بدون عنوان

نخبة من المختصين والأكادميين يشاركون في الحلقة النقاشية

نظّم فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت، يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حلقة نقاش تحت عنوان "القضاة في مصر وتونس بين قواعد المهنة وضرورات السياسة (2000- 2013)". شارك فيها نخبةٌ من المختصّين والأكاديميين والباحثين والأساتذة الجامعيين وعدد من القضاة والمحامين.

افتتح الدكتور وجيه كوثراني مدير المركز حلقة النقاش، بكلمةٍ عرّف فيها بأنشطة المركز واهتماماته "في إنتاج البحث الجدّي والمحقّق"، مشيرًا إلى إصداراته من الكتب التي قاربت الستّين كتابًا، إضافةً إلى عشرين مؤلّفًا قيد الطبع، وأربعين قيد التحكيم، وترجمة كتب.

وأشار كوثراني إلى موقع المركز الإلكتروني، وإلى مشروعٍ قيد الإعداد هو المعجم التاريخي للغة العربية.

ثمّ تحدّثت الدكتورة مارلين نصر مؤكّدةً أنّ حلقة النقاش هذه هي خطوة أولى في مشروع ندوة موسّعة عن القضاء في العالم العربي، يجري الإعداد لها مع قضاةٍ بارزين.

انطلقت حلقة النقاش من عملٍ بحثيّ أعدّه المحامي نزار صاغية، والباحث في مجال العلوم الاجتماعية القانونية والقضائية سامر غمرون.

يشرف الباحثان على إصدار مطبوعة شهريّة بعنوان المفكّرة القانونية، وقال سامر غمرون إنّ هذه المطبوعة تُعنى بإخراج القانون من فضائه إلى ميادين العلوم كافّة، وطرح المادّة القانونية للنقاش العامّ حول موادّ قضائية وقانونية.

أمّاعن موضوع الحلقة، فقال غمرون: "بعد التغيّرات التي حصلت في مصر وتونس عام 2011، انفتحت أمامنا نافذة بحثية في هذين البلدين"، مشيرًا إلى صعوبة الوصول إلى الأبحاث في مجال القضاء في عهدَي الرئيسين الأسبقين مبارك وبن علي.

ورأى الباحث أنّ البحث هدف إلى إجراء مقابلات مع قضاة البلدين مباشرةً بعد حصول هذه التغيّرات، إذ لا مبرّرَ للانتظار عقودًا من الزمن لفتح هذا الملفّ.

وذكر أنّ البحث لا يهدف لإجراء مقارنة بين القضاء في مصر وتونس؛ إذ هناك عدد من القضاة يجدون أنفسهم في ظلّ خيارات قانونية غير مقتنعين بها، ملمّحًا إلى أنّه استقى مع صاغية تجربة البحث هذه من تجارب حصلت في دول أميركا اللاتينية وغيرها من الدول.

ولفت غمرون إلى أنّ غالبية الناس تؤمن أنّ القضاء جزء من الأنظمة، وأنّ الدراسات غالبًا ما تركّز على أنظمة استبدادية بمعزلٍ عن دراسة القضاء؛ إذ نجهل كيف يستخدم القضاة الأنظمة على عكس ما نعرفه عن استخدام الأنظمة القضاء، معترضًا على النظر إلى القضاة نظرة واحدة، ما يعني عدم الاعتراف بالتنوّع الأفقي والعمودي فكريًّا وثقافيًّا في جسم القضاء، كما أنّه يفقد البحث طابعه العلمي.

وتحدّث الباحث عن خمسين مقابلة أجراها مع صاغية بطرقٍ رسمية وعلمية في مصر، إضافةً إلى عشرات المقابلات بطرقٍ غير رسميّة، مشيرًا إلى حصولهما على وثائق ومستندات.

الدكتور وجيه كوثراني متدخلا في بداية االحلقة النقاشية

وتطرّق غمرون إلى مقاومة قضاةٍ في تونس نظام بن علي عامَي 2005-2006 ، كاشفًا عن لقاءات أجرياها مع القضاة المقاومين هناك، وإلى وجود قضاة لم يقاوموا ولم يشتهروا إعلاميًّا. عمل الباحثان على تطوير المقابلات، ولمسا مشكلات القضاة الذين قاوموا الاستبداد. أمّا القضاة الذين لم يقاوموا الاستبداد، فلا وجود لأثرٍ لهم، وهذه مشكلة تفرض ثقلها الأخلاقي على البحث.

