بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد السابع والثلاثون (صيف 2021) من دورية عمران، الذي تضمّن دراسات متنوعة المواضيع، تتعلق بالدولة والعشوائيات والإبستيمولوجيا النسوية في العالم العربي، إضافة إلى ترجمة ومراجعات كتب.

استُهِلّ العدد بدراسة لرايموند هينبوش وأدهم صولي، بعنوان "الدولة العربية: مقاربة سوسيولوجية تاريخية"، تقدم إطارًا نظريًا لتشكُّل الدولة وتطورها وتفككها في العالم العربي، مع تناول حالات إمبريقية، اعتمادًا على منهجية تاريخية مقارنة. وتطرح مجموعةً من الأسئلة: كيف يمكننا مفهمة الدولة وعملية بنائها في العالم العربي؟ وما الفرق بين النظام والدولة؟ وما أنواع الأنظمة التي نشأت في العالم العربي؟ وكيف نفسر الاختلافات في تشكُّلها وأنواعها؟ ولماذا فشلت بعض عمليات بناء الدولة، بينما نجحت أخرى؟ وتنتهي الدراسة إلى نتيجة أساسية مفادها أنه يمكن وصف مسار بناء الدولة في العالم العربي بالمنحنى الجرسي، بدلًا من المقاربة الخطية في مفهوم الدولة الفيبري أو الويستفالي.

واشتمل العدد، أيضًا، على دراسة للأستاذ عبد القادر عبد العالي، بعنوان "الدولة والهيمنة على المجتمع: الدولة الكوربوراتية التسلطية وقيود الانتقال الديمقراطي في الجزائر"، تتناول نمط الدولة الكوربوراتية التسلطية باعتباره، مركبًا بنيويًا تنظيميًا، وشكلًا من العلاقة السياسية بين الدولة والمجتمع تؤدي مخرجاته إلى تحوّل ديمقراطي مشوّه ومقيّد وغير مكتمل، تسعى فيه الدولة الكوربوراتية إلى الهيمنة على كل المجتمع. لكن هذا النمط من الدولة لا يُعدُّ قويًا مؤسسيًا؛ إذ تؤدي سيطرة الدولة على نظام تمثيل المصالح وعلى كل أشكال الجماعات، إلى ضعف المجتمع المدني وفرص التغيير السياسي الفعلي والوقوع في أزمات متكررة. وللتحقق من هذه الفرضية، تبحث هذه الدراسة الحالة الجزائرية؛ لأنها تمثل نموذجًا لهذا المركب الكوربوراتي التسلطي؛ ما يمكّن من بناء تعميم تحليلي استنتاجي لسائر الحالات في المنطقة العربية، وكشف طريقة عمل الدولة الكوربوراتية التسلطية بصفتها نمطًا خاصًّا من نسق التنظيم.

أما دراسة حامي حسان، "تحولات دولة الرعاية في الجزائر: السياسات الاجتماعية على مِحكّ أزمات الاقتصاد والتنمية"، فتهدف إلى الكشف عن العلاقة بين تحولات الدولة الريعية الاجتماعية في الجزائر وإكراهات المسألة الاجتماعية، في سياق وضع اقتصادي متأزم. وتحاول فَهم السياقات التاريخية والأيديولوجية التي ساهمت في ظهور الدولة الاجتماعية ورأسمالية الدولة، وكذلك تحولات السياسات الاجتماعية بالنظر إلى أزمات الاقتصاد وتعثّر مشروع التنمية. ستمكّن هذه القراءة، المعززة بالأرقام والمقارنات الإحصائية، من معرفة راهن الدولة الاجتماعية ومآلاتها في سياق ميَّزته حالة الاحتجاج المعبّر عن احتقان اجتماعي متراكم خلال السنوات القليلة الماضية؛ إذ كانت ممارسات "خصخصة الدولة"، وانحرافات الأوليغارشية المالية، من أهم أسبابه وعوامله.

في حين ناقشت دراسة نزار الصياد، المعنونة بـ "العمران التحتي وثقافة العشوائيات: دراسة نقدية"، العشوائيات في العالم العربي. إذ تشكّل العشوائيات السكنية مقدارًا كبيرًا من رصيد الإسكان في دول العالم الثالث النامية. و‏يُرجع كثير من الباحثين نشأة هذه العشوائيات وتطورها، ‏أو ما يسمّيه بعضهم "العمران التحتي"، إلى الاقتصاد غير الرسمي وغير المنضبط ‏في دول الجنوب. وفي منتصف القرن العشرين ظهرت بعض النظريات التي تحاول تفسير هذه الظاهرة؛ ما أدى إلى اقتراحات وسياسات تحثّ السكان الفقراء على البناء الذاتي لمساكنهم. لكن الفكرة لاقت نجاحًا ‏محدودًا. ‏تقدم هذه الدراسة نقدًا لهذه الفكرة، وتحاول تقديم ‏مساهمة نظرية جديدة لفهم العمران التحتي، تشدّد على مركزية العامل الثقافي.

