بدون عنوان

اختتم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت يوم الأحد 24 نيسان / أبريل أعمال مؤتمره السنوي الثالث للدراسات التاريخية "التأريخ العربي وتاريخ العرب". وأعلن الدكتور وجيه كوثراني المدير العلمي للإصدارات في المركز عن موضوع المؤتمر السنوي للدراسات التاريخية في دورته الرابعة للعام 2017، وسيكون تحت عنوان: "العرب من مرج دابق 1516 إلى سايكس – بيكو 1916: تحولات السلطة والمجتمع على المدى البعيد".

وتمحورت جلسات اليوم الثالث حول "الذاكرة والتاريخ وحقل المنبوذ والمطموس". وترأّس الدكتور ناصر الدين سعيدوني الجلسة الصباحية الأولى التي تحدّث فيها عبد العزيز الطاهري عن "الإستغرافيا العربية المعاصرة بين التاريخ والذاكرة – المغرب نموذجًا"، فأشار إلى أنّ هذه الجدلية تُعدّ حقلًا جديدًا، وأخذ هذا الموضوع يتسع في المغرب بعد بدء هيئة الإنصاف والمصالحة أعمالها في عام 2004 لطيّ ذاكرة الإساءات الفظيعة بحق المواطنين.

وقال إنّ هذا النوع من الكتابة التاريخية يهتم بالسرد والمجالس السياسية وتقديس الأسطورة والهوية ويعكس أيديولوجيا السلطة، لذا فإنّ أغلب هؤلاء المؤرخين فاعلون سياسيون، ويمكن القول إنّ هذا الصنف من التأريخ نوع من الأسطورة التربوية.

واستعرض الطاهري أنماط الكتابة التاريخية التي رافقت تاريخ المغرب منذ ما قبل الاستعمار الفرنسي له، وفي أثنائه وبعده، ومحاولة استعادة الهوية العربية والإسلامية للبلاد؛ أي إنّها كانت محاولة لاستعادة ذاكرة البلاد. وأشار إلى هيمنة الذاكرة على كتابة التاريخ بعد فيض الشهادات التي أدلى بها كلّ طرف، ما أنتج إشكالية بين الذاكرة والتاريخ وبين المؤرخ والحدث التاريخي، مشيرًا إلى صعوبة الكتابة الموضوعية في هذا المجال لأسباب منها استقصاء الذاكرة، وانتقائية الأحداث المروية، إضافةً إلى الفاعل التاريخي الذي يروي شهادته وطبيعة انتماءاته. ودعا إلى اعتماد مقاربة تصالحية بين الذاكرة والتاريخ.

ثم تحدّث الدكتور مسعود ديلمي عن "كتابة التاريخ في الجزائر بين إحياء الذاكرة والبحث الأكاديمي"، فوصف كتابة تاريخ الجزائر بـ "الشائك"، متسائلًا عمّا إذا كانت هناك مدرسة للكتابة التاريخية في الجزائر، ذلك أنّ السؤال والشكّ حولها يأتيان من أكثر من جهة في الجزائر.

ولفت إلى إشكالية الحدود بين الذاكرة والتاريخ، ورأى أنّهما يتكاملان ويتعارفان في آن. وقال إنّ الذاكرة تفرض المقدس، في حين أنّ التاريخ يحلل بمنهج علمي، ويدور في إطار نقد دائم ويعتمد على التحولات الزمنية في قراءته. وسأل: هل المؤرخ وحده هو من يكتب التاريخ؟ وقال إنّ الكتابة التاريخية في الجزائر قد مرّت بمراحل عدة.

بعد مداخلة الدكتور ديلمي، عرَض الدكتور يحيى بو لحية بحثه عن "الميثولوجيا (الأسطورة) والتاريخ: نماذج للتحليل والاختبار"، فقال إنّ موقع النص الميثولوجي غالبًا ما يكون هامشيًا في كتاباتنا التاريخية العربية. ورأى أنّ الإنتاج الميثولوجي هو التعبير الحقيقي عن خيال المجتمع.

ثم تحدّث الدكتور عمرو عبد العزيز منير عن "السير الشعبية العربية مصدرًا لقراءة تاريخ الفتح الإسلامي لمصر"، وسلّط الضوء على ما قدّمته السيرة في الحضارة العربية الإسلامية ومجال نظرتها إلى الآخر، وإذا ما كانت هذه السيرة تصلح لقراءة التاريخ.