وشرح الباحث مفرداتٍ تُستخدم في تصنيف القضاة في تونس بين قاضٍ منسجم وآخر غير منسجم، أي أنّ المنسجم هو من يخضع للتعليمات. وبناء عليه فهو لا يمثّل مصدر قلق للنظام، وقاضٍ آخر يسعى إلى تقديم الخدمات وينفّذ التعليمات، وهناك من لا يمانع، وهناك من يرفض. فالانسجام هو تلاقٍ بين الحاكم المستبدّ والقاضي في منتصف الطريق، وإذا لم ينتفض القاضي على المستبدّ فهو مقموع. وقد نتج من ذلك تعرّض القاضي غير المنسجم إلى ما يشبه الإقصاء في عمله، وتكرار نقله من مكانٍ إلى آخر، وافتقاده حماية مصالحه في الوزارة، وعدم مشاركته في مؤتمرات خارجية...

وأضاف: هناك قضاة تعرّضوا للتعذيب تحت حكم بن علي، ولكن هناك قضاة كثر كانوا منسجمين مع الحكم، والاستثناء هو القاضي الذي يستعدّ للصدام مع السلطة.

وذكر الباحث أنّ الانتفاضات القضائية في تونس عامَي 2005-2006 كانت استثناءً في تاريخ تونس القضائي المهادن للسلطة السياسية، معلنًا أنّه وضع يده على نصوص خطابات لقضاةٍ كبار ألقوْها خلال 12 سنة، وفيها تعظيم للرئيس بن علي.

وأوضح أنّه في عهد الرئيس التونسي الراحل بورقيبة عُزل القضاة عامَي 1984-1985، في حين عمل بن علي على تطبيعهم على مدى سنوات ومن دون اللجوء إلى القمع المباشر، ولكن مع تكاثر الغبار على مصطلحات استقلالية القضاء.

ثمّ تطرّق الباحث إلى وضع القضاء في مصر، فقال: إنّ من يسمّون قضاة الحكومة في مصر كانوا مع مبارك ولكن على طريقتهم، فمن هادنه حافظَ على نسيج التقاليد القضائية مثل الاستقلالية، واحترام الهرميّة داخل الجسم القضائي، والحذر من الإعلام، في حين أنّ القضاة الذين اصطدموا بحكم مبارك عام 2005 عملوا على تطوير المبادئ القضائية ومنها الخروج إلى الشارع للدفاع عن استقلالية القضاء، واعتصموا، وتظاهروا، واصطدموا مع الشرطة.

وشدّد على أنّ غالبية القضاة في مصر حرصوا على احترام صورتهم أمام الناس والإعلام، لأنّهم يخافون الفضيحة أكثر من الفساد.

ودعا غمرون إلى تخطّي فكرة التمييز بين قاضٍ مقاوم وآخر متعاون، وإلى ضرورة الدفاع عن المهنة، وإلى دراسة العلاقة بين القضاء والسياسة.


مرحلة ما بعد الثورة

تحدّث المحامي نزار صاغية عن مرحلة ما بعد الثورة في مصر وتونس، فقال إنّ حراكًا هائلًا حصل في سلك القضاء في الدولتين وأخذ أشكالًا مختلفة.

وتابع قائلًا: ظهرت في تونس دعوات إلى تطهير القضاء، وكانت جمعية القضاة تدافع عن مشروعية الثورة ضدّ النقابة التابعة للنظام، وأدّت إلى نقاشات حادّة بين الطرفين وصلت إلى حدّ انقطاع الحوار بينهما، وإلى التنافس الذي أخذ حيّزًا في الإعلام والأماكن العامّة، ووصلا إلى الشعارات نفسها، فتراجعت الجمعية عن فكرة "التطهير"، وتبنّت شعار "الاستقلالية".