يختم قسم الدراسات بدراسة لرشيد بن بيه بعنوان "الإبستيمولوجيا النسوية وتأثيرها في إنتاج المعرفة السوسيولوجية وفهمها في المنطقة العربية"، تحلّل تأثير الإبستيمولوجيا النسوية في إنتاج المعرفة السوسيولوجية وفهمها في المنطقة العربية. وتفترض وجود انفصال بين النظرية النسائية والنظرية الاجتماعية؛ وهو انفصال لا يسعف علم الاجتماع العربي الاستفادة من المنظور النقدي للإبستيمولوجيا النسوية في فهم "الآخر" المهمّش والمختلف والمستعمر. ومن ثمّ، تسعى الدراسة لتوجيه اهتمام الباحثين إلى العوائق المعرفية التي تترتب على مثل هذا الانفصال، خصوصًا في مجال الدراسات السوسيولوجية العربية. وتعتمد مقاربة تحليلية للإبستيمولوجيا النسوية وللخلفيات الفكرية التي ساهمت في بروزها، وتعرض المزاعم النظرية والمنهجية لمختلف تياراتها: النسوية التجريبية ونظرية الموقف النسوي، والنسوية ما بعد الحداثية.

كما تضمّن العدد ترجمة ياسين يسني ووديع جعواني لنص مهم لأستاذة الفلسفة السياسية والاجتماعية إلزا دورلين، المعنون "حول الاستعمال الإبستيمولوجي والسياسي لفئتي الجنس والعرق في دراسات النوع". كما قامت روضة القدري بمراجعة الترجمة. انطلاقًا من تفكير عميق في النسوية السوداء، تعالج هذه الدراسة تقاطع الهيمنة المبنية على النوع والعنصرية، باعتبار أن هذا التقاطع يمثل أهم التحديات النظرية والسياسية المطروحة في النسوية الأنكلوسكسونية: كيف تساهم تجربة العزل العرقي في تشكيل تجربة التمييز القائم على الجنس، وكيف تعرقل الوحدة السياسية للنسوية؟ وإذا عرف الموضوع الأيديولوجي "المرأة" انهيارًا داخليًا تحت ضغط انتقاد النظام الأبوي، فماذا عن "نحن النساء" باعتباره الموضوع السياسي للنسوية؟ تتمثل أطروحتنا في إبراز أن خطابات الهيمنة تمنح المجموعات المضطهدة أطرًا لاتاريخية تقوم بتشييء هذه المجموعات باستمرار، ويذهب ذلك حدّ تشييء ثوابتها الإيجابية. في مثل هذه الوضعيات، تحمل إرادة تحرير النسوية أو "النساء" من التصور الماهوي خطرَ إعادة طبعنته في شكل لامتناهٍ من الفئات الفرعية (النساء السوداوات، والنساء المحجبات، والنساء المهاجرات ... إلخ) التي تتحول إلى شروط مسبقة للنضالات. إنّ قدرتنا على الفعل والتفكير بوصفنا ذواتًا سياسية تتطور، مرهونةٌ بقدرتنا على كشف تاريخانية تداخل فئات "الجنس" و"العرق"، وبإتقاننا تقنيات الاستثارة، إلى حدّ ابتكار لغة سياسية جديدة.

وأخيرًا اشتمل باب مراجعات الكتب على مراجعتَي كتابين، هما: "الجهاد الجديد في الغرب" من تأليف فرهاد خسرو خافر، أعدّها رشيد جرموني، و"أفريقيا الشمالية بعد الانتفاضات العربية" لِلويس مارتينيز، وأعدّها محمد نعيمي.

جاءت لوحة غلاف العدد واللوحات ضمن صفحاته من أعمال الفنان التشكيلي العراقي محمد الكناني الذي يشتغل في الرسم والنحت والجرافيك. وله مشاركات فنية في المعارض المحلية والعربية والدولية، ومؤلفات أكاديمية في الفن التشكيلي. حاصل على دكتوراه فلسفة الفنون التشكيلية، كلية الفنون الجميلة، في جامعة بغداد.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.