وتساءل عن سبب الجهد الشعبي لكتابة السير عن الفتح الإسلامي في مصر عبر روايات متعددة ومتنوعة، معدّدًا عناوين بعضها. ووصف السيرة بأنّها هوية المجتمع، واستدعاء للذات الغائبة والمنسيّة، وشكل من أشكال الصراع مع الآخر.

أمّا الجلسة الثانية فترأّسها الدكتور محمد الطاهر المنصوري، وافتتحها الدكتور محمد حمزة بالحديث عن "تاريخ المهمشين في الإسلام المبكر: قراءة نقدية جديدة لسير بعض الصحابة"، وتساءل عن المشروعية ومقتضيات التاريخ ومركز الحماية في التأريخ للإسلام، فشهادتهم كانت بمنزلة شهود على الوحي والعاملين على النقل، ما أبعدهم عن المساءلة.

وركّز حمزة على تفعيل مركزية بعض الصحابة وتهميش آخرين ما أدّى إلى تغييب مساءلة التاريخ أيضًا. وخلص إلى أنّ السيرورة التاريخية في كتابة تاريخ الإسلام مثّلت سياجًا أدّى إلى تحصين عدد من الصحابة وتهميش آخرين.

ثم تحدّث الدكتور عبد الله علي إبراهيم عن "ابن خلدون في خطاب الهوية السودانية"، ولفت إلى السياسات والأمزجة التي ترتبت عليها اهتزازات وشرعيات خدمت السلطة في استفادة بعض أركانها من تفسير ابن خلدون.

وقدّم الدكتور عبد العزيز لبيب ورقة تحت عنوان "الواقعة في تقاطع المنظورات ودخول العرب إلى أفريقيا"، ركّز فيها على أنّ بحثه ليس لإعادة ترتيب القيم الأخلاقية والحضارية بل للتدقيق في السردية الجماعية. وقال إنّ بحثه ينقسم إلى جزأين؛ يرصد في الجزء الأول شهادات المؤرخين عن دخول العرب إلى أفريقيا والتخريب الذي رافقه كما ذكر بعضهم، في حين يرصد الجزء الثاني ميدان السردية الحكائية. وسأل لبيب: كيف كتب ابن خلدون في هذا الموضوع؟ وكيف قرأ الخراب الذي أحدثته القبائل العربية للعمران في القيروان؟

ثم قدّمت محاسن عبد الجليل بحثها "نحو مداخل منهجية وأدوات جديدة لتأرخة المطموس: تأريخ النبذ والإقصاء نموذجًا"، وأشارت فيه إلى تحديات الكتابة في تاريخ الحقل الاجتماعي، وإلى كيفية حصول عملية الطمس وتهميش الأخبار بأدوات تقوم بها إمّا الدولة أو الأوساط الأكاديمية أو من خلال السرد الشعبي، أو ما يسمّى الطمس الناعم الذي يقوم به المؤرخ، وفي عمل الأرشيفات التي تلجأ إلى تغييب أحداث لا تريدها، أو من خلال العبث بالوثائق الرسمية بشطب بعض الفقرات فيها.

وكان الدكتور أحمد دلال قد تحدّث عن "إشكالية التأريخ العربي لثقافة العلوم"، فقال إنّ الإنتاج الثقافي العلمي في المجتمعات العربية والإسلامية الكلاسيكية يشمل آلاف المخطوطات العلمية من مناطق جغرافية واسعة (من حدود الصين وحتى شواطئ الأطلسي)، في فترةٍ تقارب الثمانية قرون.

وذكر أنّ العقود الأربعة الأخيرة شهدت تزايدًا ملحوظا في الدراسات التفصيلية لمجموعة كبيرة من المخطوطات العلمية العربية، ما أدّى إلى زيادة نوعية في المعرفة المتوافرة حول فروع العلوم الإسلامية المختلفة، إلا أنّ التأريخ الثقافي الشامل لا يزال يعاني الكثير من التبسيط والتسطيح، وما زال ينهل من مقولات أسَّس لها الاستشراق من جهة، أو النزوع إلى التمجيد والتفخيم للإسهام العلمي العربي والإسلامي، من جهة أخرى.

