بدون عنوان

إحدى جلسات النقاش العامّ في اليوم الأخير للمؤتمر

اختتمت اليوم (الاثنين 9 كانون الأول/ ديسمبر) أعمال المؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث العربية الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة تحت عنوان "قضية فلسطين ومستقبل المشروع الوطني الفلسطيني" لمدة ثلاثة أيام. ووجه العديد من الباحثين والأكاديميين والسياسيين والناشطين والمتضامنين الدوليين مع القضية الفلسطينية دعوة صريحة إلى إعادة صوغ المشروع الوطني الفلسطيني، على نحو يستجيب لمقتضيات المرحلة وتأخذ فيه أساليب المقاومة والمفاوضات مكانتها المحددة بالأهداف التي تسطر لها، مع بحث أساليب جديدة والاستفادة من تجارب دولية ومنها تجربة مناهضة نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. ورأى جل المحاضرين والمتدخلين في أعمال المؤتمر أن النهوض بمشروع وطني جديد لن يكتب له النجاح من دون تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنشاء مرجعية واحدة تحتكم إليها القوى الفلسطينية جميعها، سواء بإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها، أو بإنتاج هيئة مرجعية جديدة.

وقد تناولت جلسات اليوم الأخير من المؤتمر محاور: "فلسطين في القانون الدولي"، و"قضايا اللاجئين"، و"القضية الفلسطينية في السياسة الدولية"، فيما أقيمت أربع حلقات نقاش حول "السياسات الأوروبية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي"، و"القضية الفلسطينية والإعلام العربي"، و"الحراك الشبابي لدعم القضية الفلسطينية"، وخصصت آخر حلقات النقاش لمراكز الأبحاث العربية.
 
 
القانون الدولي لن يحرر فلسطين، لكنه يُحرج الاحتلال 
 

أثارت الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثالث للمؤتمر نقاشًا قانونيًّا رصينًا في وضع الكثير من القضايا المرتبطة بفلسطين في القانون الدولي، مثل قضايا الجدار العازل، واللاجئين، والمستوطنات، والفصل العنصري، والجرائم ضد الإنسانية. وقد تحدث في الجلسة عدد من الخبراء القانونيين والمحامين الدوليين، وحضرها العضو السابق في محكمة العدل الدولية في لاهاي القاضي الأردني عون الخصاونة.

ولخّص المحامي الأردني محمد خليل موسى خلال تقديم ورقته عن "تداعيات الرأي الاستشاري المتعلق بجدار الفصل العنصري - رؤية عملية" كلَّ السجال القائم بشأن جدوى اللجوء إلى المحاكم الدولية والضغط على الاحتلال الإسرائيلي عن طريق القانون الدولي بقوله: "القانون الدولي لن يحرر فلسطين، لكنه يستطيع أن ينزع الشرعية عن كثير من الإجراءات والمخططات الإسرائيلية، وأن يثبت حقوق الشعب الفلسطيني".

وأثارت الخبيرة القانونية الفلسطينية ديانا بطّو في ورقة عن "المستوطنات في القانون الدولي" نقطةً حسّاسةً بشأن المستوطنات؛ إذ نبَّهت إلى أنّ انزلاقًا حدث في خطاب المفاوض الفلسطيني الذي أصبح يطالب بوقف الاستيطان والتوسع الاستيطاني، في حين أنّ المطلب الحقيقي  هو إزالة كلّ المستوطنات، لأنها غير شرعية في نظر القانون الدولي.


تأخُّر حلّ قضية اللاجئين يفرض منحهم الجنسيات العربية وكامل الحقوق

طالب الباحث الفلسطيني عباس شبلاق الدول العربية بمنح اللاجئين الفلسطينيين المقيمين على أراضيها جنسياتِها؛ لأنّ حرمانهم الجنسيةَ يؤدّي إلى حرمانهم حقوقَهم الإنسانية في التنقل، والعمل، وغير ذلك.

وفي السياق نفسِه، أكَّد الناشط آدم شابيرو أنّ الدول العربية مطالبة بحماية الفلسطينيين، ورعايتهم، وتسوية وجودهم القانوني، إضافةً إلى ضمان حق العودة وحقوقهم السياسية. وأوضح أنّ ضمان هذه الحقوق من شأنه أن يعزِّز دينامية الحركة الوطنية الفلسطينية.

من جهته، تحدث الباحث رامي أبو شهاب عن الشتات من زاوية تحليل الخطاب، وذلك بهدف اختبار قدرة خطاب الشتات الفلسطيني على صوْغ منظور متماسك ومؤثِّر، ولاسيما من حيث قدرته على مواجهة خطاب الشتات اليهودي وتقويضه، بالنظر إلى أنّ هذا الخطاب قد قام على مركزية المنفى والشتات؛ من أجل تكريس قيام دولة إسرائيل.


دول أوروبا الشرقيّة وقفت عائقًا أمام فرض الضغوط على إسرائيل

أكد الباحث بشارة خضر، خلال حلقة نقاش عن "السياسات الأوروبية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي" أنّ الاتحاد الأوروبي كان له أثر كبير في الموقف الأميركي تجاه القضيّة الفلسطينية، وأشار إلى أنَّ خطاب الاتحاد الأوروبي تطوّر تطوُّرًا إيجابيًّا إزاء قضية فلسطين، ولكنَّه اتهم دول أوروبا الشرقيّة بالوقوف عائقًا أمام فرْض الضغوط على إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي؛ "بسبب عدائها للإسلام، ولعلاقاتها بإسرائيل"، مشيرًا إلى أنَّ التناقضات بين الدول الأوروبيّة وعلاقاتها الاستراتيجيّة بالولايات المتحدة الأميركية أدَّت دورًا أساسيًّا في تعطيل أيّ موقف موَّحدٍ وحاسمٍ، إزاء القضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي.