ونوّه صاغية بإنشاء هيئة القضاء مؤخّرًا في تونس، واصفًا إيّاه بالرائع. وترفض هذه الهيئة قرارات وزير العدل، وقد دعمت الجمعية عمل الهيئة.

أمّا عن مصر، فقد قال الباحث: كان هناك قاسم مشترك بين قضاة مبارك والرافضين له يقضي بعدم التدخّل في شؤون القضاء، وأن يجري العمل على حلّ الخلافات داخل نادي القضاة، وأن يحرصوا على استقلاليتهم. ولكن في عامَي 2005-2006 حصل خلافٌ بشأن التقاليد القضائية. وفي عام 2011 توجّه القضاء إلى الإعلام، وفتح القضاة صفحات على فيسبوك. ونشأ ما عُرف بالقضاة "الفيسبوكيون"، ما أثّر في قضاةٍ في المغرب.

وتطرّق الباحث إلى الجدال الذي حصل بين أن يكون القضاة جزءًا من النظام ويسقطوا معه، أو أن يشعروا باختلاف الوضع بعد الثورة. وتناول مسألة هل يحدث التطهير قبل إعطاء القضاة صلاحيات، أم أنّ القضاء يلجأ إلى تطهير نفسه من الداخل؟

وختم صاغية مشيرًا إلى القضايا التي حصلت في الحراك؛ وأهمّها رفض المحاكم الاستثنائية، ورفض محاكمة المدنيّين أمام العسكريين، واستقلالية النائب العامّ عن السلطة السياسية.

وقرأ الدكتور كوثراني التعقيب الذي كتبه أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة يسري العصار لتعذّر حضوره، ناقلًا عنه تقديره البحث الذي "يندرج ضمن دراسات علم الاجتماع السياسي".


النقاش

لفت الدكتور ساري حنفي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية - بيروت إلى ما أسماه "الفلترة" التاريخية لدخول سلك القضاء في الدول العربية، أي الحصول مسبقًا على الموافقة الأمنيّة، وإقصاء شرائح معيّنة من يسارية وإسلاموية إخوانية ومنْعها من دخول القضاء، متسائلًا عن كيفية التعامل مع هذه المعضلة، إذ نرى بعض قرارات القضاء بعد الثورة كما كانت عليه قبلها.

وأبدت الدكتورة منى فياض أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية، بعض الملاحظات، وسألت عن مفهومَي الانسجام والحياد في القضاء المصري والتونسي، شارحةً مصطلح الانسجام وفقًا لعلم النفس، وقالت إنّه الممتثل، أي الذي ينفّذ ويطبّق.

ودعا الدكتور طوني عطا الله أستاذ مادّة الحقوق في الجامعة اللبنانية، إلى استخدام كلمة سلطوية بدلًا من استبدادية، كي يكون الباحث حياديًّا في عمله، معتبرًا أنّ كلمة منسجم هي تخفيف لمعنى الانصياع، متمنّيًا العمل على نشر الأحكام القضائية الجيّدة.

واختصر عضو المجلس الدستوري وأستاذ علم الاجتماع الدكتور أنطوان مسرّة، ملاحظة عن مفردة "الانسجام" واصفًا إيّاها بالاستزلام، معتبرًا أنّ موجب التحفّظ في القضاء هو موجب الكسل، والعدالة هي مشكلة مجتمع.

وسأل الطالب عدنان لبّان من جامعة الحكمة عن مدى استقلالية القضاء في الأنظمة الاستبدادية.

وقال القاضي ياسر مصطفى إنّ النظام في لبنان ليس استبداديًّا، محمّلًا القضاة أنفسهم المشكلة في لبنان، نافيًا أن يكون القضاء سيّئًا أو فاشلًا بسبب فردية تصرّفات بعض القضاة، مؤكّدًا ضرورة وضع الضوابط والمعايير في عمل القضاء، ومنها موجب التحفّظ، منتقدًا ممارسات بعض القضاة.

