بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات العدد الثاني عشر من مجلة أسطور نصف السنوية المحكّمة للدراسات التاريخية. وتُقدم المجلة في هذا العدد نخبةً من الدراسات التاريخية، وعروضًا بيبليوغرافية متنوعة، إضافةً إلى باب "ترجمات" الذي اعتادت المجلة أن تترجم فيه نصوصًا تاريخية، وثلاث دراسات من "ندوة أسطور".

في باب "دراسات"، يُفتتح العدد بسبع دراسات تناقش التاريخ الفكري والإستوغرافيا وتحولات الكتابة التاريخية.

الدراسة الأولى هي "التاريخ الفكري: النشأة والموضوع والمنهج ووضعه في الدراسات التاريخية العربية الحديثة" لعمرو عثمان. وتتناول هذه الدراسة أسئلةً عديدةً مرتبطة بالتاريخ الفكري؛ مثل تعريفاته، ومناهج دراسته المختلفة، وإشكالياته الكبرى. وتهدف الدراسة إلى استعراض نشأة مجال التاريخ الفكري وتطوره في الدراسات التاريخية الغربية المعاصرة، وذلك بهدف التعرف إلى علاقة هذا المجال بأغراض التاريخ الأخرى، وعلاقته بما سبقه من مناهج في دراسة التاريخ، إضافةً إلى التعرف إلى أهم القضايا النظرية المرتبطة بالتاريخ الفكري. وتعرّج الدراسة على حالة الدراسات التاريخية العربية الحديثة المرتبطة بالتاريخ الفكري، فضلًا عن بعض الصعوبات التي تواجه المهتم بدراسة تاريخ الإسلام الفكري تحديدًا، مقترحةً مجموعةً من الحلول الممكنة للتعامل معها على مستويات مختلفة.

أما الدراسة الثانية، فهي "أساليب التصنيف التاريخي من خلال مقدمات كتب التاريخ" لعلي مزيان. وتناقش هذه الدراسة الكيفية التي يتوخى المؤرخ من خلالها المفاصلة بين ما له علاقة بالأشخاص وبين ما له تعلّق بالأحداث والوقائع، إضافةً إلى الانتقال من حشد الأخبار إلى النظر في العِلل المؤثّرة في نشأة الأمم وأفولها، وذلك في مراحل مبكّرة من القرن الرابع الهجري عند المسعودي، على غير ما هو مألوفٌ في البحث التاريخي. أمّا على مستوى أدوات التحليل التاريخي، فتتطرق الدراسة إلى أداتين: طبائع العمران عند عبد الرحمن بن خلدون باعتبارها تسبق تمحيص الرّواة، والتحقيب الحضاري عند غريغوريوس بن العِبري الذي يتجاوز به "التمفصلات السلالية" المعتمدة في التاريخ، وهو تحقيب يرصد الانتقال من حضارة إلى أخرى، بحسب درجة قربها من "العلم"، أصّل لـ "حضارة الفكرة" و"حضارة الصنعة"، ثم "حضارة القوّة"، نزولًا إلى "اللاحضارة". واختتمت الدراسة بأهمية النّأي عن التعميمات المتوارثة التي كرّست ريادة أعلامٍ بعينها، وأغفلت فضل آخرين يستحقّون الرّيادة والتميّز والإشادة.

تَرِدُ الدراسة الثالثة بعنوان "حضور الدولة وتمثّلاتها في المجالات الطرفية: إيالة تونس في الفترة الحديثة" لمصطفى التليلي، وهي تناقش ما يتعلق بالدولة في البلاد التونسية خلال العصر الحديث، مع تنويعٍ في سلّم النظر والموازاة بين المحلّي والمركزي ومراعاة تمثّلات الفاعلين وخطاباتهم. وقد اعتمدت هذه الدراسة على مصادر أفرزتها البيئة المحلية في الأطراف تتّسم بكونها متخلّصة، نسبيًّا، من إكراهات المركز. واحتوت هذه المصادر المحلية على تعبيرات خاصة، وعكست التصورات الحاملة لانتظارات سكان الأطراف من الدولة ولعلاقاتهم بها؛ إذ تتطوّر تمثّلات السكان للدولة بحسب السياقات التاريخية المتعاقبة، بالتوازي مع مسار تشكّل الدولة، ومع مدى تقبلها من الأفراد والجماعات. وتعزّزُ نتائج هذه الدراسة فكرةَ وجود تعدّدٍ وتنوّعٍ في المسارات التاريخية المُفضِية إلى نشأة عناصر الدولة الحديثة المؤسّسة لمشروعيتها.

