، وأثرهما على التنمية والأمن الوطني، والإقليمي، و على مسألة التكامل والوحدة، كما دعا إلى "التخلي عن أدب الرثاء، والبحث عن مقومات القوة" ومراكمتها وتطويرها كطريقٍ للنهضة، وحث على إعادة قراءة التاريخ العربي منذ الحرب العالمية الثانية لتمييز القوى التحررية النهضوية عن تلك الرجعية.

وكان أول المتحدثين بعد فتح باب النقاش الدكتور يوسف شويري، مدير عام، "مركز دراسات الوحدة العربية"، الذي أكد على أهمية ضبط السياق التاريخي، وتحديد القوى المسيطرة والتحديات الراهنة، قبل الغوص في التحليل السياسي والثقافي، ودعا إلى "الإقلاع عن العويل الذي لا يعكس الواقع الفعلي"، للإضاءة على "إنجازات الدولة الوطنية" المحققة في الأعوام المئة الأخيرة، مشيراً إلى تقصير في هذا المجال. وختم الدكتور شويري بالسؤال عن "الرافعة الإجتماعية" لتنفيذ المشاريع والمهام المطروحة.

من جانبه شدد الوزير الدكتور عدنان السيد حسين، على أهمية تفعيل دور الفريق البحثي وضرورة المتابعة وحسن الإدارة كمنهاج للعمل، وأكد على "الإتصال المعرفي" ومواكبة ثورة الإتصالات. كما أثنى الدكتور السيد حسين على طرح عنوان "العقلانية" في المشروع البحثي، عازياً التراجع العربي والإسلامي "منذ زمن بعيد" إلى "قمع" العقلانية وإذكاء الإنفعالية والعصبوية.

وتحدث الدكتور كمال عبد اللطيف جازماً بأن "المعركة العربية اليوم هي معركة كسر التقليد مضيفا إلى أنها: "معركة خضناها منذ القرن التاسع عشر."

وأشار الدكتور جلال أمين إلى أهمية ضبط المتغيرات العالمية في السنوات الأربعين الماضية، وبالتالي المتغيرات على الصعيد العربي، كما أشار إلى "صعوبة الوصول لإجماع" في المؤتمر، وذلك لتباين المرجعيات الفكرية ومناهج وأدوات التحليل والتقييم، مؤكداً أن "الإصرار على الإجماع ينتج بيانات باهتة"، وأن "النهضة لا يمكن أن تحصل عن طريق الإجماع"، بل عن طريق "قوة دافقة"، وتسائل الدكتور أمين عن كيفية تحويل التقارير البحثية إلى بيانات تُحدث أثراً وحراكاً.

من جانبه عبر الدكتور جورج قرم عن نفوره من تصويرالعقلانية كطرح مضاد للتديّن، مؤكدأ أن "كل مجتمع لديه عقلانية خاصة" بظروفه وتحدياته وثقافته، وأن التدين ليس أمراً جامداً، بل هو متغير مع الزمن. كما قال الدكتور قرم بالحاجة "للفكر الإشكالي، لا اليقيني"، والحاجة للفكر النقدي ولمناظرة الأفكار المتناقضة. أما بالنسبة لوضع "إطار مفاهيمي" للأبحاث، فأكد الدكتور قرم أهمية الموضوع، نظراً للتخبط في المفاهيم في العالم العربي، على أن يكون هذا المسعى مشروعاً منفصلاً، نظراً لحجم المهمة وأهميتها.

ونبه الدكتور سعد ناجي جواد إلى مسألة تدمير مراكز دراسات في العراق، واغتيال الباحثين والعلماء، وقال إن الشباب العراقي والفلسطيني والتونسي يقاوم، ولكن بأي فكر؟ داعياً إلى العقلانية، موصفاً إياها بأي فكر، أكان إسلامياً أو قومياُ أو يسارياً، يخدم قضية نهضة الأمة.

ودعت الدكتورة بسمة قضماني لـ"تسليح فكري" لمن يمارس دوراً إجتماعياً وسياسياً فعلياً، ولصياغة "آليات تحرك" عملانية. وقللت من أهمة التقارير الدولية التي توصِّف الأعراض، ولكنها لا تحدد مسؤوليات ولا تناقش "عصب" المسائل، أي أسبابها الحقيقية، كما دعت لطرح الأسئلة: كيف استُخدِمت موارد الدول العربية، ومن المسؤول عن الصراعات الطائفية، وما دور السلطات السياسية فيها، وما دور رجال الأعمال في السياسة؟

وحذر الدكتور منير الحمش من الإستمرار في السياسات الإقتصادية الإجتماعية التي أحدثت تركّزاً في المداخيل والثروات وأنتجت "مجتمع المخاطر"، الذي يهدد الهوية والمواطنة، كما حذّر من "سرقة" الإقتصاد السوري نحو "إقتصاد السوق" وإلحاقه بالإقتصاد الأوروبي عبر مشاريع "الشراكة"، مشيراً إلى الحدث التونسي كمؤشر على سقوط هذا النموذج الإقتصادي الإجتماعي، أي النموذج النيوليبرالي، وداعياً لنموذج تنموي بديل ذو أبعاد دولتية وحقوقية وإنسانية وبيئية.

ودعا الدكتور محمد جمال باروت لصياغة التقارير "بلغة سياساتية"، لا نظرية أو أكاديمية بحتة، ودعا لمقاربة تنموية مغايرة لتلك المنمطة القائلة بـ"التمكين" و"دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم"، إلخ.... وحدد الدكتور باروت للمركز مهمة "الخلاص من لغة الخبراء الدوليين الخشبية".

و أيد الرأي أعلاه الدكتور علي القادري، داعياً لنقد التجارب التنموية العربية، وتحديد المسؤوليات، وعدم إسقاط المفاهيم المنمطة كـ"الحكم الصالح" و"المسؤولية الإجتماعية" وغيرها على واقعنا.و أشار الدكتور عزمي بشارة إلى أن ما يميز عمل المركز هو "نظرية الدولة" وعلاقتها بمسألة الهوية، بصفتها مهمة حداثية، إذ أن "الحداثة تأتي قبل ما بعد الحداثة"، أي أن تحديد مسألة الهوية وشكل الدولة المطلوبة ودورها هي مهمات أنجزتها الأمم التي ينظّر مفكروها الآن لعصر "ما بعد الحداثة"، حيث تنتهي الهويات والقوميات والدولة القومية. ويجزم الدكتور بشارة إلى أن المفاهيم والمهام الحداثية لها الأولوية على مسألة الديمقراطية، إذ إن شرعية الدول أو الكيانات العربية وتقييم تجاربها ما زالت مسألة قيد النقاش، كما أن الهوية والمواطنة مسائل "تشغل الشباب اليوم".