وشدّد الدكتور خالد سليمان أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية ومحامٍ في محكمة الاستئناف في شمال لبنان، على أنّ موجب التحفّظ أساسي في عمل القضاء، معتبرًا أنّ كلّ سلطة جديدة تأتي بسلطتها القضائيّة، ملمّحًا إلى عدم حصول تحوّل في مصر وتونس، والحديث عن القضاء فيهما يحتاج إلى ثلاثة عقود أخرى.

وعن لبنان، أعلن الباحث عن استطلاع سرّي مفاده أنّ 7 لبنانيّين من 10 لا يثقون بالقضاء اللبناني، مؤكّدًا وجود قضاة شجعان في ظلّ نظام طائفي غير مريح.

وتحدّثت الدكتورة نهاوند القادري، أستاذة في كلّية الإعلام في الجامعة اللبنانية، عن ضرورة دراسة الإرث القضائي للوصول إلى تحليلٍ مفيد، متسائلةً عمّا إذا كان قد حصل تغيير فعلي في مصر وتونس، أم أنّه اقتصر على إسقاط رؤوس الحكم.

ورأى الدكتور مسعود يونس أستاذ علم الاجتماع القانوني، أنّ النظام السياسي في تونس مختلف عمّا هو عليه في مصر؛ فهو في تونس ذو طابع مخابراتي، في حين يغلب الطابع المؤسّساتي في مصر، مشيرًا إلى نظام عصبية الطوائف والعائلات كما كان في العراق وسورية، وهذا ما أدّى إلى إفراغ القضاء من مضمونه.

وعن القضاء في لبنان، قال إنّ النظام ليس استبداديًّا، ولكن تحكمه العصبيات، وتنتشر في القضاء أمراض لم نشهدها من قبل، ونحن نعيش حاليًّا مرحلة تحلّل المؤسسات، وهذا ينعكس على عمل القضاء والتجاذبات فيه، وهناك قضاة شجعان وقضاة على قدر ما لا نتمنّاه لهم.

رأت الدكتورة عزّة سليمان أنّ حلقة النقاش خارج إطار علم القانون، وسألت عن معيار التطهير. وقالت إنّ التطهير يكون من الفساد وليس من اتّباع هذا الرئيس أو ذاك. وميّزت بين القضاء الإداري والقضاء العدلي الذي يحمي الناس، والقضاء الدستوري الذي يحمي الدولة، مشيرةً إلى أنّ القضاء الدستوري في مصر استطاع حماية الدولة.

وأعرب القاضي يحيى غبورة عن سروره في حال وجود ثلث الشعب اللبناني يثق بالقضاء، مشدّدًا على أنّنا في نظام لمجموعة من القبائل ولا وجود للدولة.

وتمنّت الدكتورة رفيف صيداوي أن يكون البحث موضوع الحلقة أكثر شمولًا بما يتجاوز مسألة الاستبداد وعلاقتها بالقضاء.


ردود الباحثين

قدّم سامر غمرون في ردّه أحد استنتاجات البحث، وهو أنّ أبناء القضاة في مصر هم قضاة أيضًا وهذه مشكلة. وذكر أنّ كلمتَي "منسجم" و"التطهير"، يستخدمهما الفاعلون على الأرض. وقال: إنّ السؤال الأساسي للفلسفة القانونية يكمن في معرفة دوافع رفض القضاة الكبار تطبيق القانون في بعض الأحيان، أو عدمه؟

أمّا نزار صاغية، فقال إنّ البحث هنا جزء صغير من البحث الأساسي وعدد صفحاته 230 صفحة.

وأضاف أنّ القضاء العدلي في مصر كان مستقلًّا، في حين أنّه كان يشهد تدخّلات في تونس، مؤكّدًا أنّ القاضي هو من يحدّد استقلالية القضاء، معتبرًا أنّ موجب التحفّظ تحوَّل إلى أكبر أداة قمع للقضاة في الدول العربية، منوّهًا بعمل القضاة المغاربة الشبّان لأنّهم يعملون على توثيقٍ يومي للتدخّلات في عمل القضاء.

ووصف ما يحدث في لبنان بثقافة التدخّل في القضاء وسط صمتٍ تامّ، مشيرًا إلى وجود نوادٍ للقضاء لحمايته في مصر وتونس وحتّى في اليمن.