أما الدراسة الرابعة، وهي بعنوان "الحريم الصفوي: إضاءات جديدة" لمحبوبة مجيدزادة، فتهدف إلى تسليط الضوء على حضور المرأة الصفوية في المشهد السياسي، والمكانة التي حظيت بها في البلاط الصفوي بين الواقع والخيال، وتدعو إلى قراءة النصوص التاريخية بمعطيات معاصرة، وتجاوز الصورة النمطية بشأن حكم الحريم، ومحاولة رؤية الدور الذي قامت به المرأة أيضًا في الحفاظ على بنى الدولة وتيسير الانتقال من حاكم إلى آخر بسلاسة، عبر عرض نماذج نسائية مارست المرأة فيها تأثيرًا سياسيًّا جوهريًّا في البلاط الصفوي. كما تعرض الدراسة مسيرة المرأة ووضعها في ظل القيود المفروضة عليها ودورها في ازدهار الحضارة الصفوية.

تَرِدُ الدراسة الخامسة بعنوان "الإستوغرافيا وبناء الدولة الوطنية الحديثة في تركيا" لسعاد بنعلي. وفي هذه الدراسة تُعنى الباحثة بمسألة تأسيس إطار للتاريخ الرسمي للدولة الكمالية. فمنذ إعلان مصطفى كمال عن قيامها سنة 1923، وجدت الدولة الحديثة في تركيا نفسها أمام إشكالية بناء الوطن الجديد من حيث دعائم هويته الأساسية. وفي سبيل البحث عن الرابط بين البعد القومي والجغرافي، وُظف التاريخ لخلق تلك اللُّحمة الضرورية بينهما، فبات مجالًا للتأويل ومنهلًا لنسج معالم أيديولوجية الدولة الوليدة. وأحدث المشروع الكمالي قطيعةً مع الماضي العثماني. وضمن هذا الإطار، جاءت "أطروحة التاريخ التركي" لتعيد النظر في ماضي تركيا على نحوٍ يخدم أيديولوجية الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن عملية إعادة كتابة التاريخ التركي تجاوزت التاريخ القديم لتشمل القريب منه؛ إذ حرص مصطفى كمال، عَبْر خطاب "نُطُق"، على فرض روايته لملابسات حرب التحرير. كما أن المراجعات التي شملت العلاقة بالماضي الإسلامي، بعد وفاته سنة 1938، وظفت الإسلام للإعلاء من دور العرق التركي في تاريخ الإسلام.

أما الدراسة السادسة، وهي بعنوان "تحوّلات الكتابة التاريخية: من تاريخ النخب إلى تاريخ الهامشيين، المدرسة البريطانية مثالًا"، لمحمد غاشي، فهي تسلط الضوء على المدرسة البريطانية التي رسّخت تقليدًا علميًا متميّزًا وملهمًا متمثّلًا بالتاريخ من أسفل في عملية الكتابة التاريخية. كما تسعى هذه الدراسة إلى تحليل طبيعة العلاقة بين التوجهات البحثية للمدرسة، ومدى تأثرها بالتحولات الهائلة التي شهدتها البشرية خلال القرن الماضي على المستويات كافةً، فضلًا عن استنطاق بعض الوشائج المعرفية والتواصلية التي ربطها هذا التيار الإستوغرافي بالتخصصات المعرفية الأخرى. وتستند الدراسة إلى منهجية تعيد الاعتبار إلى وعي المهمّشين، وتستعيد مكانتهم في التاريخ بصفتهم فاعلين في مسرح التاريخ، ومشاركين في دراما أحداثه بقدر ما يُعتبرون ضحاياه الصامتين الذين أريد لهم أن يظلوا في كهف معتم بعيدًا عن نور السؤال التاريخي. وقد تجسّد ذلك، بصورة جلية، في أطروحات المدرسة البريطاني: التاريخ من أسفل، وهي أطروحات خرجت من رحم الحوليات، وسارت على هديها في منح حق المواطنة التاريخية لعوام الناس. ولإنجاز ذلك، كانت المدرسة خارج كل نزعة تقليدية، وجعلت من التعدُّد في الاختصاصات عقيدةً لها.

