بدون عنوان

صدر العدد الحادي والثلاثون من الدورية المحكّمة "تبيّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية"، التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. واشتمل العدد على الدراسات التالية: "الفهم والتفسير: مسائل المنهج وأصولها التأويلية في فلسفة ديلتاي" لفتحي إنقزّو، الذي عمد إلى إجراء مراجعة مسألة جوهرية متعلقة بمنهج علوم الإنسان، في سياقاتها التأسيسية الأولى، في فلسفة فلهلم ديلتاي (1833-1911)، من خلال النظر في ثنائية الفهم والتفسير، وتحليلها من جهة ترددها بين سجلّين: السجل السيكولوجي الذي يتصل بالبنية الباطنية للتجربة النفسية، بوصفها مجموعًا مستقلًا بنفسه، متضمنًا التجارب والعناصر الأساسية للوعي، وما يُقام عليها من بنى عليا للوجود الاجتماعي والتاريخي، والسجل التأويلي الذي يقوم على قراءة العلامات والآثار والمعالم التي تتجلى من خلال العلاقة بغيرها، وتُشكّل في هيئات ونصوص ومدونات مشبعة بالدلالة والمعنى، ومعبرة عن تجارب الحياة وأشكالها الفردية والجماعية، وانخراطها في سياق تاريخي متصل. أما الفرضية التي يعتمدها الباحث في هذا السياق، فمفادها أن التمييز الشائع بين الفهم والتفسير ليس فصلًا قاطعًا ونهائيًا بين عالمين: عالم الطبيعة، وعالم الإنسان والمجتمع والتاريخ، وبين منهجين: منهج علوم الروح، أو الإنسان، ومنهج علوم الطبيعة، وإنما هو تمييز منهجي إجرائي، يتيح توحيد المجال الموضوعي لعلوم الروح.

وفي دراسة "دلالات مفهوم المثقف: قراءة في كتاب ’دور المثقف في التحولات التاريخية‘" يبحث أحمد مفلح في ضرورة إيجاد تعريف تفسيري لمفهوم "المثقف" في الخطاب العربي المعاصر، بعيدًا عن التوصيف الوظيفي الذي يرى المثقف من خلال دوره النقدي والتغييري والقيمي ومواجهة السلطان والسلطات. ويسعى الباحث لأن يكون تعريفًا يحظى بإجماع أو شبه إجماع عند المشتغلين بالإنتاج الثقافي والمعرفي والفكري واستهلاكه؛ إذ لاحظ تداخلًا قويًا بين منتجي الثقافة ومستهلكيها، وبين مبدعيها ومدرّسيها وناقليها؛ ما أثّر فيها وفي تجديدها وتجدّدها، ومن ثمّ في حركة المجتمع نفسه، ومن غير المستبعد في الهوية كذلك. ويتساءل الباحث: هل عرّف المثقف العربي نفسه؟ وكيف؟ وهو ما تناقشه هذه الدراسة من خلال تحليل مضمون كتاب "دور المثقف في التحولات التاريخية"، الذي أصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في عام 2017.

أما في دراسة "هل كان ابن تيمية فيلسوفًا اسميًا؟ دراسة تحليلية نقدية في قراءة أبي يعرب المرزوقي لابن تيمية"، فانطلق الباحثان عبد السلام شكري ورائد السمهوري من رؤية الباحث التونسي المرزوقي الذي اعتبر أن ابن تيمية فيلسوف يتبنّى المذهب الاسمي، بل يرى دين الإسلام، الذي يُسمّيه "الحنيفية المحدثة"، مشروعًا اسمانيًا في مواجهة الواقعية التي تبنّتها الأفلاطونية المُحدثة، من حيث النظر إلى الكلّي: أيكون له تحقق واقعي خارج الذهن أم هو مفهوم ذهني فحسب؟ ولئن كان التوجّه الواضح عند ابن تيمية أنه مفهوم ذهني فحسب، كما تمّ بيانه في الدراسة، فإن موطن البحث هو: أيقول ابن تيمية بمطابقة هذا الذهني للأعيان الخارجية من حيث العلم بها كما تدل على هذا نصوصه، أم لا كما يرى المرزوقي؟ يهدف هذا البحث النقدي إلى كشف كيفية قراءة المرزوقي للعالِم الحنبلي المعروف أحمد بن عبد السلام بن تيمية الحرّاني؛ أهي قراءة تتوخّى الدقة، أم هي قراءة إسقاطية لا تُعبّر حقّ التعبير عن اتجاهه في طبيعة "الكلّي"، ومدى مطابقته الجزئيّات والأعيان الخارجية؟

وفي باب "ترجمات" اشتمل العدد على ترجمتين مهمتين، الأولى لنص "ديمقراطية ما بعد الهُوية" لأوليفر فلوغل – مارتينزين، نقلها إلى اللسان العربي فادية فضة وحامد فضل الله، حيث ناقشت الترجمة العلاقة بين الهويات الجماعية وإقصاء الآخر. وتتعامل مع تاريخ الأفكار وتناوله مسألة الهوية الجماعية، وشيوعها في صيغ مكيَّفة بحسب السياقات التاريخية الواقعية في كل مرة. وتُبيّن الدراسة جانبَ التمييز وما يحيط بمفهوم الهويات الذاتية في المعنى المعرفي وما تجلبه معها من عمليات الإقصاء وسيرها، وتساوق ذلك مع علاقات الهيمنة، وأسباب النجاح العابر الحدود الوطنية الذي تشهده ظاهرة الشعبويين اليمينيين وأحزابها، وقدرتها على تسويق أفكار تضامن اجتماعي قومي محدود، وهياكل الهوية الجماعية وأشكال الاستبعاد المرتبطة بها وبالآخر، وكيفية استغلال خيبة آمال الطبقات الاجتماعية الهشّة في سياسات العدالة الاجتماعية.

أما الترجمة الثانية، فهي نص عنوانه "الوظيفة الاجتماعية للفلسفة" لماكس هوركهايمر، من إعداد الباحث عمر المغربي. حيث بحث هذا النص المنقول عن اللسان الألماني في موقعية الفلسفة من شبكة إنتاج المعرفة المعاصرة، يقود هذا السؤال إلى البحث عن تعريف جديد للفلسفة في الزمن الراهن وعن الوظيفة التي يمكن أن تؤديها في مجتمع اليوم. يجري استعراض عام لمواقف العديد من الفلاسفة والمفكرين حول تعريف الفلسفة والهدف منها، يتلو ذلك تحليل نقدي للوظيفة الاجتماعية للفلسفة. وتخلص الورقة إلى أن ثمة ارتباطًا أصليًا بين القدرة على التنظير والتفلسف، وأن المجتمع في حاجة إلى هذه الملكة النقدية التي يستند إليها المستقبل، ومن ثمّ ليس ممكنًا اليوم أن يتخلى المجتمع عن الفلسفة أو أن تمارس الفلسفة بعيدًا عن المجتمع.

وفي باب "مراجعات الكتب" تضمّن العدد مراجعتين، الأولى لكتاب "الاجتماعي وعالمه الممزق: مقالات فلسفية اجتماعية" لأكسِل هونيت، أعدها الباحث بشير ربوح رحمه الله، والثانية مراجعة كتاب "نقد الحرية: مدخلٌ إلى فلسفة إمانويل ليفيناس لرشيد بوطيب"، أعدها الباحث عبد الحكيم شباط.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.