بدون عنوان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الأحد 17 تموز/ يوليو 2011 جلسة تفكير ونقاش لتأسيس برنامج "تقييم الأداء المهني لوسائل الإعلام في الدول العربية". شارك فيها نخبة من أساتذة وخبراء الإعلام والعاملين في المجال الإعلامي العربي.

واستهل الدكتور عزمي بشارة -مدير المركز- النقاش في المرحلة الأولى من جلسة التفكير التي تناولت قضية المعايير. واعتبر أن العالم العربي يعيش "ثورة إعلامية" خلقت رابطاً -إلى حد بعيد- بين أجندات المواطن العربي. وقال بشارة إن واقع الإعلام الراهن تشوبه "حالة من الفوضى" في المعايير المهنية، وذلك لغياب النقابات الصحافية المنظمة والمواثيق الأخلاقية الملزمة والقوانين التي تنظم حرية الإعلام ومهنيته. وأوضح بشارة أن هذا الأمر فتح المجال أمام المؤسسات الإعلامية الأجنبية لكي تستغل الفراغات المتاحة وتقوم بعمليات الرصد الإعلامي بموجب أجندات معينة ولا سيما في فترات الانتخابات. ولفت إلى أن الحكم على مهنية أداء الإعلام العربي باتت تتم عبر معايير تضعها مؤسسات غربية، ومن ثم برزت أهمية القيام بفكرة الرصد على مستوى الخبراء والمثقفين العرب المختصين في المجال الإعلامي.

وقال  بشارة إنه خلال العقدين الأخيرين توسع هامش الحريات أكثر من ذي قبل وبدا السؤال الملح هل أن ما يتوفر يلتزم بالحد الأدنى من معايير المهنية لكي تستحق الصحافة اسمها؟ مشددا على أن هذه المعايير ما كان بالإمكان فحصها قبل عقدين بسبب وجود أنظمة سلطوية لم تكن لتسمح بوجود صحافة حرة.

واعتبر بشارة أن الظروف الراهنة تستدعي العمل على تأسيس إعلام مهني حر "لأنه لا يجب التريث حتى قيام أنظمة ديمقراطية للبدء بمحاسبة ومساءلة وسائل الإعلام، ومن المهم معرفة كيف يعالج الإعلام القضايا التي تشغل الرأي العام العربي في هذه المرحلة، لأن من يملكون وسائل الإعلام ما زلوا يؤدون ذات الدور.. ويميل هؤلاء حيث توجد القوة، فإذا كانت القوة اليوم مع الشارع -بعد الثورات العربية- نجدهم يتملقون الشارع وعندما تكون القوة مع السلطة يتملقونها".

وأوضح أن الهدف من مشروع الرصد هو قياس مدى مهنية الإعلام ضمن الحد الأدنى المقبول وفق المعايير المهنية وشروط بيئة العمل الصحفي الداخلية والخارجية، وذلك من قبل أفراد ليس لديهم مصالح. كما يهدف البرنامج إلى دحض التصور القائم لدى وسائل الإعلام  بأنها تُحَاسِب ولا تُحَاسَب.

بدورها اعتبرت الدكتورة نهاوند القادري، الأستاذ بكلية الإعلام بالجامعة اللبنانية، أن الوطن العربي بحاجة لثقافة الرصد، لأنها جزء من ثقافة المساءلة والمحاسبة، ولأن وسائل الإعلام في العالم العربي لا تتمتع بالشفافية اللازمة. ونوّهت إلى أن عملية الرصد الإعلامي لا بد أن تشتمل على أربعة أبعاد أساسية هي: البعد المعرفي والمهني والأخلاقي والتفاعلي.

أما الدكتور الصادق حمامي، الأستاذ بكلية الاتصال بجامعة الشارقة، فقد شدد على الغياب الكامل للأطر التشريعية التي تنظم مهام وسائل الإعلام، ومن ثما غياب مقاييس مساءلة وسائل الإعلام. واعتبر حمامي أن رهان المرحلة اليوم هو بناء مجال إعلامي عربي مستقل وديمقراطي وأن أحد أهم الوظائف التي يقوم بها الإعلام حالياً هي "إدارة النقاش العام" والمساهمة في تأسيس "المجال العام".