يُختتم باب "دراسات" بدراسة عنوانها "الثورة الجزائرية في الأمم المتحدة" لنور الدين ثنيو.
وتهدف هذه الدراسة إلى تأكيد عدة اعتبارات؛ من بينها دور المرجعية السياسية الدولية في إضفاء الشرعية على مطالب الاستقلال، واستعادة السيادة وتصفية الاستعمار، ودور القضية الجزائرية في الأمم المتحدة ومساهمتها في تكريس مبدأ الاستقلال وتصفية الاستعمار، وأهمية المقاومة السياسية والدبلوماسية بوصفها امتدادًا للصراع الثوري المسلح، ونجاعتها في التأسيس اللاحق للدولة الحديثة وفق مقتضيات القانون الدولي العام الذي يحكم الشعوب والأمم والدول، وترسيخ مبدأ الأمن والسلام الدولي بوصفه مبررًا لوجود منظمة الأمم المتحدة.

أما في باب "ترجمات"، فتنشر المجلة ثلاث مقالات مترجمة من اللغة الفرنسية صادرة في مؤلف جماعي، وهي تتعلق بـمسائل "التاريخ المقارن والتاريخ المتقاطع"، و"البنيوية"، و"تاريخ المصطلحات"، وقد ترجمها مصطفى التليلي.

في حين يضمّ باب "مراجعات كتب" مراجعتين؛ إحداهما مراجعة لطفي عيسى كتابَ التأريخ العربي وتاريخ العرب كيف كتب وكيف يكتب؟ الإجابات الممكنة، لمجموعة من المؤلفين، والأخرى مراجعة عبد الرحيم بنحادة كتابَ المدينة العربية والحداثة لخالد زيادة.

ويتضمّن باب "وثائق ونصوص" دراسة بعنوان "وساطة اليهود في التجارة بين المغرب وهولندا أثناء القرن التاسع عشر من خلال وثائق الأرشيف الوطني في لاهاي" لعبد الغني العمراني. وفي هذه الدراسة يسلّط الباحث الضوء على الدور الريادي الذي أدّاه اليهود المغاربة في الوساطة التجارية بين المغرب وهولندا خلال القرن التاسع عشر، مستفيدين من الخصوصية التي خصَّهم بها السلاطين المغاربة، والتي جعلتهم يتبوؤون منزلة رفيعة؛ ليس في المجال التجاري فحسب، بل في المجال الدبلوماسي أيضًا.

يختتم العدد أبوابه بـ "ندوة أسطور"، وهي بعنوان "المؤرخ العربي ومصادره". ويشتمل هذا الباب على ثلاث دراسات تعرض تجارب مؤرخين وباحثين مع المصادر التاريخية المتنوعة. الدراسة الأولى بعنوان "نحو رؤية للخروج من ’الميكرو – تاريخ‘ إلى ’الماكرو – تاريخ‘: ’وثائق أوقاف القدس بوصفها مصدرًا تاريخيًّا أنموذجًا‘" لموسى سرور. أما الدراسة الثانية، فهي بعنوان "التأريخ للمهمشين في فلسطين منذ الحكم العثماني إلى النكبة وما بعدها" لعادل مناع، في حين وردت الدراسة الثالثة بعنوان "الاستعمار بالمُخيّلة: القدس في الصورة الفوتوغرافية المُبكرة"، وهي لعصام نصار.