وركّز دلال في بحثه على المقاربات التي تؤكّد التعارض بين الثقافة العلمية الخاصة والتيارات الثقافية العامة السائدة في المجتمعات العربية والإسلامية ولها صيغها المتعددة؛ ومنها أنّ إحدى الفرضيات الأساسية لهذه النظرية هي أنّ انحطاط ثقافة العلوم في المجتمعات الإسلامية (بغضّ النظر عن التاريخ المحدّد لهذا الانحطاط) ينبع من طبيعة العلوم الإسلامية ومن فقدان الدعم المؤسساتي.

ولفت إلى أنّ الكثير من الكتابات عن تاريخ العلوم العربية والإسلامية يقارب من زاوية غائبة؛ بحيث يهيمن سؤال الانحطاط أو الانحدار على سائر أسئلة التأريخ. وبذلك تؤول ثمانية قرون من الإنتاج العلمي بالنظر إليها حصرًا عبر عدسة الانحطاط الذي حلّ بها في محصلة سياقها التاريخي. ويكمن الخلل الرئيس في هذه المقاربة في ردّ الانحطاط إلى مزايا ثقافية ومعرفية ثابتة وقارّة، عوضًا عن تحليل الانحطاط نفسه بوصفه نتاجًا لعوامل تاريخية مختلفة، وظاهرة عرضية للتاريخ وليس بوصفه محركًا لهذا التاريخ ومسيّرًا له.

وأضاف دلال: "إنّ المشترك بين كلّ هذه المقاربات هو أنّها تؤكد أنّ الثقافة العلمية في المجتمعات الإسلامية ازدهرت لما يناهز الثمانية قرون بمعزلٍ عن، بل رغمًا عن التيارات الثقافية السائدة في هذه المجتمعات، وليس نتيجة لها. وفي مقابل هذه المقاربات التي تزعم التعارض والتهميش، هناك مدرسة أخرى على نقيض هذه المدارس تجزم بالتناغم والتلاؤم، بل والوحدة بين العلوم العقلية والعلوم الدينية في الثقافة العربية الإسلامية، هذه المدرسة متفشية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة وتتمتع بشعبية كبيرة بين مثقفي المسلمين وعوامّهم على السواء".

هذا، إضافةً إلى جلسةٍ عقدت بعد الظهر سبقت الجلسة الختامية، ترأّستها الدكتورة زهيرة درويش، وتحدّث فيها الدكتور سامر عكاش عن "العلوم العربية والمركزية الأوروبية الجديدة: إشكاليات التأريخ العربي للعلوم في الحضارة الإسلامية". وأشار إلى هاجس المؤرخين العرب للردّ على آراء الأوروبيين، ما قاد إلى تهميشٍ أخرج العرب من دائرة التطورات العلمية. وسأل عكاش لماذا ظهرت الكتابة عن العلوم في الغرب وليس في الشرق على الرغم من دور المسلمين العرب في العصر الوسيط في النهضة العلمية. وأوضح أنّ مؤرخي العلوم العرب ركّزوا جهودهم على تبيان الدور العربي المحوري في صناعة النهضة الأوروبية بوصفه هدفًا أساسيًا لمشروعهم، وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: لماذا ساهموا في صناعة النهضة الأوروبية ولم يساهموا في نهضتهم؟

ورأى عكاش أنّ تاريخ العلوم العربية يتطلب تجاوز التناقضات الدينية – العلمية. وأكّد أنّ إعادة كتابة تاريخ العلوم العربية على خطوط التماسّ مع المركزية الأوروبية.

ثم تحدّث الدكتور حسين بوجرة عن "كتابة الديموغرافيا التاريخية وتاريخ الأمراض والطب". وركّز على مسألة التصورات السائدة في الكتابة التاريخية، وعلى تغييب العديد من المصادر التاريخية، ما انعكس سلبيًا على هذه المسائل، مشيرًا إلى أنّ شحّ المصادر التاريخية يتعلق بالذين كتبوا تاريخ الدول والبلاط، عكس ما هو عليه أدب الرحلات، وعن الأمراض، والرسائل الفقهية والطبية التي استبعدت من الكتابة التاريخية.

وكانت المحاضرة الأخيرة في المؤتمر للدكتور عبد الحميد المكني تحت عنوان "منعطف الأنثروبولوجيا التاريخية في المغارب: المؤرخ ومساءلة المألوف".

  

 


للاطلاع على برنامج جلسات المؤتمر، انقر هنا
للاطلاع على الورقة المرجعية للمؤتمر، انقر هنا