واقترح الدكتور باسم الطويسي، الأستاذ في الجامعة الأردنية، ربط قضية التحول الديمقراطي بالمهنية وجودة المحتوى. وقال إن الرصد لابد أن يركز على نقطيتين: "البيئة الخارجية للإعلام والتي تتضمن السياق القانوني والتشريعي السائد وأنماط الملكية، والبيئة الداخلية التي تشمل العلاقات المؤسسية، ويمكن أيضاً تقييم المشهد الإعلامي تحت سقف "حرية الإعلام".

وتحدث الأستاذ هاني شكر لله، مدير تحرير جريدة الأهرام، عن المشهد الإعلامي المصري الذي اعتبره "مشهداً حافلاً بالفوضى"؛ فوسائل الإعلام المملوك للدولة أصبحت في حالة ارتباك شديد بعد الثورة. واعتبر شكر الله أن أحد أشكال التحول الديمقراطي هو تحول الإعلام من ملكية الدولة لملكية الشعب، واعتبر أن المعيار المهني أهم في إعلاء قيمة الحقيقة فوق الانحياز  الأيديولوجي والسياسي، وكذلك في إعلاء قيم الحرية والكرامة ورفض الظلم والقهر والعنصرية.

وأثار المشاركون نقاشاً حول أهمية مشروع الرصد باعتبار أن  وسائل الإعلام تمارس دوراً مهماً ومحورياً في التنشئة السياسية والثقافية، ولأن الرصد يمنح المواطنين الوعي في التعامل النقدي مع وسائل الإعلام ويتيح للإعلاميين التعرف على الأخطاء.

واتفق المشاركون على ضرورة رصد الدور الذي تؤديه وسائل الإعلام الجديدة وصحافة المواطن، وهي الوسائل التي كانت -قبل الثورات العربية وأثنائها- تقوم بدور في بناء المجال العمومي، كما أدت دورا مضاداً وموازياً للمجال الإعلامي الرسمي؛ غير أنها في بعض البلدان صارت عنواناً للتشرذم والتنافس والتناطح. كما طرحت تساؤلات عن العلاقة بينها وبين وسائل الإعلام التقليدية. وتطرق النقاش إلى معيار ي الموضوعية والحياد والتوازن كمعيار لقياس الموضوعية.

وتناول النقاش في الفترة الثانية لجلسة التفكير موضوعات تتعلق بالطرق المتاحة لرصد وسائل الإعلام، وماهي تلك الوسائل التي ستخضع لتقييم الأداء، مع التركيز على المؤسسات الإعلامية ذات نسب المشاهدة الأكبر والمقروءة أكثر، وكذلك الكيفية التي سيتم بها القيام بعمليات الرصد.

ورغم عدم تحقق الإجماع حيال موضوعات الرصد، فقد اعتبر بعض المشاركين أن مسألة التحول الديمقراطي التي يشهدها الوطن العربي جديرة بأن تكون نقطة انطلاق لعملية الرصد للقضايا المتعلقة بها، فيما رأى آخرون أن النقطة الأهم تتمثل في رصد إدارة الإعلام للنقاش العام.  

واتفق المشاركون على إعداد مجموعة أوراق بحثية يمكن أن تشكل أساساً نظرياً لعملية تقييم الأداء المهني لوسائل الإعلام، وتركز على دراسة نقدية تقوم بمراجعة تجارب الرصد الإعلامي في العالم عموماً والعالم العربي على وجه الخصوص مع ربطها بالمنهج الذي يجب اتّباعه. وأيضا ورقة أخرى تدرس الخطاب الإعلامي وعلاقات القوة والسيطرة. وورقة ثالثة تدرس مجموعة المعايير التي تلتزم بها الجهة الراصدة، والرابعة والأخيرة تتناول وضع مسودة أولية لكيفية تقييم مهنية أداء الإعلام العربي.

واتفق المشاركون في الجلسة على عقد جلسة قادمة لإقرار معايير الرصد والموضوعات محل التقييم والهيئات الإعلامية التي سوف تُرصد عند تقييم الأداء المهني للإعلام. كما تم الاتفاق أيضاً على توسيع أعمال البرنامج لتشمل تقييم الأداء المهني لوسائل الإعلام الغربية في ما يتعلق بالمنطقة العربية وأيضاً تنظيم فرق رصد وطنية في البلدان العربية تسعى لتقييم أداء وسائل الإعلام حيال الموضوعات التي تهم كل قطر عربي على حدة.