إحدى الجلسات الأكاديمية لليوم الأخير من المؤتمر

وردّ مارك أوته مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية البلجيكيّة، بأنَّ دول الاتحاد الأوروبيّ بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، لم تكن تريد أن تقاطع حكومة حماس، مشيرًا إلى أنَّ السلطة الفلسطينية في رام الله هي التي طلبت مقاطعة حماس، وبذلك لم تكن الجماعة الأوروبيّة تملك أيّ شيء؛ لأنّ السلطة هي التي "أوقفت الحوار".


باحث هندي: إسرائيل تُقابل التودُّد الهندي بـ "العربدة"

قال الباحث الهندي والخبير في الدراسات الإسلاميّة ظفر الإسلام خان إنّه على الرّغم من الأهميَّة القصوى التي توليها الهند إلى علاقتها بإسرائيل، فإنّ الحكومات الإسرائيليّة لا تتوانى عن خلق المشاكل المتكررة مع الهند في قضايا عديدة منها التجسس و"العربدة".

وأضاف خان في ورقةٍ جاءت تحت عنوان: "الهند والقضيّة الفلسطينيّة"، في جلسة عن "القضية الفلسطينية في السياسة الدولية"، أنَّ الهند تشتري نصف الأسلحة التي تنتجها إسرائيل، وتحاول قدر الإمكان عقد مشاريع مشتركة مع إسرائيل متحملةً جميع التكاليف.

وفسّر الباحث الهندي هذا التودد المستمرّ إلى إسرائيل، برغبة الهند المتكررة في الاستفادة من "الخبرة العسكريّة الإسرائيلية في مكافحة ما يُسمى "الإرهاب"، والاستفادة من اللوبي الإسرائيلي في الضغط على الولايات المتحدة من أجْل رفْع الحظر عن انتقال التكنولوجيا العالية إليها.

وعلى الرّغم من ذلك، نبَّه خان إلى أنَّ إسرائيل تتعمد دائمًا إهانة الثقة وانتهاك الخصوصيّة الهندية؛ إذ كشفت الحكومة الهندية خلايا تجسسيةً كثيرةً منتشرةً في الهند، وأنّ إسرائيل تجاوزت الحكومة المركزية و"أقامت علاقاتٍ مباشرةً بعددٍ من حكومات الولايات، وهو ما لم يحدث سابقًا"، إضافةً إلى أنَّ السيّاح الإسرائيليين الذين يبلغ عددهم أكثر من 40 ألف سائح سنويًّا، مشهورون بالعربدة، وتهريب المخدَّرات، والتعاون مع العصابات الإجرامية.

وتأسَّف ظفر الإسلام خان في نهاية ورقته من السياسة الخارجية الهندية تجاه إسرائيل، موضّحًا أنّ الهند، "بعد أن كانت رائدةً دول عدم الانحياز في فترة الحرب الباردة"، أصبحت الآن تتجه إلى تقديم مصالحها الاقتصادية على القضايا الأخلاقية.


حضور نوعي ونقاشات كبيرة

يُذكر أنّ حفل الافتتاح الرسمي للمؤتمر جرى بحضور سموّ أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقد حلّ رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران ضيفًا على المؤتمر، وشارك في أعماله رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي مصطفى بن جعفر بكلمة في ندوة سياسية ناقشت "القضية الفلسطينية في ضوء المستجدّات العربية والإقليمية". واستضاف المركز العربي في مؤتمره هذا العام العديد من السياسيين البارزين من مختلف الدول العربية، إلى جانب عددٍ من الشخصيات العامّة والدبلوماسيين من المنطقة العربية، بحضور حشدٍ من وسائل الإعلام والصحفيين المشاركين.

إضافةً إلى أوراقه الأكاديمية، تميّز المؤتمر بالندوات السياسية؛ إذ عُقدت قبل يوم من افتتاحه ندوتان نشّط أولاهما، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ومسؤول ملفّ المفاوضات صائب عريقات الذي تحدّث عن "المفاوضات: الخيارات والمستقبل"، وتحدّث مسؤول العلاقات الخارجية في حركة "حماس" أسامة حمدان في الثانية عن "المقاومة: الخيارات والمستقبل".

وشارك في الجلسات الأكاديمية باحثون شبّان إلى جانب الباحثين المختصّين في شؤون القضية الفلسطينية، وناشطون شبّان ومتضامنون مع القضية الفلسطينية من مختلف أنحاء العالم، وجمْع من البرلمانيين العرب، إضافةً إلى قياديين وسياسيين فلسطينيين من مختلف التيارات والفصائل. ومن الجدير بالذكر، أنّ المؤتمر هو التظاهرة الأكاديمية والسياسية الأوسع التي تتناول القضية الفلسطينية في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة. كما أنه الحدث الفريد في المنطقة العربية الذي يجمع مراكز الأبحاث والدراسات السياسية والإستراتيجية العربية. وقد شارك في مؤتمر هذا العام نحو 70 مركز بحثٍ عربي، تجاوز عددها السبعين في النسخة الأولى من المؤتمر التي عُقدت عام 2012.