بدون عنوان

اختتمت أمس (السبت 22 آذار / مارس 2014) أعمال المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية والإنسانية الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس بمائدة مستديرة عنوانها "أي سياسات تنموية ملائمة لمواجهة تحديات الحراك الاجتماعي. أدار المائدة المستديرة الدكتور علي عبد القادر، وشارك فيها كل من الدكتورة ثناء عبد الله والدكتور خالد أبو إسماعيل والدكتور إبراهيم العسوي والدكتور دارم البصام والدكتور عبد الستار السحباني.


التنمية المستقلة

المتحدثون في المائدة المستديرة حول سياسات التنمية الملائمة لتحديات الحراك الاجتماعي

وقد طرح المشاركون في المائدة المستديرة مجموعة من القضايا المهمة بشأن النماذج والسياسات التنموية الأمثل لمرافقة الحراك الاجتماعي والثورات العربية، من منطلق أن الثورات العربية تسعى إلى تحقيق تحول ديمقراطي نحو مجتمع العدالة والحرية، وهو المسار الذي لن يكفل له النجاح من دون تحقيق تنمية مستدامة تكفل الكرامة والعدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة وبلوغ الرفاه الاقتصادي لتحسين أوضاع الشعوب العربية التي كانت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة وانتشار الفساد أبرز مسببات حراكها وثورتها ضد الأنظمة التي أوصلتها إلى هذا الوضع سياساتها الاقتصادية والاجتماعية المتبعة.

وأكدت الدكتورة ثناء عبد الله أن الثورات العربية لم تفشل، وإنما ما نراه هو ملامح الموجة الأولى للتغيير، وهناك موجات يجري حاليا اختمارها، ولن يستطيع أحد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وشددت على أن التغيير الذي نتوخاه لن يحدث إلا بتغيير النظام الاجتماعي العربي ليحل نظام اجتماعي عربي جديد. وأشارت إلى أن الأنظمة العربية لم تطبق أي نظرية اقتصادية لا اشتراكية ولا رأسمالية، والنظرية الوحيدة التي طبقتها هي "الفساد". وفي نظرها فإن طريق التنمية يمر عبر فهم طبيعة الثورات العربية كونها صراعًا على الثروةن ولا يمكن أن نتحدث عن تنمية عربية من دون تقليل الفجوة في الدخول والثروات.

وقد حلل الدكتور إبراهيم العسوي في مداخلته مختلف النماذج التنموية المتوفرة كخيارات بديلة عن الرأسمالية الجديدة، فتحدث عن نموذج اقتصاد السوق الاجتماعية، ونموذج الطريق الثالث، ونموذج الاقتصاد الاجتماعي التضامني، ونموذج الاقتصاد الإسلامي، وما يسمى النموذج التركي. وتساءل في عرضه لهذه النماذج: هل تشكل فعلا بدائلا حقيقية للرأسمالية الجديدة التي ثبت أنها لا تتناسب مع احتياجات التنمية في المنطقة العربية والبلدان النامية ككل؟ وخلص إلى أن هذه النماذج غير مقنعة، مدافعا عن أطروحته في إقامة نموج تنموي جديد وهو "التنمية المستقلة".

ورأى الدكتور دارم البصام أن المطلوب بعد الثورات العربية هو بناء حوار وفتح نقاش يضم السياسيين والحركات الاجتماعية والخبراء وراسمي السياسات بهدف دراسة تبعات ما تفرزه الثورات ورسم سياسات تنموية قائمة على فهم لواقع كل دولة والاحتياجات الاجتماعية لمواطنيها.


مؤشرات مخادعة

إحدى جلسات اليوم الأخير من المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية والإنسانية

من جانبه، نبه الدكتور خالد أبو إسماعيل الخبير لدى العديد من المنظمات الدولية إلى أن الثورات العربية أعادت النظر في صدقية العديد من المؤشرات المتعلقة بالتنمية التي كانت تعتمدها منظمات وتقارير دولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكل التقارير القطرية عن التنمية والتنمية البشرية؛ إذ اتضح أن هذه المؤشرات لا تقدم الصورة الحقيقية لوضع الفئات الاجتماعية الهشة. وضرب مثلا بتقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عشية الثورات العربية والذي تحدث عن المعجزة التنموية التونسية، ومثل ذلك تقرير التقدم في تحقيق أهداف الألفية الذي صنف الدول العربية في مستوى أفضل من المتوسط، والأغرب أن الدول الأربع الأولى كانت بالترتيب: عمان، ومصر، وتونس، وسورية؛ وقد عرفنا ما حدث بعد ذلك بثورات في ثلاثة منها كانت المطالب الاجتماعية (وهي في صلب أهداف الألفية) من أكبر مسببات الحراك الاجتماعي فيها.

وخلص الدكتور خالد أبو إسماعيل إلى أن هناك خللا عميقا في مؤشرات تقييم الأداء التنموي، مشيرا إلى أن تدارك هذا الخلل يكون بتعزيز التحليل الكيفي لأرقام المؤشرات وإدخال أبعاد "اللامساواة" و"الحرمان" في هذا التحليل.

وقدّم الدكتور عبد الستار السحباني قراءة للمشهد التنموي التونسي قبل الثورة، مركزا على التفاوتات بين الجهات والأقاليم، والدور السلبي للقطاع الخاص الذي ظل يدور في فلك النظام الحاكم. ورأى أن القطاع الخاص يجب أن يشجّع ويضبط من أجل خلق بورجوازية وطنية تكون صمام الديمقراطية.

وقد شهد اليوم الثالث والأخير من أعمال المؤتمر السنوي الثالث للعلوم الاجتماعية والإنسانية جلستين صباحيتين تناولتا في محور "السياسات التنموية وتحدّيات الثورة في الأقطار العربيّة" التحديات التي تواجه صوغ سياسات التنمية وتنفيذها، فيما تناولت جلستا محور "أطوار التاريخ الانتقالية، مآل الثورات العربيّة" مراحل الانتقال في ضوء التجارب العالمية وكذا دراسة حالات بعض دول الربيع العربي.

وقد سبق المائدة المستديرة حول سياسات التنمية عرض قدمه الدكتور محمد المصري مدير برنامج الرأي العام العربي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن "المؤشر العربي" الذي ينجزه المركز سنويا في كل الدول العربية التي يمكن فيها تنفيذ سبر آراء المواطنين العرب بشأن قضايا سياسية واجتماعية وثقافية.

وقد اختتمت أعمال المؤتمر بحفل توزيع الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية في دورتها الثالثة (2013-2014).